نشرنا سابقاً مقالاً مترجماً حول متلازمة هافانا والذي يمكن تلخيصه بأن هناك الكثير من الغموض حول الموضوع الى درجة ربما تجعل هذه المتلازمة المزعومة أمراً غير قابل للتخطئة (أي أنه ليس علمياً). مما ذكر في المقال مثلاً أن احد الأطباء قد استبعد من اللجنة لمجرد أنه فكر في طرح احتمالية ان تكون المتلازمة نفسية. الكلام عن هذه المتلازمة في أروقة السياسة يفوق بكثير ما يذكر عنها في أروقة العلم.

صرح مارك بوليمروبولوس (Marc Polymeropoulos) مؤخراً وهو العضو السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية أنه عانى من أعراض متلازمة هافانا في زيارة له لموسكو عام 2017. وكان مارك – الذي من الصعب أن نعتبره شاهداً محايداً فضلاً عن مقبوليته كمصدر علمي – هو أحد الذين أثاروا زوبعة إعلامية جديدة حول متلازمة هافانا.

فكرنا فقط وبينما يسود الكلام في الأخبار عن متلازمة هافانا أن نلفت النظر للمقال الذي ترجمناه سابقاً وأن نطرح تساؤلاً: هل تدغدغ الأزمات السياسية والتصعيد السياسي أنوف المصادر الإخبارية لتعطس علينا بمتلازمة هافانا؟ لكن وبينما لم نتدخل في شأن سياسي قط من قبل، فلماذا نكتب عن هذا الموضوع؟ في الحقيقة لقد تجاوز الكلام عن متلازمة هافانا في منصات الأخبار حدوده السياسية، فكثير من المقالات التي تتكلم عن الأمر صارت تذكره مع نبذة توحي للقارئ بأن هذه الأعراض هي أعراض ثابتة لمرض لا شك فيه ولا غبار على تشخيصه واثبات وجوده، والواقع فإننا ان لم نتجرأ على نفيه للافتقار للادلة، فإن الأدلة أيضاً شحيحة جداً لاصدار تصريحات بهذا الحجم في الأخبار.

تكمن المشكلة في المصادر الإخبارية بالدرجة الأساس – هذا إن نزهناها عن الانحياز – بأنها تفتقر في كثير من الأحيان الى الموضوعية في القضايا العلمية، وتصبح العلوم الزائفة بالنتيجة (ما لم تكن مشهورة جداً) طعماً سهلاً يمكن أن يبتلعه أي مصدر اخباري، فقط لأنه يحتوي على شكل العلم أو رائحة العلم. هكذا، يمكن أن نعذر كثيراً من الوسائل الإعلامية التي تتداول أخبار متلازمة هافانا بدرجة عالية من التأكيد وكأنها تتكلم عن سرطان الرئة، لكن، إن عذرناهم من الانحياز والتوجيه، فلا عذر من الجهل.