مع تزايد الوصول للمعلومات بشكل كبير فقد صار من الضروري للطلبة أن يكونوا قادرين على التمييز بين الحقائق والزيف ويُمكن للتدريسيين الإستعانة بكافة الأدوات المطلوبة لذلك بما في ذلك الأمثلة حول العلاج المثلي (Homeopathy) تلبس الجن والأشباح (Haunting) أو أياً من إدعاءات الخارقية، هذه هي خلاصة الورقة البحثية المنشورة في مجلة “الحدود في علم النفس” (frontiers in psychology) للباحثين رودني شمالتز (Rodney Schmaltz) من جامعة مكايوان في كندا (MacEwan University) وسكوت ليلينفيلد من جامعة ايموري (Emory University) في الولايات المتحدة وكلاهما أستاذٌ في قسم علم النفس.

المشكلة تتفاقم مع تنوع وتعدد وضخامة وسائل توفير المعلومة لتكون الأجيال الشابة في مواجهة كم كبير من المعلومات دون أدوات فعالة للتمييز بين الحقيقة والزيف. إحدى الإحصائيات المطبقة على عشرة آلاف طالب وكما تذكر الدراسة تقول بأن الإنخفاض في الإعتقادات الخرافية والإعتقادات بالعلوم الزائفة لم تشهد إلا انخفاضاً طفيفاً بعد إنهاء الدراسة الجامعية حتى لدى بعض الطلبة الذين أخذوا 3 حصص من العلوم، في حين لاحظت دراسة اخرى أن الطلبة الذين يقرؤون مواد تفنيد العلوم الزائفة هم الأقرب للتمييز بين العلم والعلم الزائف. لذا تقترح الدراسة إدخال بعض الأمثلة حول العلم الزائف ضمن الشروحات وتقدم مجموعة من الأمثلة لمساعدة التدريسيين في هذا الصدد.

المشكلة الثانية هي صعوبة تمييز العلم عن العلم الزائف ولذلك تقدم الورقة مجموعة من الملاحظات لتمييز العلم عن العلم الزائف:

  • المصطلحات الزائفة: مصطلحات غير علمية ولا أساس علمي لها لكنها تتخذ شكلاً علمياً مثل “العلاج بالطاقة”، “طاقة الكم”.
  • الأدلة القولية: نظراً لافتقار العلوم الزائفة للأدلة فهي تلجأ إلى إستخدام إقتباسات واقوال دون أدلة فعلية على تجارب، يمكن للأساتذة أن يرشدوا طلبتهم مثلاً لموقع بيع أساور الطاقة (Q-Ray) لمشاهدة عدد الاقتباسات وعدم صلة هذه الاقتباسات بأي دليل علمي.
  • قابلية التخطئة: الفرضيات التي لا يُمكن التحقق من كونها خاطئة أم لا تسمى بالفرضيات غير القابلة للتخطئة، مثلاً مؤيدي الطب الصيني التقليدي يقولون بأن هناك هالة من الطاقة حول الجسم تسمى “كي” وفي الواقع لا يُمكن قياس أو لمس أو إختبار هذه الهالة.
  • غياب الارتباط بأي أبحاث علمية من الامثلة على ذلك، العلاج المثلي وزعم مروجيه بأن العلاجات تصبح أكثر قوة كلما زاد تميعها، أو القول بأن للماء ذاكرة.
  • إنعدام مراجعة الأقران: عدم مراجعة البحوث التي تدعم العلوم الزائفة لأي من مراجعات المختصين.
  • إنعدام التصحيح الذاتي: رغم كثرة الدحض والتفنيد فإن مزاعم العلوم الزائفة تستمر بالحياة، وهي لا تصحح ذاتها أو تخضع للتقويم عند الحصول على آراء معينة حيالها.

من الأمثلة التي يُمكن شرحها للطلبة بالتزامن مع تقديم المادة العلمية، هي كتاب السر الذي يزعم بوجود قانون للجذب حيث نقوم بجذب الأهداف التي نبتغي الوصول إليها ومن ثم سنصل إليها ونحققها، لكن الأمر لا يتوقف عند صيغته الإنشائية بل يتعدى ذلك إلى الزعم بأن هناك تفسيراً للأمر في ميكانيكا الكم. يُمكن للتدريسيين أن يقدموا هذا الأمر برفقة الشرح حول ميكانيكا الكم وأن يعرضوا للطلبة بعض الفيديوهات التي تفند هذا الأرتباط وتوضح ضعف وسفه قانون الجذب العام.

زعم أننا نستخدم 10% من عقولنا فقط يُمكن أن تقدم في مادة علم النفس، ويُمكن أن يُقدم معها شرح لخدعة يوري غيللير الذي يدعي أنه يستطيع أن يثني الملاعق لأنه قادر على استخدام الـ 90% المتبقية من عقله. يُمكن للتدريسيين أن يقدموا عرضاً لثني الملعقة وأن يعرضوا نبذة عن مزاعم يوري غيللر ثم يقومون بشرح الأمر أو يقدموا فيديوات من الأنترنت تقوم بشرح الأمر وهناك كثيرين قاموا بشرحه.

الأشباح والعفاريت موضوع تروج السينما له بكثرة ولا يستطيع كثير من الطلاب أن يميزوا بين الحقيقة والواقع في الأمر، خصوصاً عندما يمتزج الأمر بقصص يتم الإدعاء أنها قصص حقيقية. السيناريو الآتي يُمكن أن يحدث في الصف، حول قصة حقيقية لعائلة أبلغت أنها رأت عفريتاً ضخماً وأتصلت بالشرطة من أجل ذلك. هنا يتوقف الأمر وينتظر الأستاذ فرضيات طلابه لمناقشة الأمر عقلانياً، ومن ثم يتم توضيح القصة الحقيقية حيث لم يكن العفريت الذي رأته العائلة سوى مجموعة من البوم الواقفة بطريقة معينة.

يُمكن للأساتذة أيضاً أن يطلبوا من الطلبة البحث عن أي أمثلة للعلوم الزائفة، في التلفاز أو الإنترنت أو في أوساطهم أو في الكتب والمجلات، بعض البرامج التلفزيونية مثل برنامج (The most haunted) المقدم في قناة بي بي سي تعد فرصة إضافية لفهم الطلبة للعلوم الزائفة والخرافات، يقدم هذا البرنامج مجموعة من المحققين الذين يختبرون العديد من الإشاعات والعلوم الزائفة المشهورة.

الطلبة يجب أن يتعلمواو ان يكونوا منفتحي الأذهان، مشككين، على سبيل المثال فهم لا يجب أن ينفوا وجود الأشباح من البداية ودون دليل، بل يجب أن يقدموا دليلاً على ذلك، يُمكنهم مثلاً أن يقوموا برحلة لإستكشاف أو صيد الأشباح. يُمكن أن يُطلب من الطلبة أيضاً أن يكونوا علمهم الزائف الخاص بهم أن يجمعوا معلومات من ميكانيكا الكم (مثلاً) وأن يخترعوا مصطلحات ذات طابع علمي أو أن يخترعوا نوعاً معيناً من العلاج. يُمكن للطلبة أن يجربوا بعض الأشياء غير الضارة والتي يدعي البعض أنها نوع من العلاج وأن يقارنوها بالبلاسيبو ليكتشفوا الأمر بأنفسهم. وتؤكد الورقة في النهاية أيضاً على تشجيع الطلبة على مشاهدة بعض البرامج التي تفند العلوم الزائفة.

لكن الورقة تختتم بتحذير، وهو أن تعليم التفكير العلمي بأستخدام العلوم الزائفة يجب أن يستخدم فقط في حال طرحه بالشكل الصحيح، فالطرح غير المنظم قد يجعل الطلبة يعتقدون بتلك العلوم الزائفة بدل دحضها أو أن يقوموا بالنظر للمزاعم غير المدعومة على انها مساوية للمزاعم العلمية، يجب أن يفهم الطلبة سمات العلم الزائف في كل مثال يتم طرحه.

نعقب على هذه الورقة البحثية حول العالم العربي بأن الأمر إن كان مهماً إلى حدٍ ما في الجامعات الأمريكية والأوربية فإنه مهم بشكل إستثنائي في البلاد العربية ولا يتوقف عند هذه الدرجة من الخرافات بل يتعداها إلى ضرورة تقديم شرح علمي متصالح مع الأفكار قادر على توضيح الفصل بين العلم والدين ومنهجيهما بشكل يتقبله الطلبة ويكون ذلك مفتاحاً للتقنيات الأخرى المقدمة في المقال والتي لا ضير أيضاً من تقديمها بشكل منفصل قد يؤدي دوره في تعزيز وعي الطلبة ونزعتهم الشكوكية.

الورقة البحثية:

Schmaltz, Rodney, and Scott O. Lilienfeld. “Hauntings, homeopathy, and the Hopkinsville Goblins: using pseudoscience to teach scientific thinking.” Frontiers in psychology 5 (2014).