اعداد: محمد كمال
منذ التاريخ قبل الميلادي اختلف الفلاسفة حول طبيعة ضوء, أرسطو فسر الضوء بأنه اضطراب أو اهتزاز لمكونات الهواء ( طبيعة موجية) , بينما افترض ديموقريطوس بأن كل شئ في الكون-بما فيها الضوء- مكوّن من جسيمات متناهية الصغر غير قابلة للتجزئة, و أسماها الذرات “atoms” و من هنا جاءت تسمية الذرات(طبيعة جسيمية) . إلا أن هذا الجدال كان فلسفياً غير مبني على أي دليل علمي.
اتّخذ الأمر منحى علمي عندما بدأ الحسن بن الهيثم بدراسة الضوء و انكساره و انعكاسه و علم العدسات, و كان افتراضه بأن الضوء هو عبارة عن حزم من الأشعة المكونة من جسيمات, أي أنه كان من أهل النظرية الجسيمية للضوء, بعد ذلك بعدة قرون قام نيوتن أيضاً بافتراض أن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة جداً في فرضيته المعروفة ” corpuscular hypothesis” و جادل نيوتن بأن هذه النظرية تستطيع أن تفسر انعكاس الضوء بناءا على افتراضه بأن الضوء جسيمات تسير في خطوط مستقيمة, كما فسر الانكسار بأن تسارع هذه الجسيمات يتغير عندما تنتقل من وسط إلى وسط مختلف الكثافة .
في الجهة المقابلة, كان كلاً من Hooke و Huygens بافتراض الطبيعة الموجية للضوء, و لكن هذه المرة بالاستناد إلى الرياضيات, و قالوا بأنه إذا كانت سرعة الضوء تتغير من وسط لآخر, فمن السهل تفسير انعكاس الضوء بأنه تغير في تذبذب موجة الضوء تبعاً لطبيعة الوسط الذي تسير فيه. تدعّم النظرية الموجية بالضوء بعد ذلك بواحدة من أهم التجارب في التاريخ البشري رغم بساطتها, ألا و هي تجربة الشق المزدوج التي أجراها ثوماس ينج, إذا بيّنت بما لا يدع مجالا للشك أن الضوء موجة, حيث انه يحصل تداخل للضوء عندما يمر في شقين متجاورين تحت ظروف معينة, و لا يمكن تفسير هذا التداخل إلا بافتراض أن الضوء موجة.
مر وقت طويل, و في كل يوم كانت النظرية الموجية تزداد قوة و انتشاراً بينما يخفت بريق النظرية الجسيمية, و كانت آخر الضربات التي وُجّهت للنظرية الجسيمية هي نظرية ماكسويل في الكهرومغناطيسية, حيث استطاع ماكسويل أن يوحد الكهربية و المغناطيسية في نظريته النظرية الكهرومغناطيسية, و استطاع أن يثبت وفق معادلات -تعتبر من أهم ما خطّت أيدي البشر, و سواءاً كنت تدري أو لا تدري, فحياتك تعتمد بشكل كبير جدا على هذه النظرية, و لولاها لما كنت تقرأ ما هو مكتوب أمامك الآن- أن الضوء ما هو إلا أحد أشكال الأمواج الكهرومغناطيسية .
كانت نظرية ماكسويل, أو كادت أن تكون الضربة القاضية للنظرية الجسيمية , لولا وجود بعض التجارب التي لا نستطيع تفسيرها باعتبار أن الضوء موجة, كالظاهرة الكهروضوئية “عند تسليط شعاع ضوئية على صفيحة معدنية, فإن بعض الإلكترونات ستتحرر من هذه الصفيحة تحت لم ظروف معينة” , من المثير للدهشة, أن هذه الظاهرة تم اكتشافها على يد العالم هيرتز بينما كان يحاول بالتجارب إثبات صحة نظرية ماكسويل الموجية !
في عام 1905 قام أينشتين بإحياء تراث بن الهيثم و نيوتن من جديد, مستفيداً من نظرية ماكس بلانك في اشعاع الجسم الأسود, فقد قام اينشتين بتفسير الظاهرة الكهروضوئية بافتراض أن الضوء و الأمواج الكهرومغناطيسية تتكون من جسيمات “فوتونات” و هي كمات محددة من الطاقة, و استطاع بهذا أن يفسر الظواهر التي عجزت النظرية الموجية للضوء عن تفسيرها.
إذا الأمر الآن أصبح أكثر تعميماً, فالحديث ليس عن الضوء فقط, بل على جميع الموجات الكهرومغناطيسية, و الضوء ما هو إلا شكل من أشكال الأمواج الكهرومغناطيسية.
في عام 1924 قدّم العالم دي برولي فكرة عبقرية, و لأن الطبيعة تعشق التماثل في كل شئ, افترض دي برولي التالي: إذا كانت الموجات الكهرومغناطيسية تتصرف كجسيمات , فما المانع من أن تتصرف الجسيمات كموجات ؟!
قام دي برولي بالعمل على هذا الموضوع, حتى استطاع باستخدام معادلات رياضية منطقية أن يُدعّم هذا الفرض, و استطاع أن يصوغ نظرية تفترض أن كل متحرك و له كتلة معينة, فانه سيتصرف كموجة , و قدّم معادلة سميت باسمه يمكن من خلالها حساب الطول الموجي للجسيم من خلال الربط بين طول موجته و كمية تحركه.
لم يطل الوقت طويلاً, فبعد ثلاث سنوات من ذلك, قام العالمان Davisson و Germer بإجراء تجربة استطاعوا من خلالها إثبات صحة نظرية دي برولي. حيث أظهرت تجربتهم أن حزمة من الإلكترونات تتشتت بطول موجي معين عند تسليطها على بلورة. و التشتت طبعاً من خواص الأمواج, و كان طول الموجة في التجربة هو نفسه عندما حسبوه باستخدام نظرية دي برولي.
في عام 1926 فكّر شرودنجر في ما قاله دي برولي, و قال إذا كان الجسيم يتصرف كموجة, فيجب أن تنطبق معادلة الموجة على هذه الحركة, و بهذا المنطق استطاع شرودنجر أن يشتق معادلة باسمه,” معادلة شرودنجر” لتفسر سلوك هذه الموجات, و قد ألحقها بمعادلات أخرى استطاعت تفسير ظواهر سابقة و لاحقة, و قد احتفى العالم بهذه النظرية و اعتُبرت واحدة من أهم انجازات القرن العشرين, و أحد أهم الثورات في تطور علم الفيزياء.