مع مرور الوقت، أصبح التغيّر المناخي ظاهرة طاغية على الساحة الإعلامية العالمية بعد الإنذارات العديدة التي أطلقتها الأرض كرد على الاستغلال المفرط لمواردها، والذي استمر منذ عقود طويلة. مع ذلك، يبدو أن هناك فئة، من بينها بعض العلماء، لاتزال ترى أن التغيرات المناخية، وبالتحديد الاحتباس الحراري، مجرد فقاعة إعلامية يتم الترويج لها لتمرير أجندات سياسية تستفيد منها جهات معينة.
واستجابة لهذا الرأي المغلوط، يحاول هذا المقال أن يعدد الأسباب التي تؤكد على أن الإنسان يتحمل كامل اللوم في ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعرض الحجج التي يسوقها مروجي هذه الآراء إضافة إلى رد العلماء عليها.
الإثبات العلمي لوجود الاحتباس الحراري
هناك عدة أسباب تدل على أن الاحتباس الحراري سببه الممارسات اللا مبالية للإنسان على مر تاريخه الحديث، وأهمها:
- ارتفاع معدل ثاني أوكسيد الكربون: في المائتي سنة الماضية، زاد مقدار ثاني أوكسيد الكربون بمعدلات غير مسبوقة، وهو ما تظهره البيانات والقياسات التي تم جمعها من حلقات الأشجار والنوى الجليدية والشعاب المرجانية. قبل هذا التاريخ، كانت درجات الحرارة ضمن معدلات متوسطة وثابتة، ومستقرة إلى حد ما على مدى عشرة آلاف سنة، وفقا لما توصل إليه علماء المناخ. لكن خلال القرنين الماضيين، الموافقين لبداية الثورة الصناعية التي شهدت للمرة الأولى إزالة الغابات على نطاق واسع والاستعمال المكثف للفحم والغاز والنفط، ارتفعت سرعة هذا الاحترار بشكل لم يسبق له مثيل.
- ذوبان الغطاء الجليدي القطبي: أصبح الغطاء الجليدي القطبي رفيعا بمعدل ينذر بالخطر، وتشير ملاحظات بعض العلماء الذين يدرسون حالة هذا الغطاء إلى أنه، وباستمرار هذا التراجع على هذه الوتيرة، سيكون أقل من نصف القطب الجليدي فقط مغطى بالجليد في فصل الصيف بحلول عام 2030، وهو ما سيشكل كارثة بيئية تضر بالحيوانات التي تستوطن تلك المناطق وبالناس الذين يعيشون فيها، أو قريبا منها، على حد سواء. فبالرغم من أن الأجراف الجليدية في القطب الجليدي صمدت في وجه التغير الحراري الذي شهدته العشرة آلاف سنة الماضية، إلا أن المعدلات التي يتناقص بها حجم الجليد حاليا هي الأولى في التاريخ الجيولوجي.
- ذوبان الأنهار الجليدية: تتدهور حالة الأنهار الجليدية بأعلى معدلات تم توثيقها على الإطلاق، ما يؤثر على حياة الأفراد الذين يسكنون قربها والذين يعتمدون على إمداداتها من المياه العذبة، التي تتناقص تدريجيا، في حياتهم اليومية. بتلاشي الجليد الذي يبقى متجمدا بشكل دائم على مدار السنة، يتم تحرير كميات كبيرة من غازات الدفيئة، ما يساهم في الاحتباس الحراري، الذي نشهد تبعاته في موجات الحرارة المرتفعة التي تسجل كل عام. ولا يقتصر هذا التأثير على الإنسان فقط، إذ حتى الحيوانات والنباتات تصبح معرضة للخطر، فتغير المناخ يعني أن على الحيوانات أن تهاجر إلى مناطق أخرى وتتأقلم مع الظروف الجديدة، وأن بعض النباتات ستختفي من الوجود.
- ارتفاع منسوب مياه البحر: كل ما ذاب من الجليد ينتهي في نهاية المطاف في المحيط، ما يسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يزداد بمعدل ثلاثة إلى أربعة مليمترات في السنة، أكثر بعشرة أضعاف مما كان عليه الأمر في الثلاثة آلاف سنة الماضية. ويتوقع العلماء أن هذا الارتفاع سيصل إلى حدود متر وثلاثين سنتيمترا في القرن المقبل فقط، أي أن المدن التي تقع على ارتفاعات منخفضة ستغرق، ما سيضطر الساكنة إلى الانتقال إلى أماكن أخرى أكثر ملاءمة للعيش. المدن الساحلية أيضا تواجه هذا الخطر، إذ إن ارتفاع منسوب المياه سيعني أن المياه ستغمرها جزئيا أو كليا، حسب قربها أو بعدها عن الساحل. إذا ذابت جميع الأغطية الجليدية فمن المتوقع أن يرتفع منسوب المياه بخمسة وستين مترا، وفي مواجهة هذا الارتفاع سيجبر الإنسان على العيش في القمم حيث لا يصله الماء كإجراء أخير لمواجهة الوضع الذي كان سببا فيه.
حجج منكري الاحتباس الحراري والرد عليها
على الرغم من الأدلة الكثيرة التي تثبت ظاهرة الاحتباس الحراري، هناك الكثير من الناس الذين ما يزالون متشككين من حقيقة الخطر الذي تكتسيه هذه الظاهرة. أحد الأسباب التي تفسر هذا التشكيك المستمر هو الأكاذيب والتحريفات التي يتم تمريرها من طرف مروجي هذه الفكرة على أنها حقائق علمية، من بينها الادعاءات التالية:
- إنه مجرد تقلب مناخي طبيعي: لا، ليس كذلك. نعلم جيدا كيف ظهرت الصفائح الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، وكيف تجمدا خلال أكثر من ثلاث ملايين سنة، ونعلم أيضا أن التغيرات في مدار الأرض تتحكم في كمية الإشعاعات الشمسية التي يتلقاها كوكبنا، وهو ما يخلق تحولات يمكن تتبعها بين فترة جليدية وأخرى. الفترة الجليدية الحالية، الدافئة على غير المعتاد، استمرت بالفعل عشرة آلاف سنة، مثل معظم الفترات السابقة، لكن لولا تأثير الاحتباس الحراري لكنا الآن على مشارف عصر جليدي جديد في السنوات الألف المقبلة. أدى هذا إلى ضخ غازات الدفيئة التي كانت محبوسة لفترة طويلة في قشرة الكرة الأرضية، ما جعل العصر الحالي أدفأ من سابقيه بنسبة كبيرة، الأمر الذي نستنتجه من معدل ثاني أوكسيد الكربون في الجو، الذي لم يحدث أن تخطت مستوياته ثلاثمائة جزء في المليون في أي حقبة جليدية سابقة، عكس ما يحدث حاليا، إذ إن هذه النسبة قاربت أربعمائة جزء في المليون، ويتوقع أن تصل إلى ستمائة جزء في المليون في غضون بضعة عقود وإن توقفنا عن إطلاق غازات الدفيئة في الجو نهائيا.
- إنه تأثير الشمس، أو الأشعة الكونية، أو النشاط البركاني، أو الميثان: خطأ. إن كمية الحرارة التي ترسلها الشمس إلى الكرة الأرضية في تناقص مطرد منذ العام 1940، كما لا وجود لأدلة تظهر زيادة الإشعاعات الكونية التي تلقتها الأرض خلال القرن الماضي، أضف إلى ذلك غياب أدلة واضحة تشير إلى العلاقة بين الانفجارات البركانية وارتفاع درجة حرارة الكوكب. ففي حين تحرر البراكين 0.3 مليار طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويا، تساهم الأنشطة البشرية بما مقداره تسعة وعشرين مليار طن يتم تحريرها سنويا، ما يعادل مقدار ما تحرره البراكين مائة مرة. أما الميثان، فمع أن تأثيره أقوى من تأثير ثاني أوكسيد الكربون، إلا أن نسبته في الجو أقل مائتي مرة من نسبة هذا الأخير. ولذلك يبقى ثاني أوكسيد الكربون، المحرر بكثرة نتيجة الأنشطة الصناعية، أهم عنصر في هذه المعادلة، ما يحيلنا إلى أن العلاقة الوطيدة بين الإنسان والاحتباس الحراري.
- البيانات المناخية تظهر انخفاض درجة الحرارة منذ عام 1995: استخدام هذه الحجة خداع متعمد. نعم، على المدى القصير، كان هناك انخفاض طفيف لدرجات الحرارة بين عامي 1998 و2000، نظرا لأن هذه الفترة شهدت رقما قياسيا في عدد التغيرات المسجلة لظاهرة التردد الجنوبي – إل نينيو – والتي جعلت السنوات التالية تبدو أكثر برودة مقارنة مع السنوات السابقة. لكن منذ عام 2002، لا يمكن إنكار الاتجاه العام نحو ارتفاع درجة الحرارة الذي جاء بعدها. اللجوء إلى هذه الحجة هو استخدام فاضح للبيانات خارج سياقها في محاولة لإنكار واقع الاحتباس الحراري الذي تؤكده درجات الحرارة القياسية التي سجلت ابتداء من عام 1990.
- شهدنا نسب تساقط ثلوج قياسية في الأعوام الأخيرة: هذه، مجددا، حجة واهية. هذا ليس أكثر من فرق بين حالة الطقس (التغيرات الموسمية قصيرة الأجل) والمناخ (المتوسط الطويل الأجل على مدة عقود وقرون). إن حالة الطقس محليا لا تخبرنا عن ما يجري في قارة أخرى أو على المستوى العالمي، وفي الواقع، يعني ارتفاع درجات الحرارة العالمية مزيدا من الرطوبة في الغلاف الجوي، مما يزيد من شدة العواصف الثلجية في فصل الشتاء، التي يستند إليها بعض المنكرين كدليل على تهافت الاحتباس الحراري.
في هذه الحالة، وتقريبا في كل نقاش تتداخل فيه مصالح جهات نافذة، سواء سياسية أو دينية أو اقتصادية، مع الحقائق العلمية، غالبا ما يتم تغييب العقل لصالح آراء وأفكار تفيد بالدرجة الأولى تلك الجهات، حتى وإن كانت غير مثبتة علميا. يسري هذا أيضا على ظاهرة الاحتباس الحراري، فبفضل كل الارتباك والتشويش الذي يشوب هذه القضية، لا يتبقى لدى الجمهور سوى فكرة مغلوطة عن أسبابه وتبعاته، رغم أن هناك شبه إجماع بين علماء المناخ يؤكد أن الاحتباس الحراري مصدره الإنسان، ويرى أن علينا اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة كي يتسنى للأجيال القادمة أن تستمر على هذا الكوكب، وإلا فإن مستقبل الجنس البشري سيكون كارثيا.
المصدر:
DONALD R. PROTHERO, “How We Know Global Warming is Real and Human Caused“, skeptic.com, 8 Feb 2012