طالما كان حلم البشر الأزلي البحث عن حقيقة الوجود بما فيه ذواتهم وأجسادهم، كان لا بد لهم أثناء ذلك السعي من الوقوع بين براثن الوهم الذي يغريهم بسهولة مسالكه ومحاكاته لمعتقدات أزلية تؤمن باتساق الخلق ودقته. يميل البشر للتصديق بوهم أننا نعيش في منظومة محكمة الصنع لا يوجد خلل فيها بما في ذلك الجسد. نتيجة لذلك نشأت الكثير من العلوم الزائفة التي تخص جسد الانسان ومن هذه العلوم علم القزحية.
ما يسمى بعلم القزحية هو دراسة القزحية لتشخيص المرض. إنه علم لا يُدّرس في أي كلية طب ولا يكون ممارسوها عادة أطباء. كما أن علم القزحية غير مرخص من قبل أي وكالة حكومية في البلدان المتقدمة. يعتمد علم القزحية على الزعم بأن كل عضو في جسم الإنسان له موقع مطابق داخل القزحية وأنه يمكن للمرء تحديد ما إذا كان العضو سليماً أو مريضاً عن طريق فحص القزحية بدلاً من العضو نفسه.
ينسب اختراع علم القزحية إلى الطبيب الهنغاري إيجناز فون بيكزيلي (Ignaz von pecezely) في القرن التاسع عشر. خطرت لهذا الطبيب فكرة الأداة التشخيصية الجديدة عندما رأى خطاً داكناً في عيون رجل كانت ساقه قد كُسرت، وربط ملاحظته هذه مع خط داكن مماثل في عيون بومة كانت ساقها قد كسرت قبل سنوات. ثم ذهب فون بيكزيلي لتوثيق أوجه التشابه في علامات العين والأمراض لدى مرضاه.
هناك خريطة نموذجية للعين يعتمد عليها علماء القزحية لتشخيص المرض حيث تقسم الخريطة النموذجية العين إلى أقسام، باستخدام صورة وجه الساعة كقاعدة. على سبيل المثال، إذا كنت تريد معرفة حالة الغدة الدرقية لدى المريض، فلا داعي للمس المريض حتى تشعر بأي تضخم في الغدة. ولا تحتاج إلى إجراء أي اختبارات للغدة نفسها. كل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة على قزحية العين اليمنى حوالي الساعة 2:30 وقزحية العين اليسرى في حوالي الساعة 9:30. كل ما يجب أن تقلق بشأنه هو فقط تغير اللون والبقع والخطوط في تلك الأجزاء من العين. ومن أجل مشاكل المهبل أو القضيب، انظر إلى الساعة الخامسة في العين اليمنى. وهكذا يمكن لطبيب القزحية إجراء فحص باستخدام خريطة قزحية وعدسة مكبرة ومصباح يدوي وخيال خصب.
يدّعي ممارسو طب القزحية أنه يمكن علاج الخلل الذي يتم الكشف عنه من خلال القزحية بالفيتامينات والمعادن والأعشاب والمنتجات المماثلة. كما أن علامات العين يمكنها أن تكشف عن تاريخ كامل للأمراض السابقة. قد يكون للتشخيص الذي يقدمه ممارسو علم القزحية نتائج وخيمة. عل سبيل مثال، استشار أحدهم أحد الأخصائيين في علم القزحية الذي أكد له وجود سرطان. وبعد صراع طويل مع ذلك الوهم يسوده الذعر والقلق، تأكد في النهاية من زيف ذلك التشخيص. لحسن الحظ كانت نهاية هذه القصة سعيدة، ومع ذلك، كان من الممكن أن تكون النتيجة أكثر خطورة لأن المريض يعاني أيضاً من مرض في القلب، وهو ما لم يتم ملاحظته في تقييم القزحية.
قام كثيرون بعد بيكزيلي بالإضافة إلى ذلك المخطط الذي مازال رائجاً حتى يومنا هذا ويمكن إرجاع الشعبية الحديثة لعلم القزحية، خاصة في الولايات المتحدة، إلى مقوم العظام يدعى برنارد جنسن (Bernard Jensen)، الذي نشر كتابه المدعو علم وممارسة علم القزحية (The Science and Practice of Iridology) في عام 1952.
يعترف جوشوا ديفيد ماثر (Joshua David Mather, Sr.) الذي كان يعمل كمختص في علم القزحية سابقاً بزيف ذلك العلم الذي لا يستند إلى أدلة علمية. كلفه هذا القرار خسارة عمله ومصدر عيشه. يقول: “ولدت في عائلة تهتم بالطب البديل كثيراً، وعندما كنت بالسابعة من عمري تقريباً، لجأت عائلتي إلى العلاج عن طريق القزحية لأن أمي كانت مصابة بالسرطان. أسرتني طريقة العلاج تلك، وكذلك أبي الذي بدأ بالبحث في ذلك العلم. تلقيت بدوري كل ما تعلمه أبي وحصلت على شهادة من برنامج التدريب للعلاج بالقزحية. قرأت الكثير من أعمال الدكتور برنارد جنسن (Bernard Jensen) وتعلمت النظر على قزحية العين والتحديد من خلالها حالة الفرد الصحية. النظرية تقول بأن قزحية العين تحتوي على الياف عصبية مرتبطة بأجزاء مختلفة من الجسم من خلال ممر عصبي في الأعصاب القحفية.”
بالطبع، لم تقتصر ممارسته للطب البديل فقط على علم القزحية، فقد كان يصف العلاج بالأعشاب، ويتبع أسلوب المعالجة المثلية (Homeopathy)، وينصح بتغيير الأنظمة الغذائية، كما كان يقدّم الاستشارات الروحية والعاطفية. كان معادياً للعلاج بالعقاقير ومعظم اللقاحات. كما أنه كان يؤمن بأن جسم الأنسان عبارة عن مجموعة من الأعضاء والأنظمة الذكية التي تعمل مع بعضها بطريقة سحرية لخلق توازن في الصحة وبأن المرض يخل بهذا التوازن والاتساق بين الأعضاء، بينما العلاج بالأعشاب قادر على خلق العافية من المرض. وكل هذه الاعتقادات هي بصمة ثابتة للعلاجات الزائفة.
كل شيء بدأ يتغير معه بمجرد التحاقه ببرنامج تابع لمعهد التدريب الطبي في أمريكا الذي يدرّب أخصائي العناية بالصحة. التحق به من أجل الإحاطة بكيفية عمل الأدوية بغية دعم معتقداته لا أكثر. أنهى البرنامج بعد ثلاث سنوات. بدأ التغيير عندما أصبح يستخدم كاميرا فيديو من أجل فحص القزحية بدلاً من قلم الإضاءة، فاختلف التشخيص تماماً؛ حيث اكتشف أن التغيرات التي تحدث في قزحية العين كان سببها تغيير زاوية الإضاءة فقط بالنسبة للعين فالأماكن التي كانت تبدو له داكنة (أي تدل على مرض أو خلل ما) أصبحت معافاة عند تغيير زاوية الضوء. اكتشف في النهاية أن التغيرات التي كانت تطرأ على القزحية من زيارة إلى أخرى كان سببها موقع الضوء وزاوية الكاميرا بالنسبة للعين. وليس فقط موقع الضوء من يلعب دوراً في هذه التغييرات بل أيضاً ضعف البطاريات المستخدمة في قلم الإضاءة يلعب دوراً كبيراً في قزحية العين ولونها. كما أن لإضاءة الغرفة دوراً أيضاً في هذه التغيرات على القزحية وعلى حجم البؤبؤ الذي يغير حجمه مظهر الألوان في القزحية. في نهاية المطاف، لاحظ أن الأشخاص الذين تحسنوا صحياً بشكل ملحوظ، لم يطرأ تغيرات على قزحيتهم بشكل يتوافق مع التغيرات الجسدية التي طرأت عليهم. وبالتالي لا تعكس القزحية الحالة الصحية للفرد عل الاطلاق.
لكن ماذا عن الاكتشافات المذهلة التي تُعزى لعلم القزحية؟
يعزو جوشوا ديفيد ماثر الأمر ببساطة للصدفة في المقام الأول. بالإضافة إلى حقيقة أن أفضل أداة لطبيب القزحية هي الأسئلة العامة، وهنا تكمن قوة علم القزحية. يزعم ممارسوه أن التشخيص ليس سوى طريقة للنظر إلى الأعراض ووضع اسم لها. كما أن الأعراض هي علامات متأخرة للمرض وأن علم القزحية يسمح لهم بالتعرف على اختلال التوازن في الجسم قبل أن يظهر المرض. ينص أحد مواقع علم القزحية على أن “علم القزحية لا يشخص مرضاً، إنه يكشف فقط عن ضعف الأنسجة أو الالتهاب أو السموم في الأعضاء أو الأنسجة.”
لنفترض أن هناك مريض لديه علامة في منطقة رئته المتمثلة على القزحية. سيكون السؤال الأول الذي يطرحه المعالج هو “هل عانيت من قبل من مشكلة في رئتيك؟ شيء مثل الربو أو الالتهاب الرئوي أو انتفاخ الرئة؟ ” إذا تذكر المريض شيئاً كهذا، سيعتبر المعالج عبقرياً خارقاً، ولكن إذا لم يكن هناك شيء واضح مثل هذا، عندها سوف يستعلم أكثر ويقول: “ربما أصبت بنزلة برد مؤخراً؟” إذا كانت الإجابة لا ولم يكن هناك أي شيء واضح، فستكون الخطوة التالية هي النظر إلى الأمعاء، والتي يُفترض حسب زعمهم أنها تسبب ضعف الرئة. يتم تمثيل الأمعاء في العين بحسب مزاعم علم القزحية كمنطقة حول البؤبؤ مباشرة وعادة ما تكون أغمق من بقية القزحية. إذا كانت منطقة الأمعاء مظلمة، فإن الإجابة الواضحة هي أن المريض يعاني من ضعف غير معروف في الرئة ناتج عن الأمعاء. إذا لم تكن هناك مشكلة في الأمعاء، فإن الإجابة الأخيرة ستكون: ” هناك ضعف وراثي في الرئة يجب علاجه لمنع حدوث مشاكل في المستقبل.”
لنفترض أن ضعف الرئة المشتبه به هو ضعف وراثي لم يظهر بعد ولم تُظهره الاختبارات الأخرى، يقول أخصائي القزحية حينها بأن علم القزحية يمكنه التقاط نقاط الضعف قبل أن تتفاقم. إذا اتبع المريض إرشادات العلاج الخاصة بطبيب القزحية ولم يصب أبداً بمشكلة في الرئة، فيتم تهنئة المريض لتجنبه حدوث مشكلة في المستقبل. إذا رفض المريض علاج مشكلة رئته ولم تظهر عليه مشكلة في الرئة، فإن أخصائي القزحية يعتبرها مشكلة ستمنعه من الراحة أو الاستمتاع بالصحة الكاملة.
بينما ينص علم الأنسجة بالمقابل على أن “السطح الأمامي للقزحية غير منتظم وخشن، يحتوي على أخاديد وحواف. يتكون من طبقة متقطعة من الخلايا الصبغية والخلايا الليفية. يوجد أسفل هذه الطبقة نسيج ضام ضعيف من الأوعية الدموية مع القليل من الألياف والعديد من الخلايا الليفية والخلايا الصباغية (الخلايا الملونة). المنطقة التالية غنية بالأوعية الدموية المضمنة في النسيج الضام الرخو “. بعبارة أخرى، ألياف القزحية ليست حزماً من الألياف العصبية، ولكنها خيوط من الخلايا التي تشبه تلك الموجودة في الغضروف. مع وضعنا هذا التشريح المجهري في عين الاعتبار، أين هو الدعم العلمي لفكرة التغيير الهيكلي للقزحية عبر الجهاز العصبي؟ ما لم يتم تقديم أدلة أخرى، لا يوجد دعم لهذه الفكرة.

علم القزحية
يقول ماثر:
” تعلمت أن النبضات العصبية تصل إلى الدماغ من أنسجة الجسم ويتم توجيهها إلى القزحية من خلال العصب البصري. عندما تصل تلك المعلومات العصبية إلى ألياف القزحية تسبب إعادة هيكلتها لتعكس حالة أنسجة الجسم. مع استمرار تدريبي، صادف أساتذتي حقيقة محزنة وهي أن القزحية والعصب البصري لهما تأثير ضئيل على بعضهما البعض. ثم تغيرت النظرية لتقول إن المعلومات وصلت إلى القزحية عبر العصب المحرك للعين. ما الدليل الذي يشير إلى أن القزحية يمكنها تغيير بنية الألياف بناءً على المعلومات التي تتلقاها عبر العصب المحرك للعين؟ زعم أحد علماء القزحية، “نحن نعلم من البحث باستخدام المجاهر الإلكترونية، أن كل ليف في القزحية يحتوي على أكثر من 20000 من الألياف العصبية. ترتبط هذه الألياف العصبية عبر الجهاز العصبي المركزي لتصل إلى كل عضو وجهاز ومنطقة في جسم الإنسان. على هذا النحو، تمثل كل منطقة من القزحية منطقة من الجسم “. لكن أين الدليل؟
تعلمت أيضاً عندما كنت طالباً صغيراً أن الألوان المختلفة في القزحية هي عبارة عن رواسب من المواد الكيميائية. على سبيل المثال، بقعة الصدأ في القزحية تمثل بقعة صغيرة من مادة كيميائية محقونة من لقاح، أو إذا كانت بقعة صفراء لامعة فإنها ناتجة عن ترسب الكبريت في العين من تناول عقار السلفا. الحقيقة هي أن هذه البقع عبارة عن مجموعات من الميلانين. على غرار المادة التي تسبب النمش في الجلد. يزعم علماء القزحية أنه تم العثور على هذه البقع التي تحتوي على معادن ومواد أخرى في تشريح الجثث. لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً ما لم يتم حقن المعادن أو المواد الأخرى مباشرة في القزحية. من الصعب أن اكتشف أن الشيء الذي كنت أؤمن وأثق به طوال حياتي قد كان خطأ.”
لم يكن ماثر وحده من أصيب بخيبة أمل جراء اكتشاف ذلك الزيف، بل أيضاً المعالج بالأعشاب مايكل تيرا (Michael Tierra) الذي كتب: “لقد بعت أنا وزميلي بخجل وشعور بالذنب إلى حد ما الكاميرا الخاصة بنا إلى شخص آخر من المتحمسين لعلم القزحية. دفنت الرأس المكبرة الخاصة بعلم القزحية في صندوق في مكان مظلم، وآمل أن يتم نسيانه قريبًا من خزانة مكتبي. ”
في الواقع، فشل علماء القزحية عندما تم اختبارهم لمعرفة فيما إذا كان بإمكانهم التمييز بين الأشخاص الأصحاء والمرضى من خلال النظر إلى قزحية أعينهم. في دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (Journal of the American Medical Association) (1979، المجلد 242، 1385-1387)، فشل ثلاثة من علماء القزحية عند فحصهم لقزحية عيون 143 شخصاً سليماً ومريضاً. “فقد شخصوا قزحية العين للأشخاص الأكثر مرضاً على أنها صحية والعكس صحيح. لم يتفقوا حتى مع بعضهم البعض “. نُشرت نتائج مماثلة شملت خمسة من علماء القزحية الهولنديين في المجلة الطبية البريطانية (British Medical Journal) (1988، المجلد 297، 1578-1581)
في النهاية، علم القزحية ليس له أي معنى تشريحي أو فسيولوجي. حيث يمكن للتشخيصات غير الصحيحة أن تخيف الناس بلا مبرر، وتؤدي إلى إهدارهم المال للحصول على الرعاية الطبية لحالات غير موجودة أساساً، أو توجيههم بعيداً عن الرعاية الطبية اللازمة عندما يتم التغاضي عن مشكلة حقيقية.
علم القزحية هو مثال ممتاز للعلوم الزائفة في الطب. تم اختراعه من قبل فرد واحد بناءً على ملاحظة واحدة تفتقر إلى أي أساس في علم التشريح أو علم وظائف الأعضاء أو أي علم أساسي آخر.

 

المصادر:

  1. Kreidler, M. (2004, September 10). Confessions of a Former Iridologist | Quackwatch. Retrieved from https://quackwatch.org/related/confessions/
  2. Iridology – The Skeptic’s Dictionary – Skepdic.com. (n.d.). Retrieved April 27, 2021, from skepdic.com website: http://skepdic.com/iridol.html
  3. Kreidler, M. (2015, November 9). Iridology is Nonsense | Quackwatch. Retrieved April 27, 2021, from https://quackwatch.org/related/iridology/
  4. (2018). Retrieved from Sciencebasedmedicine.org website: https://sciencebasedmedicine.org/iridology/