جو نيكل Joe Nickell. ما الفرق بين الشمعة العطرية والشمعة العطرية التي تُستخدم في العلاج (Aromatherapy) -الجواب: نحو عشرة دولارات.
لنتكلم بجديةٍ، من المفترض أن المواد العطرية العادية تصير مشبعةً بقوّة الشفاء حين: لنكن صريحين، عندما تُباعُ لهذا الغرض. العلاج بالروائح هو علمٌ زائف يستخدم المواد العطرية لتحسين الصحة البدنية أو العقلية للفرد. ومع ذلك، هناك نقصٌ في الأدلة الطبية على أن العلاج بالروائح مفيدٌ في منع، أو علاج، أو شفاء أي مرضٍ -بخلاف تأثير الدواء الوهمي Placebo.
الأصل التاريخي
تعود جذور العلاج بالروائح (وأنا هنا لا أتلاعب بالألفاظ) إلى الممارسات العشبية القديمة للحضارات المبكرة، بما في ذلك حضارة الصينيين، والمصريين، والرومان وغيرهم. يبدو أن بعض النباتات العطرية تقدم فوائد -على سبيل المثال، يُستخدم شاي النعناع لتهدئة الاضطرابات الهضمية، وشجر المر توابل لأغلفة دفن الموتى، واللبان للدهن المقدس (Farrer-Halls 2005، 302-303؛ Nickell 1998، 37-38؛ ويلسون 2003، 17). ومع ذلك، فإن الاستخدامات العشبية لا تُشكّل العلاج بالروائح.
في الأساس (وأنا هنا أتلاعب بالألفاظ)، يُنذر استخدام الزيوت الأساسية -الزيوت الطبيعية المتطايرة التي تُضفي على النباتات روائحها المميزة –بممارسة العلاج بالروائح. مع أنّ القدماء استخدموا الزيوت في مستحضرات التجميل والعطور والمراهم -ويُقال إن أبقراط نصح باستخدام التدليك المُعطر (Essential Oils Academy 2019) -إلا أنّ العلاج بالروائح تطور في الواقع فقط في المائة عامٍ الماضية.
ساعد على تطوير هذا العلاج حادثةٌ تعرّض لها الكيميائي والعطّار الفرنسي رينيه جاتفوسي René Gattefossé (1881-1950) في عام 1910. إذ احترَقَت يداه في حادثٍ في المختبر، وسرعان ما تطورت الغرغرينا الغازية. فشطف الحروق بمستخلص اللافندر، ليبدأ الشفاء في اليوم التالي. في عام 1937، نشر عمله المميز، “العلاج بالروائح”، Aromatherapie وصاغ فيه تلك الكلمة (“Real Story” 2016).
بقيت الزيوت العطرية مدمجةً في الستينات مع تقنيات تدليكٍ معينةٍ (أي “مُعتمدة على الحدس” وسويدية)، وهذا أدى إلى ممارسة العلاج بالروائح اليوم باعتباره فنّاً علاجياً (Farrer-Halls 2005, 10).
الآثار المزعومة
يثير اعتماد العلاج العطري على الزيوت الأساسية قضايا أخرى. لاحظت هارييت هول Harriet Hall (2013) ببصيرتها المميزة، والمعروفة باسم “الطبيبة الشكاكة” The SkepDoc، أنّ “العديد من الزيوت تفعلُ الأمور نفسها”.
خذ مثلاً مجموعةً صغيرةً للعلاج بالروائح تحتوي على سبعة زيوتٍ أساسيةٍ فقط. أربعة (الميرمية المُتَصَلِبَة Clary sage، والبرتقال، والخزامى، والبابونج) تَعد بتأثيرات متشابهة جداً تُلخّصها كلمة مهدئة (على سبيل المثال، “يُلطّف، يُهدئ”، “يُخفّف القلق”، إلخ). ويقال إنّ الأربعة جميعها لها خصائص “مُهدّئة”. وتوصَفُ الثلاثة الأخرى (النعناع، والورد، وإكليل الجبل) بأنها “مُحفزةٌ” أو “مُنشطةٌ”، إلخ. كيف يُقرّر شخصٌ ما أيّها يستخدم؟
في الوقت نفسه، يُروّج المعالجون بالروائح لخلطاتٍ معينة من الزيوت لمجموعةٍ متنوعة من الأغراض المزعومة: لعلاج كل شيء بدءاً من حكّة فروة الرأس، والجلد المضطرب، والتهاب العضلات إلى السيطرة على العوامل الممرضة، والتحكم بالجوع. وقد رُوّجَ لأحد الأمزجة لقدرته المزعومة على مكافحة الشيخوخة (Hall 2013). (انظر أيضاّSusan Gould, “Essential Oils: One Weird Workshop,” Skeptical Inquirer, November/December 2018, and Lynn McCutcheon, “What’s That I Smell: The Claims of Aromatherapy,” SI, May/June 1996)
قوّة الإيحاء
هناك ادّعاءٌ بوجود عددٍ غير محدودٍ من الاستخدامات المفيدة للعلاج بالروائح، ويُسْتَشْهَدُ بآليتين رئيسيتين لشرح التأثيرات المزعومة: (1) كيفية تأثير الروائح في الجهاز الحوفي للدماغ Limbic system (الذي يتعامل مع العواطف والذكريات والتحفيز)، و(2) التأثيرات الدوائية المباشرة للزيوت الأساسية المُستخْدَمة (“Aromatherapy” 2019). ومع ذلك، أعتقد أنه يجب علينا إضافة واحدةٍ أخرى: تدليك الجسم، لأن هذه هي الطريقة الرئيسية (إضافةً إلى الانتشار الجوي، والاستنشاق المباشر، والاستحمام، وما إلى ذلك) التي تُطَبَقُ بواسطتها الزيوت الأساسية. قد يكون للتدليك بحد ذاته –أو مجرد استخدامه -تأثيرٌ مهدئٌ، أو محفزٌ، أو تأثيرٌ آخر مساوٍ أو أكبر من التأثير الكيميائي للزيت. ووفقاً لفارير هولس Farrer-Halls (2005، 11، 121): “التدليك هو أفضل طريقةٍ للتخلص من التوتر الجسدي”.
ولذلك فإن استخدام التدليك يثير قضيةً أوسع تتعلق بالإيحاء. يؤكد الكتاب المقدس فعاليّة الروائح العطرية، فقطرتان من الخزامى تُفركان في صدغ المرء “تُخففان الصداع”، لكن هل هذا العطر، أم الاحتكاك، أم -كما أظن بشدةٍ -الإيحاء هو الذي يسبب الراحة؟ وبالمثل، يُزعَمُ أن مجرد استخدام البرتقال في “التدليك الموضعي والكمّادات” مفيدٌ “لتهدئة اضطرابات الجهاز الهضمي”، ويُفترض أن تطبيق الميرمية المتصلبة في الحمام “يريح العقل والجسم”، و “يخفف الألم”. النعناع -الذي اسْتُخْدِمَ منذ فترةٍ طويلة، كما رأينا، لتخفيف اضطرابات الجهاز الهضمي –يحقق هذه النتيجة “بالتدليك على البطن في اتجاه عقارب الساعة” (Farrer-Halls 2005، 273، 295، 302، 319). ولكن هل توجد أي دراساتٍ مقارنة معمّاة Blinded comparative studies للتدليك بعكس اتجاه عقارب الساعة؟!
مرّة أخرى، الورد “يريح القلب الحزين.” كيف نعرف؟ لماذا، “لأنّه مرتبطٌ بشاكرا القلب” (Farrer-Halls 2005, 259). ومن ثمّ، تُسْتَخْدَمُ العلوم الزائفة لدعم العلوم الزائفة الأُخرى. الشاكرات (وهي أشياء غير موجودةٍ) هي “مراكز الطاقة” التي تتدفق من خلالها “قوة الحياة العالمية” (وهي أيضاً غير موجودةٍ) وتُسمى تشي (Farrer-Halls 2005، 254-262؛ Guiley 1991، 86–88، 625؛ Nickell 2017، 29-22). (بالمناسبة، إضافةً إلى الشاكرات، يُروَّج للعلاج بالروائح أيضاً للعمل جنباً إلى جنب مع العلاج بالكريستال، والتنجيم، وتطهير الهالة، وغيرها من العلاجات “البديلة”، بما في ذلك، كما ذكرنا، تقنيات التدليك [Farrer-Halls 205, 160–167, 252–253, 263–267]).
لا تزال العديد من الزيوت الأساسية الأخرى تعمل بصورةٍ أساسيةٍ -أو بصورةٍ كليةٍ -بالإيحاء. من بين السبعة في المجموعة المذكورة سابقاً، تطرقنا إلى خمسةٍ؛ إليكم الاثنان الآخران: يُزعم أن إكليل الجبل يحسن الذاكرة، فمثلاً، تُمْزَجُ قطرةٌ بقطرتين من زيت زهر البرتقال (البرتقال المر) مع “تربيتٍ على الرسغين” قبل خوض امتحانٍ على سبيل المثال. (من المفترض أن يهدئ زهر البرتقال الأعصاب، انظر Farrer-Halls 2005، 293-294). أخيراً، يُقال إن البابونج الروماني يخفّف تقلّصات وتقلبات المزاج أثناء الدورة الشهرية حين يُسْتَخدَمُ في الحمّامات، مع الكمّادات، وحتى أنّه يُسْتَخَدمُ “عطراً مزاجياً”. كل هذه الطرق لا يمكن تمييزها عن الإيحاء، وهو تأثيرُ الدواء الوهمي.
الدليل
يلخّص مدير موقع كواك واتش Quackwatch الدكتور ستيفن باريت (2001) الدليل: “يمكن أن تكون الروائح الطيّبة مُسْتَحَبَةً، وقد تعزز محاولات الأشخاص للاسترخاء. ومع ذلك، لا يوجد دليلٌ على أن منتجات العلاج بالروائح توفّر الفوائد الصحية التي يدعيها مؤيدوها”.
لا توجد أدلّة طبية مقنعةٌ لإثبات أن العلاج بالروائح يمكن أن يُعالج، أو يمنع ولو مرضاً واحداً. في عام 2015، نشرت وزارة الصحة الأسترالية مراجعةً للعلاجات “البديلة”، سعياً منها لمعرفة ما إذا كانت مناسبةً لتغطية التأمين الصحي. كان العلاج بالروائح أحد العلاجات السبعة عشر المُقَيمةَ التي افتَقَرَتْ إلى دليلٍ واضحٍ على فعاليتها. تشير العديد من المراجعات الأخرى أيضاً إلى عدم وجود دليلٍ على أنّ العلاج بالروائح علاجٌ فعّال. أما التجارب الكبيرة، المصممة جيّداً، والمُعماة بصورةٍ مناسبةٍ، والمضبوطةُ فهي غير متوفرةٍ. علاوةً على ذلك، هناك دراساتٌ تُظهر أن بعض الزيوت العطرية قد تكون سامةً فعلياً للإنسان (“Aromatherapy” 2019).
يبدو من غير المرجح أن يتغيّر الاستنتاج القائل بأن العلاج بالروائح هو مجرد علمٍ زائف آخر من العصر الجديد. نظرياته وممارساته -كما أشرنا في نقاطٍ سابقةٍ -تفشل في اجتياز اختبار الرائحة.
المقال الأصلي: