“ففي ستينات القرن العشرين، في الولايات المتحدة، تسببت عملية ختان خرقاء في ضرر بالغ بالعضو الذكري لصبي، وقرر الأطباء بتره. ثم تقرر تحويل الصبي إلى فتاة بإخصائه ثم معالجته بالهرمونات. وهكذا تحول جون إلى جوان، التي ارتدت فساتين ولعبت بالعرائس، وبرت فعلاً لتصير فتاة شابة. وفي عام 1973، ادعى جون موني، عالم النفس الفرويدي، على الملأ أن جوان كانت فتاة مراهقة سوية، وأن حالتها هذه وضعت نهاية لكل التخمينات، وأن الدور الجنسي للفرد يتحدد بصورة اجتماعية.
لكن حتى العام 1997، لم يهتم أحد بتفقد هذه الحقائق، وحين اقتفى ميلتون دياموند وكيث سيجموندسون أثر جوان، توصلا إلى رجل سعيد متزوج بامرأة، كانت قصته مختلفة للغاية عن تلك التي رواها موني. لقد شعر على الدوام بالتعاسة حيال شيء ما وهو طفل، ولطالما رغب في ارتداء السراويل والاختلاط بالصبيان والتبول وهو واقف، وفي سن الرابعة عشر، اخبر والداه بما حدث، الأمر الذي سبب له ارتياحا كبيرا. من ثم توقف عن العلاج الهرموني وغير اسمه مجددا إلى جون واستأنف حياته كرجل، واستأصل ثدييه. وفي نهاية المطاف ، وهو في السن الخامسة والعشرين، تزوج بامرأة وتبنى أبناءها. وهكذا تحول ما كان يوما بمنزلة إثبات على التشكيل الاجتماعي للدور الجنسي للفرد إلى العكس تماما؛ إلى دليل على إن الطبيعة تلعب دور حقيقيا في تحديد الجنس. إن الأدلة المستقاة من علم الحيوان لطالما عززت هذه الفكرة؛ إذ إن سلوك الذكور مختلفة اختلافا منهجيا عن سلوك الإناث في اغلب الأنواع، وهذا الاختلاف له أساس فطري. إن المخ عضو محدد الجنس. والأدلة الآتية من الجينوم والجينات المدموغة والجينات الخاصة بالسلوكيات المرتبطة بالجنس كلها تؤكد هذه الفكرة.”
“إن النظرة التقليدية كانت تقضي أن يعد الأب والعناية المفرطة للأم هما السببان اللذان يجعلان الصبي مثليا. لكن يعتقد ألان إن العكس هو الصحيح على الأرجح؛ أن الأب هو الذي ينسحب عندما يدرك أن ابنه ليس معنياً بالاهتمامات الذكورية، وتعوض الأم ذلك بأن تبالغ في رعايتها للابن. وبالمثل، صحيح إن أمهات الأطفال المصابين بالتوحد يتسمن بالبرود، لكن هذا اثر وليس سببا؛ فالأم المنهكة واهنة العزيمة بفعل سنوات غير مجزية من محاولة التواصل مع الطفل المتوحد تستسلم وتتخلى في نهاية المطاف عن المحاولة.”
كتاب (الجينوم – مات ريدلي)