الكواليا Qualia وتعرف بالعربية بالكيفيات المحسوسة هي الطريقة التي نشعر بها بالأشياء، هي الشيء التالي الذي سيتم اقصاؤه من مفاهيمنا في الفصل 12 من كتاب شرح الوعي. يرى العديد من الفلاسفة أن الألوان هي أشياء في أدمغتنا وليست سمات حقيقية للأشياء في العالم. ويرى البعض أن هناك بعض السمات الرئيسية مثل اللون الأحمر في الطبيعة، ولكن البعض الآخر مثل اللون الوردي يأتي من الطريقة التي نرى بها الأشياء، وليس من طبيعة الأسطح التي نراها. يجادل دينيت بأن روبوتًا مثل CADBLIND مع وظيفة بسيطة لمقارنة الدرجة الحمراء يمكنه العثور على الفرق بين اللون الوردي والأحمر وأن هذه الحجة بين وعينا وطبيعة الأشياء التي نختبرها يمكن الإجابة عليها ببساطة بطريقة أخرى وفقاً للآلية البسيطة تلك.

في عام 1950، ألقي القبض على يوليوس وإثيل روزنبرغ في الولايات المتحدة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بتهمة التجسس. عمل الزوجان في البرنامج البحثي المعروف بمشروع مانهاتن وهو البرنامج الأمريكي لإنتاج الأسلحة النووية. واستخدم الأزواج خدعة ذكية ككلمة مرور لمشاركتها مع الآخرين في مجموعات التجسس التي عملوا ضمنها. وكان هدفهم تزويد الاتحاد السوفييتي بالأسرار النووية الأمريكية. في الصورة أدناه يمكننا أن نرى علبة لمنتج Jell-O التي تم استخدامها سراً ككلمة سر. ولكن ما علاقة ذلك بتجاربنا الشخصية وكيفية احساسنا بالأشياء؟

Jell o box

استخدم الجواسيس قطعًا من الورق المقوى لتشكيل كلمة مرور حيث تتطابق القطع مع بعضها البعض بشكل أساسي لأنها مكونة من نفس المادة ونفس الشيء. وبالمثل، فإن الألوان ورؤية الألوان مصنوعة من بعضها البعض وفقًا لدينيت. تطورت رؤية الألوان من خلال ترميز الألوان وهو مثل أنظمة ترميز الألوان التي نستخدمها في المستشفيات على سبيل المثال. يمثل الترميز اللوني “خدعة جيدة” (راجع الخدعة الجيدة في تطور الوعي من هذه السلسلة) لدى بعض الحشرات للعثور على الزهور.

يمكن توضيح تطور رؤية الألوان من خلال أمثلة مثل التطور المشترك لتلوين التفاح والحيوانات التي تأكل الفاكهة. يتساءل دينيت ويجيب: “لماذا السماء زرقاء؟ لأن التفاح أحمر، والعنب أرجواني”. لقد تطورت رؤيتنا منذ أسلافنا الأوائل لمثل هذه التجارب تجاه الطعام او المخاطر، وكان الترميز اللوني المبكر الذي كان لدينا هو المسؤول عن رؤية الألوان بشكل عام والتي تغطي الأشياء التي لا نأكلها أو نشمها، مثل السماء.

لا تزال استعارة علبة الكارتون التي استخدمها الجواسيس قابلة للتوسيع لتشمل جانبًا آخر من تجربتنا. يجب أن يكون هناك سياق لتجارب استمتاعنا بالتجارب وادراكنا للجمال. نظرًا لأن الحشرات لم تتطور لتنجذب إلى ألوان محددة دون سياق، مثل إطعام نفسها، فيجب أن تكون كل تجربة مرتبطة بفئة من المراقبين لتمييزها.

الكثير من تجاربنا والطريقة التي نختبر بها الأشياء هي فطرية. يشعر البعض أن التنكر أو الخوف من الثعابين أمر موروث، فهي تنبيهات فطرية. وكذلك فإن الإعجاب ببعض الألوان، أو الانزعاج من بعض التجارب، يمكن أن يكون فطرياً، ويكون له مصدر فطري. يتم بعد ذلك تحويل تلك الخصائص الفطرية بواسطة الميمات بمئات الطرق لجعلها تبدو أكثر من مجرد ردود فعل ميكانيكية موروثة. إن التفكير في شخصياتنا باعتبارها فطرية ليس تفسيرًا قد يدعمه فلاسفة الكيفيات المحسوسة (Qualia)، لكن دينيت لا يزال لديه الكثير ليقوله عن الكيفيات المحسوسة لهدم تلك الفكرة.

الكيفية المحسوسة “Qualia” هي تجربة أخرى تتطلب، لو كانت موجودة بالفعل، سلكًا ينبع من النقطة “أ” مثل استشعار العين للألوان إلى النقطة “ب” في الدماغ حيث حدثت التجربة. هناك شبكة مرتبطة بالعديد من الأشياء التي تعمل في وقت واحد “مسارات متعددة يتم من خلالها تحرير مسودات متعددة في وقت واحد وشبه مستقلة” كما يصف دينيت. هنا يأتي السؤال: أين سيكون المسرح الديكارتي لتحدث هذه التجربة؟ هنا قد يقترح شخص ما أن الكيفيات المحسوسة هي ظاهرة ثانوية. في هذه الحالة، ستكون نتيجة ثانوية لعملية رؤية الألوان، أي شبكات عصبية ثانوية مرتبطة كمثال. لكن دينيت يرفض قبول مفهوم الظاهرة الثانوية أيضاً.

إذا كان المنتج الثانوي لأحاسيسنا ظاهرة ثانوية، فيجب أن نفترض أن عكس تجربتنا من شأنه أن يؤثر على هذا المنتج الثانوي أيضًا. ومع ذلك، لا يمكن عكس الكيفيات المحسوسة إذا كنا نرتدي نظارات مقلوبة مثلاً، أو إذا تم استبدال الألوان مثل الأخضر بالأحمر في رؤيتنا. هل ستشعر بشعور معاكس لشعورك حيال المشهد لو رأيته معكوساً مثلاً؟ إذا حاولنا نقل التجربة من دماغ إلى آخر، فهل سيكون هناك كيفيات محسوسة منقولة لكيفية شعور الشخص الأول باللون الأحمر أو الأخضر؟ على الاغلب لا. الكيفيات المحسوسة غير موجودة في أدمغتنا وفقًا لدينيت، ولكنها تأتي من ثراء العالم بالخصائص وما ندركه من خصائص من العالم من حولنا. لا نحتاج إلى فرض تعقيد إضافي على الدماغ، فخبرتنا والعالم من حولنا غنيان ومعقدان بما فيه الكفاية مما يعطي الوهم بوجود ذلك الجزء المركزي الذي يدرك شيئاً مثل الكيفيات المحسوسة.

عندما نرى أو نشم أو نتذوق أو نسمع، نصبح واعين لأجزاء مختلفة من هذا الثراء المحيط بنا، أو قد لا نكون كذلك، مما يجعل تجربتنا فريدة ومتغيرة. هذه هي الطريقة التي قد يشعر بها أحد كبار متذوقي النبيذ المحترفين بمذاق النبيذ بشكل مختلف عما كان عليه عندما تذوق النبيذ لأول مرة أو من شخص آخر ليس من مختبري النبيذ (لنتذكر حدس العميان في التجارب أيضاً).

يستعير دينيت عبارة المادية السيميائية من ديفيد لودج، والتي تعني أن ما نقوله أو نكتبه بعد ذلك ليس غريبًا عما نتحدث عنه أو نكتب عنه. إنها فكرة تفكيكية مفادها أن المواد والخطاب يرجعان لنفس الأصل. وبالمثل، يرى دينيت علاقة مماثلة بين تجربتنا والعالم الذي نختبره. لذلك، لا ينبغي لنا أن نرفض هذه العلاقة لصالح افتراض وجود جزء جوهري ومركزي من أدمغتنا الذي يشكل “الكيفيات” الخاصة بنا. “تستبدل الكيفيات المحسوسة بحالات مزاجية معقدة للدماغ” بهذه الجملة يلخص دينيت ما قدمه في هذا الفصل.