على الرغم من أن اكتشاف الرفات المختلفة للبشر من الإنسان العاقل أو من انسان النياندرتال قد حدث منذ عقود في كهف شاندر بكردستان العراق، غير أن عملية إعادة نمذجة وتشكيل وجه احدى نساء النياندرتال قد حدث مؤخراً. ما لم يكن متوقعاً هو أن تعزى تلك المرأة للقومية الكردية في عدد هائل من المنشورات من قبل الكثيرين. في مغالطة تتجلى فيها الأمية بالتاريخ والأحياء والمنطق التطوري.

نشأ مفهوم الشعوب التي تتحدث بلغات تعرف باللغات الإيرانية قبل ما لا يزيد عن أربعة آلاف سنة. وتفرعت تلك الشعوب تدريجياً لتشكل مجاميع جديدة ومنها الإيرانية الشمالية الغربية، الوسطى، والجنوبية الغربية. أقدم إصدارات معروفة من هذه اللغات هي الاوستا التي تمثل مظلة تضم لغات إيرانية قديمة عديدة ويتراوح عمرها بين الالفية الأولى الى الثانية قبل الميلاد. وللعائلة اللغوية الشقيقة، الهندية، تاريخ مشابه حيث أن إصدارها الاقدم هو السنسكريتية وقد تم الكلام بهذه اللغة في فترة مشابهة للاوستا بين الالفيتين الأولى والثانية قبل الميلاد.

تفرع الشعوب الإيرانية للشعوب التي نعرفها اليوم وانتشارها في المناطق التي تقطن فيها يعد منطقياً أمر أحدث من تاريخ تشكل النواة الأولى للمجاميع الناطقة بهذه اللغات. تعتمد المصادر الكردية على روايات تاريخية يرون فيها دليلاً على ذكر الأكراد في فترة هيرودوتس المتوفي 425 ق.م، أو على روايات في المصادر العربية لاحقاً وهذا منطقي لتمايز تلك المجموعة عن اخواتها من الشعوب الإيرانية الأخرى.

يعني ذلك أن اسباغ أي صيغة قومية كردية، أو إيرانية بشكل عام، على أي شيء في المنطقة قبل أكثر من 5000 سنة يتضمن مغالطة كبرى لعدم وجود تلك الشعوب من الأساس. ولا ينطبق الأمر على الشعوب الإيرانية فقط، بل على الساميين أيضاً. في المقال حول المجموعة الفردانية J كيف أن المجاميع التي تصطبغ اليوم بقوميات كالعربية أو اليهودية قد تفرعت لغوياً في فترة الهولوسين (أقل من 10 الاف سنة) ويعتقد أن اللغة السامية الابتدائية، حين كان الساميون شعباً واحداً، لا تتعدى السبعة آلاف سنة من العمر. يعني ذلك أيضاً أن لا شيء في المنطقة يمكن أن يقال عنه أنه عربي أو بابلي أو يهودي قبل أكثر من 5000 سنة. اللغة السومرية هي مثال على هويات أخرى وجدت في المنطقة لأقوام آخرين حيث تعد اليوم وفق بعض الباحثين لغة غير مصنفة، أي أنها ليست قريبة لأي من اللغات الأخرى.

إذا ما تصورنا أن الهويات تتغير بهذا الشكل وأن العالم الذي نعرفه اليوم بهوياته هو وريث لمجاميع صغيرة انتشرت قبل 5000 سنة، فهل يمكن أن نتصور كم من تغير ثقافي ولغوي حدث منذ الخروج من افريقيا قبل حوالي 70 الف سنة؟

غير أن المغالطة الكبرى لا تتمثل بعزو مجموعة بشرية قديمة الى هوية شديدة الحداثة كالهوية الكردية في هذه الحالة، بل بعزو نوع آخر من البشر وهو النياندرتال والذي عاش في المليون سنة الأخيرة وانقرض آخر أفراده قبل قرابة 30 الف سنة.

تنبع مغالطة كهذه من نزعات انتماءنا الى المجموعات بالدرجة الأساس والى الجهل بطبيعة تغير الأمور في التاريخ من كافة النواحي الجينية واللغوية وأشكال البشر وثقافاتهم. يتسبب بالمغالطة أيضاً ضعف المنطق التطوري، حيث أن غياب المنطق التطوري والتفكير بأن الأقوام والكائنات الحية تندرج ضمن أشجار من القرابة والأسلاف، يجعل هؤلاء يتصورون أن هوياتهم الحالية في مواقع سكناهم الحالية قد تمتد بشكل طبيعي لملايين السنين الى الوراء. ربما سنسمع يوماً حملة إعلامية هوجاء لعزو أحد الديناصورات إلى قومية ما!