جائنا سؤال حول دراسة تقارن بين عمل الكركم وعمل الفلوكستين (البروزاك) تقول بأن الكركم يعمل أفضل من الفلوكستين في معالجة الاكتئاب. ويروج لهذه الدراسة نجم حمية الكيتو ونجم مثقفي الدرجة الثانية مختص المعالجة اليدوية ايريك بيرج والذي صار يطرح مواضيع كثيرة الإشكاليات بعد أن كان يركز على تفاصيل بسيطة معروفة ومثبتة علمياً.

لم نعتبر الدراسة باطلة لأنها منشورة في دورية علمية غير معروفة، بل لمشاكل منهجية واضحة يمكن قراءتها في خلاصة الدراسة. أولها أن البحث الذي أقيم على 60 شخص مصاب بالاكتئاب لم يخرج بأي نتيجة ذات دلالة إحصائية. وللتذكير فالدلالة الإحصائية تعني باختصار احتمالية أن تظهر ذات النتيجة بالصدفة، لكن “الباحثين” لم يعرفوا ذلك وخرجوا للعالم بنتيجة يمكن أن تكون قد حدثت بالصدفة بنسبة 77%. مع نتيجة كهذه لا يستحق الأمر أن ينشر كبحث ولا يفعل ذلك معظم الباحثين، غير أن “الباحثين” في هذه الحالة نشروا “بحثهم” وها هو ينال الأسئلة والاعتقادات الخاطئة.

الإشكالية الثانية في الدراسة هي أنه بوجود 60 شخص وثلاثة مجموعات تمت عليها الدراسة فإننا نستغرب كيف أن المجاميع هذه لم يكن فيها مجموعة للتحكم. المجموعات الثلاثة كانوا يأخذون الفلوكستين، الكركم، أو كلاهما. لماذا لم يعطي الباحثون حبوب البلاسيبو لاحدى المجاميع لمقارنة الوهم بالعلاج الحقيقي؟ ببساطة لأنهم ليسوا باحثين ولا يعرفون أبسط مبادئ العلم والمنهج العلمي وليس كل من ينشر بحثاً هو باحث أو كما يقول المثل “ليس كل من سود وجهه قال أنا حداد”.

بعد تقييم سيكولوجي عبر استبيان خلص العاملون على الدراسة الى تفوق الكركم لكن دون دلالة إحصائية وانتهت القصة وحصلت الدراسة على 221 استشهاد من دراسات فاشلة مثلها. لنعلم من خلال عدد الاستشهادات العالي نسبياً أن المجتمع العلمي مليء بفجوات كبرى كهذه. كل الذين استشهدوا بهذه الدراسة لم ينتبهوا الى ضعفها وعدم صلاحيتها علمياً.

الدراسة الأخرى التي جرت على الكركم والاكتئاب كانت في الحقيقة غريبة جداً ولا ندري كيف يمكن اعتبارها دراسة تتعلق بالاكتئاب فقد جرت الدراسة على الفئران. والفئران بطبيعة الحال كائنات لا يمكن تقييم الاكتئاب فيها مثلما يحدث مع البشر هذا ان كان المفهوم موجوداً من الأساس. ومن جهة أخرى فإن عمل الادوية المضادة للاكتئاب يأخذ عدة أسابيع لكي تبدأ بالعمل، غير أن الباحثين هنا قرروا أن يقارنوا بين عمل الكركم مع مادة أخرى في تحسين كفاءة الفلوكستين. الن ينتظروا لاسابيع؟ كلا بل قاموا بفتح ادمغة الفئران بعد ساعة واحدة فقط ليقيسوا وصول الفلوكستين (مضاد الاكتئاب) فيها للدماغ. هل يمكن أن يستدل أي شخص على دور الكركم في معالجة الاكتئاب عبر هذه الدراسة؟ كلا بالتأكيد فادخال مادة للجسم والاستدلال على وجودها في الدم شيء، وعمل المادة على أمر معقد كالاكتئاب هو شيء مختلف تماماً.

هذا هو كل ما في الأمر، لا تتناول الكركم لتعالج الاكتئاب، ولا لتحسن كفاءة ادوية الاكتئاب فليست كل الأبحاث أعمالاً محترمة وذات نتائج صالحة وحقيقية. وتذكر، لو كان الكركم يقوم مقام الفلوكستين بالفعل، فعليك أن تتعامل معه بنفس الحذر! لا توجد مادة ستعالج أمراً معقداً وخطيراً كالاكتئاب وبنفس كفاءة الدواء الموجودة ودون ضريبة من الأعراض الجانبية.

المصادر: اعتدنا أن نشير للأوراق البحثية التي نكتب عنها، لكن هذه المرة لا نرغب بالاشارة للمصدرين واعطاهما المزيد من الشهرة. البحث الأول صادر من كلية في الهند والآخر من باحث في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية.