سحر الكلمات غير القابلة للترجمة . “رعشة؟” يالها من كلمة غريبة! تستدعي التمازج المميز من الخوف والإثارة الذي يمكن أن يظهر عند التعرض لأي حدث جسيم. شرارة الكهرباء عندما تقفل عينيك مع شخص لا تعرفه تماما بعد لكنك تشعر بأنه الشخص المختار. الإحساس المضطرب من الأدرينالين المتوتِّر عندما تصدمك قصة خبر عظيم. الفرحة المَشُوبة بالخوف عندما تهبط على لعبة قطار الموت rollercoaster التي تسبب الدوار. كلمة “لذة” ربما تكون قريبة منها ولكن ليس تماما. وعلى هذا النحو فبإدراك أن جميع المرادفات القريبة من اللغة الإنجليزية ليست مثالية، يسعدنا أن نلقي الضوء على الكلمات الفرنسية المستعارة وبينما نقوم بذلك فإن وجودنا سيكون أكثر غنى وأكثر دقة.

في كل مرة يسعى فيها الناس إلى وصف الآلية الثقافية الفريدة من نوعها للولايات المتحدة الأمريكية فإنهم غالبا ما يشبهونها “بالبوتقة” أو “وعاء الصَّهْر” مجسِّدِين بذلك الاختلاط الكيميائي للبلاد والذي يجمع الناس من كل أنحاء العالم. وبشكل أقل شيوعا، فقد يُلاحَظُ أن اللغة الإنجليزية تشبه البوتقة بحيث أنها تستوعب كلمات من لغات متعددة وهذا -بلا شك- يعزز عملية (الاندماج اللغوي).

كفرع من شجرة اللغة الهندو-أوروبية فإن تاريخ اللغة الإنجليزية يعود إلى هجرة القبائل الجرمانية إلى الجزر البريطانية حوالي القرن الخامس الميلادي. ومنذ ذلك الحين، فإن اللغة الإنجليزية قد تبنت بحماس كلمات من لغات مختلفة. مضيفة إياها بشغف إلى قاموسها المتزايد باستمرار.

في الواقع، فإن مثل هذه الكلمات التي تم دمجها في اللغة الإنجليزية قد تجعل الناس غير مدركين ببساطة لحقيقة أن اللغة الإنجليزية قد تم تجميعها من أجزاء مأخوذة من أماكن أخرى. من كان ليخمن -على سبيل المثال- أن الكلمات التي تبدو إنجليزية تماما لها جذورها في اللغة العربية، بدءا من كلمة “algebra الجبر” و” algorithm الخوارزمية” وصولا إلى كلمتي ” zenith سَمْتُ الرَّأس-أي اتجاه الرأس” و”zero الصِّفْر”؟ وإن أردنا أن نتعمق فسوف نجد أن اللغة الإنجليزية هي ارتجال حقيقي لهذه الكلمات المُستعّارة.

لطالما فتنت مثل هذه الكلمات علماء اللغة الذين يشيرون إليها بوصفها كلمات مستعارة (الكلمات التي استعارتها اللغة الإنجليزية) لأنها عادة تفتقر إلى مصطلحها الأصلي الخاص للظاهرة التي تدل عليها الكلمة رغم أن هناك أسبابا أخرى مثل الاعتبار المرتبط بنشر مصطلحات أجنبية. ثم مع مرور الوقت والأهلية التي تمنح من خلال الاستخدام الواسع لهذه الكلمات، فقد أصبحت في نهاية المطاف مفهومة بشكل جيد في اللغة الإنجليزية (غالبا مع وجود درجة معينة من التكيف).

ما يبدو ربما أكثر إثارة للاهتمام هو الظاهرة المتعلقة بما يسمى ” الكلمات غير القابلة للترجمة untranslatable words” والتي تتألف أساسا من كلمات تفتقر أيضا إلى ما يعادلها في اللغة الإنجليزية مع أنها غير مستعارة. وباعتراف الجميع، فإن مصطلح “عدم القابلية للترجمة untranslatability” هو مصطلح مثير للجدل. وعلى نحو آخر، يمكن القول أنه ما من كلمة مترجمة على نحو حقيقي فالكلمات هي جزء لا يتجزأ من شبكة معقدة من المعاني والتقاليد. وعلى هذا النحو، فإن المترجمين يجادلون طويلا بأن هناك شيئ ثمين يفقد أثناء القيام بالترجمة حتى في اللغات التي يبدو أنها تحتوي على المرادفات التقريبية.

كمثال على ذلك، كلمة “amour” الفرنسية التي تعتبر مناظرة لكلمة “love” في الإنجليزية وتعني الحب. وعلى نحو معاكس، فإن بعض الناس يقولون إنه لا توجد كلمة غير قابلة للترجمة حتى لو كانت تفتقر إلى مرادف دقيق في اللغة الإنجليزية حيث أن معناها يمكن أن ينقل من خلال بضع كلمات أو بضع جمل على أقل تقدير. في الواقع، إن غياب المطابق التام exact match في اللغة الإنجليزية هو ما يجعل الكلمة غير قابلة للترجمة untranslatable ويجعلها تحظى باهتمامنا لسبب وجيه. وفوق كل شيء، فإن مثل هذه الكلمات تشير إلى الظواهر التي تم تجاهلها أو التقليل من أهميتها من قبل الثقافات الناطقة باللغة الإنجليزية.

وحتى نقيّم هذه النقطة دعونا نتأمل سبب امتلاكنا للكلمات. تعمل الكلمات على تفتيت العالم إلى أجزاء قابلة للفهم. وبعد ذلك تتيح لنا الانخراط مع هذه الأجزاء معرفيا في سبيل أن نخلق رموزا ذهنية ونوضحها ونناقشها. وبذلك فإن الكلمة “غير قابلة للترجمة” تنبهنا إلى أن هناك شيئا ما في العالم قد لا تكون الثقافات الناطقة بالإنجليزية قد لاحظته، أو حللته بعمق إلا أن هناك ثقافات أخرى قد فعلت ذلك.

لكننا نرى هنا قيمة اللغة الإنجليزية وكل اللغات في الواقع بوصفها بوتقة قادرة على احتضان واستيعاب الكلمات “غير القابلة للترجمة” والتي تجعلها تكتسب في هذه العملية صفة الكلمات المستعارة. وأثناء القيام بهذا فإن معاني الكلمات قد تتحول قليلا وقد تضيع بعض الفروق الدقيقة على طول الطريق. ولكن من دون شك فإن اللغة الإنجليزية تستوعب هذه الكلمات وتصبح أكثر غنى وتعقيدا بشكل لا لبس فيه، وإنَّ فِهْمَنا وخِبْرَتَنَا تجاه العالم تصبح أغنى وأعمق وفقا لذلك. إنني أفكر، على سبيل المثال، بالقفزات الفكرية التي كانت الثقافات الناطقة باللغة الإنجليزية قادرة على أن تقوم بها في مواجهة المفهوم العربي لكلمة “الصِّفْر”.

تماشيا مع الفكرة القائلة بأن الكلمات غير القابلة للترجمة قد توسع آفاقنا العاطفية والمعرفية فإنني سوف أتفحص لغات العالم بحثا عن كلمات كهذه. فهي لا تعارض استخدامك لها لأن مثل هذه المهمة قد تكون واعدة بشكل كبير. بدلا من ذلك فإنها ترتبط بكونها تحديدا قد صيغت بشكل جيد. لإعطاء بعض المعنى هنا فإنني باحث في علم النفس الإيجابي وهو ميدان أكاديمي معني وعلى نطاق واسع بفكرة الازدهار الشاملة (للغة)، استُقْبِلَ بشكل جيد عموما منذ تأسيسه، مع أن بعض الانتقادات وُجِّهت إليه. ومن أبرزها أن أساسيات الصلاحية فيه تشكلت من قبل السياق الغربي الثقافي حيث برز هذا المجال. والآن، برغم ذلك، يصبح المجال أكثر توافقا مع التغير في كيفية فهم الصلاحية والتعبير عنها في الثقافات الأخرى

وانطلاقا من هذه الروح، فقد هدفتُ إلى ابتكار “معجم إيجابي عبر ثقافي متميزا بوجود كلمات غير قابلة للترجمة من جميع لغات العالم. على أمل أن مثل هذه الكلمات سوف تثري فهمنا للكلمات المصوغة جيدا وتكشف العمليات والبنى النفسية الجديدة والقيّمة. في البداية، قمت بإدارج 216 كلمة حللتها موضوعيا في بحث نشر في مجلة علم النفس الإيجابي Journal of Positive Psychology. ومن ذلك الحين فقد كبرت القائمة حتى وصلت إلى 601 كلمة وقد أعانتني ردود الأفعال السخية التي وصلتني على موقعي في تحقيق ذلك. ومع ذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الناقص قيد التنفيذ ومن بين 7000 آلاف لغة على سطح الأرض قمنا بتقديم 72 لغة حاليا. أشعر وكأنني أخدش سطح محيط غامض وعميق، ولكن حتى في هذه الحالة البدائية فإن قائمة الكلمات تبدو رائعة حقا.

وأنا أتأمل الكلمات، قمت بتقسيمها إلى ثلاث فئات: أولا، لدينا الكلمات التي تُشعل شرارة الإدراك السريع. بمعنى أنني أعرف الشعور الذي تتركه لكنني لم أحظَ مسبقا بفرصة لأتذكر نطقها. خذوا الاسم الألماني “Treppenwitz ” والذي يعني حرفيا “درجات النباهة” والتي هي ظاهرة شائعة جدا من التعاقب الذكي الذي يتبادر إلى الذهن بعد الاستخدام المباشر لها. ثانيا، هناك كلمات أشعر أنني على دراية بها لكنها لم تزل تفاجئني وكأنما معناها وتميزها الكلي يخدعانني.

كلمة “رعشة Frisson” قد تكون مثالا جيدا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجموعة من الصفات الإسكندنافية التي تترجم بشكل تقريبي “دافئ cosy” كما هو الحال في كلمتي “hyggelig” و”koselig” ولكنها تعزز الدلالة على الحس الوجودي بالدفء والأمان. وبالعكس، فإن المصطلح الألماني “”Sehnsucht الغامض يحفز الشعور المتناقض والمُرَّ المتعلق بحنين الحياة ، وبهذا فإننا نجد محاولات لتقديم مثل هذه الكلمات بشكل أكثر فهما. في الحقيقة إن هذا المصطلح الألماني هو واحد من الكلمات القليلة الموجودة على القائمة والتي يجب أن تحلل تجريبيا بصياغة ذات نطاق نفسي كانت قد أوجدتها سوزان شايبه Susanne Scheibe والزملاء. ويشير عامل التحليل أن البناء اللغوي يتضمن ست خصائص رئيسية متضمنة أفكار مثالية، إحساس النقص بالحياة ومستويات عالية من التأمل الذاتي. آمل أن هذا المشروع سيحفز برنامجا بحثيا حيث ستحظى كل الكلمات على القائمة بذلك النوع من المعاملة المتمثلة بالتحليل التجريبي.

أخيرا، هناك كلمات تبدو خارجة عن إرادتي تماما لكأنها ورغم ذلك تأسرني بشكل كلي. كلمات مثل “نيرفانا Nirvana” في البوذية أو “الطاو Tao” والكثير غيرها من كلمات الفلسفات الدينية الشرقية. يبدو وكأن الأمر سيستغرق عمرا من ممارسة التقاليد لتحقق بالكاد مستوى بدائي من فمهما وهذا ربما ما ترمي إليه التقاليد بشكل دقيق. وعلى الرغم من ذلك هناك متعة معينة من معرفة أن مثل هذه الكلمات موجودة, وأن عالمنا أكثر سحر وغرابة مما كنا قد نتخيله رغم أنه مقيد ومحدد ضمن إطار مفرداتنا.

مراجعة: رمزي الحكمي

المصدر: http://www.scientificamerican.com/article/the-magic-of-untranslatable-words/