في العام 2019، طلبت وزارة الخارجية الامريكية من الاكاديمية الوطنية للعلوم ان تختبر سبب طائفة من الشكاوى الصحية الغامضة التي يعاني منها دوبلوماسيو السفارة الامريكية وعوائلهم الذين كانوا متمركزين في كوبا. ما أطلق عليها “متلازمة هافانا” في الاعلام، بدأت بالتفشي في اواخر عام 2016 عندما بلغ طاقم العمل سماعهم اصوات غريبة قبل شعورهم بتوعك. تضمنت الاعراض الصداع والدوار والاعياء والم الاذن والارتباك والالتباس والأرق وصعوبة في التركيز. وكانت أكثر الاعراض إثارة للقلق هي اعراض غامضة مشابهة للارتجاج بغياب صدمة الرأس. تراوحت النظريات من الأسلحة الصوتية إلى الموجات الدقيقة والمبيدات والهستيريا الجماعية. تصدر قائمة الجناة المشتبه بهم: روسيا والصين وكوبا.
في اوائل كانون الاول/ ديسمبر عام 2020، تسربت نسخة من تقرير الاكاديمية، بعد ذلك جعلوا الدراسة علنية بسرعة. فاجئ اكتشافهم العديد من العلماء المتتبعين للقضية، من خلال انطوائه على أحد أكثر التفاسير غرابةً: الموجات الدقيقة. استنتج رئيس اللجنة، ديفيد ريلمان أن التفسير الأكثر قبولًا كان “هجوم بطاقة تردد راديوي موجه” والذي يمكنه ان يشرح العديد من الاعراض. لقد كان العلماء مدركين منذ وقت طويل لظاهرة تُعرف بـ “تأثير فراي”، حيث من المعروف أن تصويب حِزم اشعة دقيقة نبضية الى رأس شخصٍ ما تنتج اصواتَ نقرٍ. كتب ريلمان أن “إذا كان يمكن حث تأثير مشابه لفراي على نسيج الجهاز العصبي المركزي المسؤول عن معالجة معلومات الفضاء والحركة، فمن المرجح أن يحث بالمثل على استجابة تمييزية [تتضمن] تغييرات في وظائف المخ.”
سُمي تأثير فراي نسبة الى آلان فراي، أحد رواد البحث الاشعاعي. ولكن توجد مشاكل كثيرة في التفسير. فهو تخميني بدرجة عالية، ولا يبدو اي من اعضاء الفريق خبيرًا في التأثير البيولوجي للموجات الدقيقة وتأثير فراي. أحدهم من المتخصصين بالتأثير، المهندس البيولوجي في جامعة بنسلفانيا كينيث فوستر، ينتقد التقرير، ملاحظًا عدم وجود دليل أن تأثير فراي يمكنه أن يسبب إصابات. علاوة على ذلك، يتطلب التأثير كمية هائلة من الطاقة لخلق صوتٍ بالكاد يمكن سماعه بوضوح.
يجب معرفة أن فوستر، وفي العام 1974، كانا هو وإدوارد فينتش من اوائل العلماء الذين وصفوا الالية التي ينطوي عليها التأثير اثناء عملهما في معهد البحوث الطبية البحرية في ولاية ماريلاند.
يرى فوستر ان اي رابط بين التأثير هذا ومتلازمة هافانا هو محض خيال. “انه مجرد تفسير غير قابل للتصديق تمامًا لما حدث لهؤلاء الدبلوماسيين… إن ذلك غير ممكن فحسب. ان فكرة ان يرفد أحدهم كمية كبيرة من طاقة الموجات الدقيقة على الناس دون ان يكون ذلك واضحًا تتحدى المصداقية”.
يعتبر الرئيس الاسبق لقسم الكهرومغناطيسية في الهيئة العامة لحماية البيئة، ريك تيل، أيضًا أن رابط الموجات الدقيقة خيالٌ علميٌ. أمضى تيل عقودًا في العمل على معايير التعرض الآمن للإشعاع الكهرومغناطيسي، بما فيه الموجات الدقيقة. “إذا ما وقف شخصٌ ما امام هوائي راديو عالي الطاقة – ويجب أن يكون عاليًا، عاليًا جدًا – فقد يحس بأن جسده يصبح أكثر دفئًا” قال تيل. “ولكن للتسبب في تلف انسجة الدماغ، فعليك نقل طاقة كافية ورفع حرارتها لدرجة امكانية الطبخ بها. لا اعرف كيف يمكنك فعل ذلك، خصوصًا إذا ما كنتَ تحاول البث من خلال جدار. ان هذا غير معقول فحسب”. كما قال.

الإخفاء على مرأى الجميع

إذا، ان لم تُسبب الموجات الدقيقة متلازمة هافانا، فما يمكن ان يكون السبب؟ اعتبرت اللجنة أن احتمال حدوث هستيريا جماعية أمرًا غير مرجح، لكنها لم تستبعد ذلك. يذكر التقرير أنه لم تتواجد معلومات كافية لتحديد النمط الاجتماعي للأعراض حيث “لم تتلق اللجنة أي دليل وبائي حول أنماط الاتصالات الاجتماعية التي من شأنها أن تسمح بتحديد العدوى الاجتماعية المحتملة”. لاحظوا بالتحديد انهم لم يكونوا مدركين لأي حالة اولى (اول شخص أُصيب بالعدوى) والحالات اللاحقة بعدها.
هنا حيث تأخذ فيه القصة منعطفًا غريبًا: تم تحديد النمط الاجتماعي للمراحل الأولى من تفشي المرض في كتاب 2020، متلازمة هافانا، الذي اشتركت أنا في تأليفه وروبرت بالوه ونُشر في السابع من أيار/ مايو وفي تقريرين مطولين بواسطة الصحفي تيموثي كولدن في عامي 2018 و2019. تحدث غولدن إلى دبلوماسيي السفارة والقى نظرة على الوثائق الحكومية المتعلقة بالقضية.
لم يتم الاستشهاد بأي من هذه المنشورات في التقرير. على ما يبدو، لم يكونوا على دراية بوجودهم – وهو أمر محير لأنه في وقت مبكر من الخامس من شهر نوفمبر، 2019، أُبلغ كبير المسؤولين الطبيين في وزارة الخارجية بالكتاب ومحتوياته.
تخيل فقط، اجتمعت لجنة من العلماء لحضور التحقيق في سبب تفشي مرض غامض.
الدراسة الشاملة الوحيدة للحالة موجودة في كتاب نشره ناشر علمي بارز وكتبه طبيب أعصاب بارز ابتكر بعض الاختبارات التي أُعطيت للدبلوماسيين المتأثرين من أجل تقييم حالتهم – ولم تكن اللجنة على علم بالدراسة كذلك. والامر المحير بنفس القدر، أن صحفيًا بارزًا نشر تقريرين مطولين ومفصلين، وقد تم تجاهلهما أيضًا. ظهرت هذه التقارير في وسيلة إعلامية رئيسية هي بروببليكا (Propublica)، وكتبها تيموثي كولدن، الحائز على جائزتي بوليتزر. يصدف فقط أن تحتوي هذه الدراسات على معلومات مفصلة حول ما تدعي اللجنة بعدم امكانيتها من العثور عليه: النمط الاجتماعي لتفشي المرض، بما في ذلك كيف بدأ وانتشر عبر المجتمع الدبلوماسي في كوبا
هذا إهمال بسيط من جانب الأكاديمية الوطنية للعلوم.

حذف معلومات أساسية

يشير التقرير إلى أن الدبلوماسيين شعروا في كثير من الأحيان بتوعك بعد سماع أصوات غامضة، مما يضفي مصداقية على الاقتراحات بأنهم تعرضوا لهجوم أو لمصدر غير معروف من الطاقة. ومع ذلك، لم تذكر اللجنة تسجيلات “الهجمات” العديدة التي سجلها بها دبلوماسيون مختلفون وتم تحليلها لاحقًا. فحصت لجنة التحقيق الكوبية عددًا من التسجيلات، واخرى دُققت من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي بينما تم تحليل مجموعة ثالثة من قبل علماء الأحياء. اتضح أن كل واحدة منها كانت اصوات حشرات.
يوجد أيضًا قلقٌ أن اولئك المشرفين على اللجنة فد كانت لديهم دوافع تحركها السياسة اكثر من العلم. على سبيل المثال، اخبرني الرئيس السابق للكلية الملكية للأطباء النفسيين أنه كان مدعوًا للانضمام الى اللجنة، ليُستبعد فقط. والسبب: المقابلة الراديوية التي اجراها والتي تبنى فيها احتمالية ان تكون متلازمة هافانا نفسية.
يوحي هذا بإمكانية وجود تحيز ضد التفسير النفسي. إن هذا ليس مرجحًا فحسب، بل قائم على أسس علمية معروفة، فهو التفسير الأكثر إحراجًا للأطباء في وزارة الخارجية الذين، في وقت مبكر من تفشي المرض، ربما أخطأوا في أصوات الصراصير وحشرات الزيز على أنها هجوم من قبل قوة أجنبية معادية. ومن الغريب أن وزارة الخارجية هي التي طلبت الدراسة. صدفة؟ في حين أن هذا يعدُ تكهنًا، فإن ما لا يعد تخمينًا هو الفشل الصارخ للجنة في تقييم الأدلة التي كانت موضوعة على مرأى الجميع.
يقدم Golden وصفًا ثريًا للنمط الاجتماعي والانتشار المبكرين لمتلازمة هافانا. بمجرد قبول وزارة الخارجية تفسير الجهاز الصوتي، تم تحذير الدبلوماسيين الأمريكيين الذين أرسلوا إلى هافانا بهدوء من أنهم قد يواجهون تهديدًا غامضًا يتسبب في إصابة ضباط وزارة الخارجية الأمريكية بالمرض، وبعضهم يعانون من أعراض طويلة الأمد. حتى أن الدبلوماسيين الذين كانوا على وشك التعيين في هافانا قاموا بتشغيل تسجيلات صوتية سجلها الموظفون في كوبا، للأصوات الغامضة التي رافقت أعراضهم. تم التعرف على هذه التسجيلات لاحقًا على أنها صراصير وحشرات الزيز.
شجعت هذه الإجراءات على المزيد من “الهجمات” لأن موظفي السفارة الجدد كانوا يبحثون عن الأصوات التي تشبه هذه الحشرات بالذات. كما أخبرنا أحد العاملين بالسفارة: “إذا حصل مسؤول حكومي، قبل نشره في هافانا، على هذا التسجيل وأخبره أنه السمة المميزة لهجوم منهك، فمن المفهوم تمامًا أن المسؤول المذكور سيصل إلى هافانا، ولا تسمع الحشرات. بعد فترة طويلة، والخوف من الأسوأ. ”
من خلال تقديم المشورة لموظفي السفارة المستقبليين حول التهديد المتصور، أُنشئ توقعٌ للمرض، ومعه، إطار يمكن من خلاله تفسير الأصوات والأعراض المستقبلية. هذا هو الإعداد الكلاسيكي لتفشي الأمراض النفسية الجماعية.

تحديث: 21 نيسان/ أبريل، 2021

اعادة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية في عهد الرئيس بايدن فحص متلازمة هافانا
لقد سمت ادارة بايدن رئيسًا جديدًا لفريق عمل “متلازمة هافانا”. تشرف باميلا سبراتلين، سفيرة الولايات المتحدة السابقة في اوزبكستان وقيرغستان، على اللجنة التي تلقي نظرة ثانية على ما حدث في كوبا.
استنتج تقرير وزارة الخارجية حول “متلازمة هافانا” الذي حصلت عليه قناة سي إن من خلال طلب قانون حرية المعلومات “إلى أن استجابة الحكومة الأمريكية والتحقيق فيما يسمى بمتلازمة هافانا ربما يكونا فاشلين منذ البداية” واتسما بـ “الفوضى” وعدم التنظيم (أوبمان، 2021). قد يساعد هذا في تفسير تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز ذكر أن المديرة السابقة لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد دونالد ترامب، جينا هاسبل، أعربت عن شكوكها فيما إذا كان الهجوم قد وقع بالفعل (بارنز 2021). وبصفتها رئيسة أقوى وكالة لجمع البيانات في العالم، إذا كان هناك دليل واضح ومقنع على أصل “متلازمة هافانا”، كان ينبغي لها أن تعرف.
يبدو أن احتمالية أن تكون “متلازمة هافانا” هي تفشٍ لأمراض نفسية جماعية تفاقمت بسبب عدم كفاءة الحكومة، تزداد أكثر فأكثر. ففي كثير من النواحي، هي قصة أكثر إثارة للاهتمام من أي سلاح صوتي أو ميكروويف.
المقال الأصلي

Robert Bartholomew, “Havana Syndrome Skepticism”, Skeptic.com Reading Room