تشجع ديفيد لتجربة حمام الثلج بعدما رأى الكثير من الأشخاص يشاركون تجاربهم الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، كما أنه يعرف معلومة عن فعالية الثلج في معالجة الإصابات وتعلم ذلك أيضًا في مدرسته عند دراسته لمفهوم RICE.

وفي يوم الأحد التالي بعد أن انتهى من تمرين الجري المتعب ملأ حوض الاستحمام بالماء البارد وأضاف إليه كيسًا من الثلج وغمر قدميه وكاحليه بسهولة فقد كان الجزء الأصعب هو غمر بقية جسده.

للوهلة الأولى صدم ببرودة الماء الشديدة التي جعلت شهيقه لاإراديًا وزادت من معدل ضربات قلبه وتنفسه حتى وصل لمرحلة الخدر فترك نفسه تستسلم للماء ليبدأ علاجه المتوقع.

حسنًا، لم تكن هذه قصة شخص يدعى ديفيد إنما عن كاتب هذا المقال وكان ذلك في عام 2005 عندما قاده تفاؤله السطحي ليقوم بها قبل أن يبحث ويتأكد من صحتها الرياضية.

حظيت حمامات الثلج تاريخياً بشعبية واسعة بين الناس باختلاف مكانتهم الاجتماعية فكان من بينهم الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس الذي كان مهتمًا بالغاية من الوجود الإنساني فقد كان يراه مرتبطًا بمواجهة الصعاب والتحديات أكثر من ارتباطه بالبحث عن الراحة والمتعة، لذا يجد النشاطات مثل الاستحمام بالثلج والتعرض لعوامل الجو القاسية تساهم في بناء القوة البدنية والعاطفية للفرد وتدربه على مواجهة المصاعب، يكون ذلك بمثابة وسام شرف ورمزًا للقوة والإرادة.

تختلف آراء الناس عن فوائد هذا النشاط، فمنهم من يرى أنه يساعد على التركيز واليقظة، ومنهم أمثال آل ويم هوفز يجدونه منشطًا لعملية التمثيل الغذائي وتقوية مناعة الجسم، وفي كلا الحالتين لن يهتم مقدمي الخدمات التجارية بها بالرغم من كل التحذيرات التي تطلقها المنظمات والهيئات الصحية مثل هيئة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن كون هذه المنتجات غير صحية أو متعددة العلاجات.

من أجل الاستمتاع بأي نشاط فإن معظم الأشخاص لا يهتمون كثيرًا بفائدته الرياضية، منهم من يحب جلسات التدليك أو الساونا للاسترخاء، ومنهم يحب تناول الطعام العضوي لمذاقه المحبب ومنهم من يقوم بحمامات الثلج للشعور بتدفق الأندروفين والنورأدرينالين الممتع داخل أجسامهم، وعند التركيز في الفائدة الرياضية تظهر أمامنا التجارب والادعاءات المختلفة حولها وهذا يفسر لماذا يمثل الرياضيون الفئة الأكبر منهم، ولكنهم فهموا تلك الفوائد بشكل خاطئ لأنها ممكن أن تعيق تعافي العضلات بعد التمارين الشاقة.

من الطبيعي الشعور بالألم بعد أي نشاط بدني مهما كان نوعه سواء كان تمرينًا في الصالة الرياضية أو جريًا أو حتى عملًا منزليًا بسبب التمزقات الصغيرة في العضلات والتي تظهر لاحقًا على شكل ألم وتورم والتهابات كاستجابة من العضلات تعرف باسم مبدأ التحميل الزائد، حيث تقوم بإعادة بناء نفسها من خلال إنتاج بروتينات جديدة.

توصل علماء أستراليون ونرويجيون لهذه النتيجة، وأكدها علماء هولنديون بعد اكتشافهم أن حمامات الثلج تقلل من قدرة العضلات على امتصاص البروتينات الغذائية لبناء وتجديد الخلايا.

هذا بالإضافة إلى نتائج تحليلين حديثين أجراهما ليون روبرتس وزملاؤه أظهرا أنها مثلها مثل حمامات الماء البارد تمنع الفوائد المتوقعة وخاصة عند ممارستها بعد التمرينات الشاقة مثل رفع الأثقال، لذا فهم ينصحون في ورقتهم البحثية المنشورة في مجلة علوم وظائف الأعضاء الأشخاص الذين يتبعون تمرينات القوة لتحسين أدائهم الرياضي أو التعافي من الإصابات أو للحفاظ على صحتهم بإعادة التفكير في ممارسة الغمر بالماء البارد لتحقيق تلك الأهداف.

ومن وجهة نظر الكاتب، يتوجب على كل شخص مهتم ببناء ونمو عضلاته أن يعيد النظر في مسألة فعالية حمامات الثلج وليس فقط لاعبي كمال الأجسام أو رياضيي القوة.

لا يتلق عامة الناس معظم نتائج الأبحاث ولهذا فإن حمامات الثلج ما تزال موجودة حتى اليوم، ففي حين يتبنى العلماء والأطباء مفهوم الطب المبني على العلم ويتبعون آخر الأبحاث والدراسات ويغيرون ممارستهم وفقًا لها، يفضل الرياضيون التجارب الشخصية والاستماع لنصائح الآخرين، ويعتبر هذا مؤشر واضح على انعدام الثقة بالمؤسسات العلمية والذي يسميه توم نيكولز موت الخبرة العلمية.

نستطيع لوم العلماء بشكل جزئي في ذلك، لأنهم يركزون داخل المجتمع العلمي على تحسين أدائهم وتميزهم عن غيرهم من خلال مؤشرات مختلفة مثل مؤشر الأداء الكمي وعدد الاقتباسات ومؤشر H-index لأبحاثهم، وفي المحصلة تكون نتائج تقاريرهم غير مفهومة لغير الاختصاصيين وفي أغلب الأحيان تكون مدفوعة ومتاحة للجامعات فقط، الأمر الذي يترك فجوة بين الناس والعلماء يتم استغلالها بشكل تجاري من قبل المؤثرين الرياضيين وعلماء الصحة على منصات التواصل الاجتماعي.

أشرنا في مطلع المقال إلى أن الاستحمام بالثلج يخفف من آلام العضلات بسبب تخديره للجسم مما يمنع وصول تنبيهات الألم للدماغ، وله ارتباط وثيق بالعلاج الوهمي القائم على توقعات الفرد، وسيشعر بأن الألم قد خف مع هذا النشاط، لكن الدراسات هذه لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير العلاج الوهمي أو تأثير ضغط الماء على تدفق الدم، وتبقى صحيحة إذا قارنها بالراحة دون ممارسة الغمر بالماء البارد.

يجادل بعض الناس بفعالية حمامات الثلج عندما تكون الفترات الزمنية الفاصلة بين التمرينات المجهدة قصيرة نسبيًا كما في مسابقات البطولات الكبرى ومع كل الأدلة المقدمة نجد أن وسم #icebathing حقق ما يزيد عن 4 مليارات مشاهدة على تيك توك ويشكل الرياضيون نسبة صغيرة.

يتعاون الرياضيون مع العلماء والأطباء إلا أنهم قد يتساهلون مع بعض الممارسات التي لم تثبت صحتها بعد، لأنه عندما يتعلق الأمر بالفوز بالجوائز والميداليات لا يريد أحد أن يزعزع استقرار النظام ونجاحه، فضلًا عن أن تأثير العلاج الوهمي المتأصل في الثقافة الرياضية يجعل هذه الممارسات أسهل بالنسبة لهم لذلك يشجعون على نشاطات مثل العلاج بحمامات الثلج والغرف الباردة والعلاج المنزلي باستخدام الابر والريكي.

يتحدث الكاتب عن تجربته مع الفريق الأولمبي البريطاني كعضو منفذ لبرنامج تدريبي استمر لمدة 12 شهرًا بمعدل مرتين أسبوعيًا يتم خلاله تدريب المشتركين ضمن غرفة تنخفض فيها نسبة الأكسجين بنسبة 16% وهدفه تحفيز إنتاج الكريات الحمر وزيادة القدرة على التحمل.

ولأنه لم تكن لديه فكرة مؤكدة عن نجاحه خاصة أنه يتطلب الكثير من الموارد والإمكانيات، اقترح تقسيم الفريق إلى قسمين، بحيث يتدرب القسم الأول ضمن الغرفة والقسم الآخر يتدرب بشكل طبيعي، مع مراقبة الأداء الرياضي وتسجيل مؤشرات الدم الحيوية وتقييمها.

لكن مقترحه لم يلق قبولًا من قبل المدرب الرئيسي لأنه أراد الحفاظ على الوضع الحالي والاستفادة من تأثير العلاج الوهمي في نفسية المشتركين، ونفس الفكرة تنطبق على حمامات الثلج فهي مستمرة لنفس السبب مع وجود الدعم الدرامي الكافي وآراء الشخصيات المؤثرة البارزة دون الاكتراث بالتحليلات العلمية التي ترفض هذه الممارسات.

حتى تتغير العقلية الرياضية الحالية يجب على الرياضيين ومشجعي هذه النشاطات إعادة النظر فيما إذا كانت الفوائد المتوقعة تفوق المساوئ الفسيولوجية لها، فغالبية الناس يتبعون ما يقولونه دون التشكيك في صحته.

يختم الكاتب مقاله بالحديث عن المحاولات الكبيرة للعلماء ومن بينهم هو في تسهيل وصول هذه النتائج الصحيحة لعامة الناس، مع استغلاله لمنصبه كمحرر في مجلة عالمية كبرى لإطلاق مبادرة مع زملائه لتشجيع العلماء على جعل الأبحاث في متناول الناس جميعهم، وحتى لو بدا الأمر صعبًا إلا أنه مع وجود الدعم الكافي من المجتمع العلمي والتركيز على الغاية الصحية فقط سيكون التغيير قابلًا للحدوث، عندها ستفقد نشاطات مثل الاستحمام بالثلج شعبيتها.

المقال الأصلي

Nick Tiller, Why are we still ice bathing? the Skeptic’s Guide to Sports Science, February 26, 2024

تم نشر هذا المقال في العدد 61 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغوياً ريام عيسى