العلوم الزائفة تمثل افتراضات لا أساس لها تسوق بأساليب عدة وتنطلي على غير العارفين بقواعد تحري مصداقية المعارف ومنطق الكشف العلمي. في هذا المقال سنصنع علما زائفا وقد نحاول ان نروجه ثم سنكتب عن أبرز ملامح الادعاء الزائف وكيفية تفنيده وكشفه كسائر العلوم الزائفة. ادعاؤنا سيعرف بـ “تأثير الشجرة” حيث تؤثر الأشجار على البشر لتلهمهم أفكارا جديدة كنيوتن.

تأثير الشجرة: كيف تؤثر الأشجار على دماغ الإنسان

تثير ظاهرة تأثير الأشجار على البشر الكثير من التساؤلات ويكتنفها كثيرٌ من الغموض لاسيما مع ملاحظة عدد الأشخاص البارزين في التاريخ ممن ترافقت اكتشافاتهم أو انجازاتهم الفكرية مع جلوسهم بجوار الأشجار.

نيوتن ليس الأول ممن مر بهذا الامر فكلنا نعرف أن اكتشاف الجاذبية جاء من الهام حصل عليه نيوتن بينما رأى التفاحة تسقط من الشجرة، التفاحة، هل حدث الامر اعتباطا؟ ألم يقرأ نيوتن عن تجربة غاليلو غاليلي عندما أسقط الكرات في الأنابيب؟ ألم يشهد نيوتن سقوط أجسام أخرى في حياته؟ لماذا الشجرة؟

نترك نيوتن والتفكير العلمي ونتجه الى بوذا وعمق التجربة الروحية والإدراك الواسع للعالم وقوانينه وفلسفته. استلهم سيدهارتا غاوتاما كثيرا من حكمته التي أبهر بها العالم من شجرة الدين الكبيرة التي كان يجلس بجانبها والمعروفة في البوذية بـ “بو”. اسأل بوذيا عن هذه الشجرة وسيجيبك.

ومن القراءات العامة للأمر هو ارتقاء المستوى الدراسي للطلبة القادمين من المناطق الريفية حيث الطبيعة والجلوس عند الأشجار لإطالة الفترة الممكنة للدراسة بتجنب أشعة الشمس الشديدة في منتصف النهار. كان جدي يخبرني عن ذلك في قريته وكذلك يخبرنا كثير من الكبار في السن الذين نلحظ عليهم تميزا في المستوى الدراسي يفوق ما هو موجود لدى أجيال اليوم.

ارنست همنجواي هو الآخر كان يقضي أوقاتا طويلة تحت الشجرة وهو ما قد يكون له دور في انتاجه الادبي المبهر.

لكن هل هذه الحالات عشوائية؟ هل الامر يخلو من تأثير؟ هل هذا هو المقال الأول من نوعه حول تأثير الأشجار على الإنسان؟

في الواقع إن العلم أثبت أن للنباتات تأثيرات شفائية على الإنسان وأن في الأمر عوامل فوق جينية (epigenetic) حيث لوحظت في دراسة بسبعينيات القرن الماضي حول مرضى السرطان في الولايات المتحدة أن عددا من هؤلاء قد شفي من السرطان عندما تم نقل المشفى إلى الطبيعة لاسيما في أماكن غنية بالأشجار.

لكن هذا ليس الاتجاه الوحيد فكلنا يعرف أن مختصي الباراسايكولوجي وبالأخص ما يُعرف بالدوسرة يرشدنا إلى تفاعل بين الإنسان والمعادن أو الماء في باطن الأرض وفي ذلك عدة نظريات أبرزها النظرية القائلة بأن تلك المواد ذاتها تبعث أيونات معينة للإنسان فيلتقطتها بدوره. ماذا لو كان ذلك الماء مثلا ممزوجاً بمواد معدنية ومغذية كثيرة ومارا عبر شجرة كبيرة؟

نحن نعلم أن الأشجار وبخاصيات معينة كالخاصية الشعرية وخاصية السحب تستطيع أن تحصل على الماء والمعادن من باطن الأرض، نركز هنا على المعادن، وفي نفس الوقت نحن نعلم أن الشجرة ذاتها تحتوي على مواد معدنية في تركيبة أجزائها كالأوراق والأغصان المختلفة والجذور وجذع الشجرة، تولد الأيونات الموجبة والسالبة المارة من قنوات نقل الماء إلى أعلى الشجرة مجالا مغناطيسيا له دور في نمو الشجرة بشكل سليم. وهو ما نلحظه من اختفاء الأشجار من المناطق الصناعية التي تضم مولدات ومحركات لها عزم تدوير كبير يولد مجالا مغناطيسيا معارضا.

نبقى للمجال المغناطيسي ودوره الهام في نمو الشجرة، وبما أنه صار لذلك المجال المغناطيسي دور فلماذا لا يكون له تأثير على الإنسان؟ تذكر بيانات المخابرات الروسية في صفحاتها المنسية تسجيل ملاحظات عن هذا التأثير من قبل علماء النفس السوفييت ونيل ذلك اهتماما طفيفا مقارنة مع دراسة تأثيرات باراسايكولوجية أخرى، كما يُذكر أن برنامج مك الترا الأمريكي الذي أقيم لدراسة التأثيرات الباراسيكولوجية والسيكولوجية المختلفة تصل إلى أمر مشابه في مقارنة المعتقلين الخاضعين لتجارب معينة بين الصحراء المكسيكية وبين السجناء في الغابات في ولاية اوكلاهوما الامريكية، الامر كان واضحا حتى في نوم هؤلاء وكان رصد الموجات الكهرومغناطيسية القادمة من الأشجار متميزا جدا.

قد يُفسر الامر قيام الأمريكيين بقطع كميات كبيرة من الأشجار حيثما تواجدوا في العراق وضمن عمل ممنهج لذلك.

يقولون اذا اردت ان تقتل شعبا فاقتل تاريخه، قد يصح القول: اذا اردت ان تقتل الفكر في شعب فاقطع اشجاره.

سمات هذا العلم الزائف

سنوضح الآن أهم الصفات التي تجعل من زعم تأثير الشجرة علماً زائفاً وهو يشبه كثير من العلوم الزائفة الشهيرة حالياً مثل مختلف مزاعم الباراسايكولوجي.

  1. يحتج المقال بشخصيات معدودة ليقيم عليها التأثير المزعوم ودون تأكيد حول تلك الشخصيات، بوذا مثلاً ليس له صلة عميقة بالشجرة، وكذلك نيوتن، أما همنغواي فهو لم يجلس قرب شجرة وهذا النوع من التركيب وارد في أدلة العلوم الزائفة. وهكذا هو الحال مع عينات العلوم الزائفة التي تكون غير مؤكدة ومتباعدة ومحدودة.
  2. بوذا والبوذية، دائماً ما ستلاحظ هالات الغموض والرهبة التي تُضفى على العلوم الزائفة من أساطير الشرق. ليس قانوناً لكن الأمر موجود بكثرة.
  3. جدي، خالتي، عمتي أو الناس في الماضي، كلام مقاهي وأحكام تصدر دون بيانات كالذي يقول أن صحة الناس كانت أفضل في الماضي دون أن ينتبه للطاعون ولتدني معدل متوسط العمر في العصور القديمة.
  4. التمسك بدليل علمي لكن الدليل لا صلة له، والإستشهاد غير صحيح وخاضع للمبالغة. يقول أن دراسة في أمريكا أثبتت تحسن صحة المصابين بالأمراض لكنه يبالغ بالشفاء من السرطان، لكن هذا كله دون ذكر سنة الدراسة أو من قام بها أو أي رابط مؤدي إليها. أذكر نقاشاً منذ فترة قريبة مع شخص يروج لتجويع السرطان (علاج غير مثبت) فكان آخر دليلٍ له – وهو ليس بدليل – قوله: “وما مشكلتك مع الحمية؟ هل الحمية مضرة؟ الكل ينصح بالحمية”، شتان بين أن نقول أن الحمية جيدة وهذا زعم مقبول وبين أن نقول الحمية يمكن أن تشفي السرطان.
  5. التعاضد بين العلوم الزائفة، الإستناد إلى الدوسرة التي هي علم زائف بائس جداً.
  6. التأثيرات الطفيفة تصبح عظيمة في العلوم الزائفة، ما ذكرناه حول تأثير المواد العابرة من خلال الأشجار قريب من زعم القائلين بنجاح الباراسايكولوجيين القادرين على معرفة ما حدث في المكان بعد حدوث الحادث أو المحقق الروحي، وحين نناقشهم يكون الجواب بأن هؤلاء يستشعرون آثار المجال المغناطيسي المتولد من كهربائية الدماغ والمتبقي في الجو بعد ذهاب هؤلاء الأشخاص! ألا يدعو للضحك؟
  7. المؤامرة والبرامج السرية الأمريكية والسوفيتية، لا أدري لماذا السوفيتية بالتحديد أيضاً؟ ولا أدري كيف توصل المؤامراتيون ومؤيدي الباراسايكولوجي لهذه المعلومات إن كانت بهذه الخطورة وبهذه السرية (طبعاً التجربة المذكورة لا أساس لها لكن هناك حكايا مماثلة في علوم زائفة أخرى) وأخيراً المؤامرة مرة أخرى مع قطع الأمريكيين للنخيل في العراق وهي حوادث لا علاقة لها إلا بالأسباب الأمنية.