برياردو يورينته، (The conversation) الاستعدادات جارية بالفعل للبعثات التي سوف تهبط على كوكب المريخ خلال العقد القادم. ولكن سيأكل زوار المریخ وساكنوه إذا أدت هذه المهمات في النهاية إلى الاستعمار الدائم للكوكب الأحمر؟ أو بالأحرى بما أن الشركات الخاصة هي التي تقود رحلة إنشاء هذه المستعمرات فالسؤال الأفضل سيكون: ما هي أفضل الطرق اقتصادياً للحصول على إمداد غذائي مستقر في المريخ؟

مستعمرة في المريخ

عندما يصل البشر إلى المريخ’ سيكون التحدي الرئيسي لأي مستعمرة هو توليد إمدادات مستقرة من الغذاء، فالتكاليف الهائلة لإطلاق الموارد وإعادة إمدادها من الأرض ستجعل هذا تطبيقا غير عملي. سيحتاج البشر على المريخ إلى الابتعاد عن الاعتماد الكامل أو حتى النصفي على الوجبات المشحونة من الأرض أو ما يقع في مدارها، وتحقيق مستوى عال من الزراعة المستدامة والاكتفاء الذاتي يجب أن يكون أهم شيئ بعد تهيئة الكوكب (سأحاول إتخاذ طرق تهيئة المريخ كموضوع رئيسي في كتاباتي القادمة). لكن حاليا:  الاكتشاف الأخير للمياه السائلة على سطح المريخ – والذي يضيف معلومات جديدة إلى مسألة ما إذا كنا سنجد حياة على كوكب المريخ – يمنحنا تحفيزا كافيا لدراسة إمكانية استخدام تلك المياه للمساعدة في زراعة الغذاء، لكن بالطبع المياه ليست سوى واحدة من العقبات العديدة التي يجب تخطيها لمنح الجنس البشري فرصة للحصول على طعام لائق على المريخ، خصوصا عندما يرى العلماء أن تكلفة إرسال 1 كغ من الطماطم يكلف حاليا 22 ألف دولار إلى محطة الفضاء الدولية فقط! وباستخدام طرق غير مباشرة للحساب، يتوقع البعض أنها ستكلفنا حاليا حوالي 250 ألف دولار لإرسال كيلوغرام من الطماطم إلى المريخ! ومع تعديلها لرحلة في سنة 2030 والأخذ بمعطيات اقتصاديات الحجم (Scaling Economics)  فلا يُعتقد أن السعر سيقل عن 30 ألف دولار! كيلوغرام من الطماطم بسعر 30 ألف دولار، هنا يرى العلماء عائق جدي يهدد قدرة البشرية على استعمار كوكب المريخ في هذه الحقبة، ومنه يجب علينا الإعتماد على الزراعة في المريخ بأقل كمية ممكنة من الموارد الأرضية وبأفضل إنتاجية.

حسنا، عن أي طعام نحن نتحدث؟

يقترح العلماء عدة وجهات نظر وأهمها:

  • استخدام الميكروبات كمصدر للغذاء على المريخ. (مثال: تحويل الإفرازات البشرية إلى طعام).
  • استخدام البيوت الزجاجية المائية والأنظمة البيئية الخاضعة للرقابة، مثل الدفيئة المائية الموجودة على متن محطة الفضاء الدولية لزراعة المحاصيل.
  • إستخدام البيولوجيا التركيبية المتقدمة لتحسين الأداء المحتمل للحياة النباتية على المريخ، مثلما اقترح في نسخة يوليو 2018 من مجلة غينيس (Genes). (علم الأحياء الاصطناعية هو مجال سريع النمو ويجمع مبادئ هندسية مع علوم الحمض النووي وعلوم الكمبيوتر لنقل وظائف جديدة ومحسنة إلى الكائنات الحية).

كيف يختلف المريخ عن الأرض؟

على الرغم من أن المريخ هو أقرب الكواكب شبهة للأرض، إلا أن المريخ والأرض يختلفان من عدة جوانب.

  • تبلغ جاذبية كوكب المريخ حوالي ثلثها على الأرض. المريخ : 3.711 m/s²  – الأرض: 9.807 m/s².
  • يستقبل المريخ حوالي نصف أشعة الشمس التي نحصل عليها على الأرض، ولكنه ينال مستويات أعلى بكثير من الأشعة فوق البنفسجية الضارة (UV) والأشعة الكونية (بفضل طبيعة غلافه الجوي وهشاشته بالأخص).
  • درجة حرارة سطح المريخ حوالي -60 (سالب ستين) درجة مئوية ولها جو رقيق مصنوع أساسا من ثاني أكسيد الكربون.
  • على عكس تربة الأرض الرطبة والغنية بالمغذيات والكائنات الدقيقة التي تدعم نمو النبات، فإن المريخ مغطى بالحطام الصخري. وهذه مادة قاحلة تحتوي على مواد كيميائية بيركلوراتية سامّة للبشر.
  • على الرغم من اكتشاف بحيرات مائية تحت سطح المريخ مؤخرا – فالماء على سطح المريخ يوجد في الغالب على شكل ثلج، ويؤدي الضغط الجوي المنخفض للكوكب إلى غليان الماء السائل عند اقترابه من الدرجة الخامسة مئويا.

إذن ما هي خطتنا لتكييف النباتات في المريخ؟

هناك بديل أكثر عقلانية، وهو استخدام البيولوجيا التركيبية لتطوير محاصيل مخصصة للمريخ. هذا التحدي الهائل يمكن معالجته وتعقبه بسرعة عن طريق بناء مختبر بيولوجي مريخي يركز على النبات.

سيكون هذا المرفق الآلي قادرًا على تسريع هندسة التصميمات البيولوجية واختبار أدائها في ظل ظروف المريخ المحاكية. فقط، إن وجد تعاون دولي وتمويل كافي يمكن إنجاز هذا المخطط، ليساهم هذا المرفق المتطور في تحسين العديد من السمات المطلوبة لجعل المحاصيل تنمو على سطح المريخ في مهلة لا تزيد عن عشر سنوات، وهذا يشمل:

  • تحسين التمثيل الضوئي والحماية الضوئية (للمساعدة في حماية النباتات من أشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية).
  • تحسين تحمل الجفاف و البرودة.
  • هندسة المحاصيل الوظيفية عالية الإنتاجية.
  • تعديل الميكروبات لإزالة السموم وتحسين جودة تربة المريخ.

لحسن حظنا، هذه كلها تحديات تقع ضمن مقدرة البيولوجيا التركيبية الحديثة. والإستثمار في هذا البرنامج العلمي، لن يساعدنا على العيش في المريخ في أقرب وقت فقط، بل سيساعدنا على تخطي عقبات مهمة على كوكب الأرض كذلك، إذ ومع تزايد عدد سكان العالم يزداد الطلب على الغذاء. ولتلبية هذا الطلب يجب علينا زيادة الإنتاجية الزراعية ولكن يتعين علينا القيام بذلك دون التأثير سلبًا على بيئتنا، وهنا يظهر صافي أرباح البشر من إستثمارهم في المرفق العلمي المقترح الذي من شأنه أن يجلب فائدة هائلة لصالح الأمن الغذائي والحفاظ على البيئة، بتحسين المحاصيل الموجودة. ومع كل هذا، يرجى الإحاطة علما بأننا حاولنا التعميم في هذا المقال وإبراز المتغيرات التي ستؤثر على زراعة أطعمة مختلفة وبطريقة ستكون منطقية للمدى البعيد، فحاليا يستطيع العلماء حاليا وببساطة زراعة العديد من المواد الغذائية التجريبية بشكل جيد في التراب المريخي المحاكى، حيث الخضر المختلطة مثل الخس واللفت أظهرت نتائج مبهرة حتى بعدم وجود إمداد مستمر للمياه.

المقال الأصلي:

Briardo Llorente, “How to grow crops on Mars if we are to live on the red planet”, The Conversation, July 26, 2018