رابط المقال في الموقع: https://real-sciences.com/?p=13814

رابط البودكاست

هذه المرة لنا لقاء مع ضيف غير مألوف لكنه معروف لمن دأبوا على القراءة في موقع العلوم الحقيقية. انه الكاتب السابق في موقع العلوم الحقيقية، المحامي المختص بالقانون الجنائي حيان الخياط. نرحب بك معناحيان الخياط

حيان: شكراً لك عمر، وتحية طيبة لكل من يستمع لنا.

توقفت عن كتابة المقالات يا حيان وأخذك القانون من المجالات العلمية ومن البحث في تفنيد العلوم الزائفة. لذا سنحاول هذه المرة أن نستفيد من مجالكم بقضية لطالما أردنا طرحها في الموقع وهي: “القانون ومكافحة العلم الزائف والخرافة”، وربما يمكن أن نبدأ بسؤال كبير جداً لك ان تتفرع منه: كيف نستطيع بالسبل القانونية مواجهة الخرافة والعلم الزائف وكيف هو الحال في العراق والدول العربية

قضية السحر والشعوذة والعلاجات غير المعتمدة طبيا وعلميا هي قضية واسعة جدا وكبيرة قد يكون فيها جزئيات تناولها القانون فيما لم يشر القانون لقضايا أخرى. فضلاً عن شق آخر وهو القضايا التي ظهرت بعد تشريع القانون مثل الكثير من العلاجات الزائفة والتي ظهرت بفترة تلت فترة تشريع القانون. أي، القانون الذي نتكلم عنه والمختص بهذه الشؤون في العراق او في الدول العربية، مثلا قانون العقوبات العراقي صدر عام 1969 وقد حصلت الكثير من التطورات بعد ذلك كما ظهرت أساليب غير طبية وغير معمول بها في المراكز البحثية ولم يكن هناك تطور قانوني لمتابعتها ومراقبتها بشكل جيد.

قضية تعامل القانون مع هذه الأمور تعتمد على القضية. مثلاً هناك من يدعي معالجة الناس لكنه ينتهي بالإضرار بهم، كما أن هناك أشخاص آخرين يقدمون أنفسهم على أنهم معالجين روحانيين محاولين الحصول على أموال أو انهم يقومون بابتزاز الأشخاص. هناك حالات كثيرة مختلفة لا يمكن الجزم بها والجزم بموقف القانون منها. ليس هناك جواب واحد لهذا في القانون، لكن هناك جزئيات واجهها القانون واصدر عقوبات لها.

من الممكن ان نبدأ بملف معين، بما ان نظرة القانون متباينة، فيمكن ان نبدأ بالخرافة. وسنعيد تعريف الخرافة لمن لم يعرف الفرق بينها وبين العلم الزائف. الخرافة هي منهج او طريقة للتعامل مع الكون وقوانينه برؤية لا تمت بصلة لقوانين الطبيعة وتستند إلى قواعد خرافية او اسطورية تم انشاؤها بمعزل عن أي طريقة تجريبية او علمية. من الأمثلة على الخرافات قضية السحر.

نبدأ بالخرافة وبالعلاج.. ثم ننتقل الى العلم الزائف وكشف ما هو علمي وما هو غير علمي من السبل العلاجية، ثم نناقش القضايا التي ليس لها علاقة بالعلاج مثلا القضايا التي تستهدف أموال الناس وجيوبهم او التنبؤ بالغيب أو غير ذلك مما يحقق ضرراً مباشراً أو غير مباشر.

لنبدأ بالعلاج بالخرافة وقد ذكرت السحر والشعوذة والرقية الشرعية. لنفترض أن شخص ما يمارس العلاج بالقرآن أو يقرأ ادعية معينة او يقوم بالسحر ويدعي معالجة أمراض مزمنة وهذا يؤدي إلى أخطار مثلا مرض السكر أو أمراض مستعصية كالسرطان. الآن لو أردنا مواجهة هذا الشخص قانوناً فكيف يمكن القيام بذلك؟

هناك الكثير من الدعاوى للشكوى من اشخاص يستخدمون هذه الوسائل لادعاءهم أنهم يستطيعون معالجة الناس او تقديم خدمات روحانية للناس. لكن قبل أن ندخل بالموضوع فأود ان ألفت النظر لنقطة معينة حول قانون ممارسة الطب في العراق. وبالفقرة التي تتعلق بمن يحق له ممارسة الطب والتي تنص على: “كل شخص يمارس الطب أو أي نوع من فروعه أو يحاول ممارسة ذلك أو ينتحل أي تسميه أو لقب أو علامة  كانت تدل على انه مرخص له ممارسة الطب أو أي نوع أخر من فروعه من غير سابق تسجيل  أو ترخيص بموجب هذا القانون يعاقب بالحبس والغرامة”[1] يعني هذا النص الذي تحدث عن تجريم ومعاقبة الأشخاص الذين ينتحلون صفة الطبيب بعقوبة 5 سنوات فما دون او الغرامة التي هي مليون أو أقل من ذلك (حوالي 750 دولار بحسب سعر الصرف في صيف 2021).

هل يمكن أن يتهربوا وأن يقولوا أنهم لا ينتحلون صفة الطبيب؟

بالضبط، هنا تكمن الإشكالية، هذه القضية محددة جدا وهي تنحصر بمن ينتحلون صفة الطبيب. وهذا لا يعني أننا نستطيع شمل أشخاص يمارسون أعمال يقولون إنها غير طبية (روحاني مثلا او ديني) ويعترف الشخص بوضوح بانه ليس طبيباً وبالتالي فيمكن ان ينجو من المحاسبة. وكذلك هناك قانون مشابه حول الصيدلة. لكن لو اردنا ان يكون الموضوع واضح والمحاسبة مباشرة فيجب أن تجرى تعديلات على هذه القوانين لتشمل جميع من يقوم بمحاولة معالجة الناس. أي لدينا إشكالية تشريعية من الأساس، فالتشريع لا يلبي التسارع في القضايا الطبية. لكن القضاء العراقي بشكل عام وعندما يرى أن هناك من يتقاضى أموالاً مقابل تلك الخرافات فيتم الرجوع الى المادة 465 قانون العقوبات العراقي والمتعلقة بالنصب والاحتيال. والتي تنص على[2] “يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسليم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك بإحدى الوسائل التالية : أ-باستعمال طرق احتيالية” أي أن الموضوع يذهب الى اطار مادة عامة جداً تتعلق بافعال واسعة النطاق يمكن شمول الشعوذة والسحر ضمن نطاقها وهذا ما يتم العمل به حاليا في المحاكم باعتبار هؤلاء الأشخاص نصابين وتتم محاكمتهم. لكن هذا من الممكن أن يثير قضية أخرى وهي أن الدجالين يمكن ان لا يطلبوا اموالاً ويقولون نحن نقوم بهذا الفعل لوجه الله او دون طلب شيء وبهذه الحالة فلن يكون من الممكن ادانته لأنه لا يحاول الحصول على أموال. أي حتى هذه المادة الواسعة المتعلقة بالنصب والاحتيال لن تنطبق عليه.

 

الصورة تبدو ناصعة وجميلة من ناحية القوانين لكن هل يتم تطبيق هذه القوانين؟ لماذا نرى في شوارع بغداد مراكز قائمة على الخرافة، أي حتى ليس على الطب البديل؟

نعم الامر واضح هؤلاء يظهرون أنفسهم دون أي محاولة للتخفي او التورية في طبيعة عملهم في المعالجة بالطرق الخرافية والطرق غير العلمية. أحد التقارير من مجلس القضاء الأعلى[3] ذكر أن محاكم التحقيق في بغداد تستقبل عدد كبير من الدعاوى حول هذه القضايا بما يمكن القول إنه أصبح ظاهرة سواء في الاحياء الراقية او الفقيرة. كلها تواجه مشكلة وجود أشخاص يعالجون الناس بطرق شعبية او طرق خرافية ويسمون أنفسهم الروحانيين ولهم مكاتب وقد ذكر كل ذلك في التقرير الصادر عن مجلس القضاء. وهذا يدل على حاجتنا القانونية لتجريم هذا الفعل بشكل واضح في القانون اما حالياً فيتطلب الأمر اللجوء الى المادة 456 والتي ستتطلب اثبات وجود نصب واحتيال حتى تتم محاكمة الشخص.

هل تم هذا الشيء؟ هل تمت معاقبة اشخاص بأغلاق محلاتهم او حبسهم؟

لم يذكر هذا الشيء حول متابعة أشخاص معينين لكن التقرير تطرق لوجود شكاوى ولفتح إجراء معين تم على ضوءه تشكيل فريق عمل لمواجهة هذه القضية.

من وجهة نظركم كمحامي، لو اردت انا ان ارفع دعوى على مركز يمارس العلاج الروحاني وانا لم اذهب لهذا المركز بل فقط قرأت ما ذكره من أساليبه العلاجية، هل يمكن ان أقوم بذلك؟

يعني ستكون مخبراً. القانون يسمح لك بالإخبار عن وقوع جريمة وهذا حق ولا شيء يمنع ذلك. ويمكن اخبار الجهات الصحية ايضاً التي ستقوم بتفتيش هذا المكان. لكن تقدير وجود جريمة من عدمه فهذا يعود للمحكمة. صاحب المحل هذا والذي يدعي العلاج ستحاكمه المحكمة بحسب الأدلة المعروضة أمامها فإن وجدت ان هنالك دليل كافي فإنها ستدينه واما ان لم تجد دليل ضده فستفرج عنه.

هل هناك أمثلة؟

الأمثلة التي حدثت كتطبيقات في القضاء العراقي غالبا ما يكون لها جانب يتضمن اخذ أموال فيتم اعتبارها قضية نصب واحتيال او يتم وقوع جريمة أثناء مزاولة الفعل. احدى القضايا التي يمكن ان نذكرها تتعلق بالرقية الشرعية حيث صدر قرار عام 2013 والذي تكلم عن العلاج بالرقية الشرعية والذي أدى الى الوفاة وهو حول وفاة امرأة نتيجة لخضوعها لهذا العلاج الخرافي لاسيما بعد أن ضربها المعالج بآلة جارحة وقد أفضى ذلك الى وفاتها. بهذه الحالة لم يكن يقصد هذا الشخص قتلها، لكنه كان يريد القيام بمجموعة من الإجراءات التي يدعي بانها ستعالجها ومنها استخدام الة جارحة ، والقانون ينظر لذلك على أنه “ضرب مفضي الى الموت” وقد عوقب على جريمة الضرب المفضي الى الموت.

 

لكن هل يمكن ان تكون حالات أخرى تتم فيها مقاضاة دجال معين وإيقاف عمله نتيجة لذلك؟ مثلا مقاضاته من قبل نقابة الأطباء؟

شخصيا ليس لي اطلاع عن حالة كهذه وقد تكون موجودة.

 

ننتقل الى قضية العلم الزائف والذي يشمل الطب البديل مثل أساليب العلاج بالأعشاب او تقويم العظام او العلاج بالكهرباء كما كتبنا سابقا في العلوم الحقيقية او العلاج بالطاقة الذي يمكن اعتباره خرافة اكثر من اعتباره علما زائفاً، ما الحل تجاه هؤلاء؟ هل تتم مقاضاتهم بالطرق السابقة فقط؟

العلاج بالوخز او العلاج بالكهرباء قد يمكن التعامل مع هؤلاء على أنهم ليس لديهم إجازة تنظم مزاولتهم للعمل، وبذلك يمكن ان يتم تغريمهم، لكن ان تتم محاكمته امام القضاء فأرى ذلك موضوع بعيد الاحتمال.

ماذا عن تسلل العلوم الزائفة الى المؤسسة الرسمية؟ بلغني من صديق يعمل في وزارة الصحة ان كثير من المستشفيات ودوائر الصحة تنشر عن دورات لمزاولة العلاج بالوخز، ما الذي يمكننا فعله تجاه ذلك كأعلام علمي او كمواطنين عندما تتبنى المؤسسة الرسمية علاج زائف؟

عندما نواجه الجهات الرسمية نكون أمام شخص له سلطة رسمية وهو الموظف. أي كان من يريد الشكوى فعليه أن يقوم بالشكوى عند الجهات المرجعية الأعلى وسيجري التحقيق حول هذه العلاجات غير المعتمدة رسميا. لدينا إطار محدد بحيث لا يمكن التعامل مع علاجات غير مثبتة علمياً. يمكن ان تتم الشكوى وسيعاقب هؤلاء إداريا وقد يتطور الموضوع الى معاقبتهم من قبل القضاء ايضاً.

 

هل يمكن أن تكون الشكوى بطريقة اعتيادية ام تتم بإجراءات معقدة شبيهة بإجراءات الذهاب الى المحكمة؟

إجراءات المحكمة هي ذاتها لكن إجراءات الجهات الصحية يمكن عن تتم عن طريق الاتصال بهم وهناك ارقام هواتف مخصصة لاستقبال الشكاوى ويمكن تقديم الشكوى لها.

هل يميز القانون العراقي بين العلم الزائف والخرافة؟ هل يميز بين شخص مثلا يقوم بالعلاج بالرقية مقابل شخص يقوم بالعلاج بالأعشاب؟ هناك ضرر مختلف في الأساليب المختلفة هذه ويمكن أن تكون سبل متابعة بعض الوسائل ممكنة بشكل أكبر

في إطار العلاج والقضايا الطبية القانون لا يتدخل لأنها متغيرة وتتعلق بالباحثين أكثر مما تتعلق بالقانون. هناك إجراءات في كل مستشفى وفي كل مركز صحي بحسب ما تم تدريسه في كلية الطب واي تجاوز لهذه البروتوكولات يعطي الحق بالشكوى ضد من يخرقها. أي نتيجة تتم بناءً على علاج غير مرخص او غير معتمد من قبل المستشفى يمكن أن تعتبر جريمة لو أدت لحدوث ضرر.

ماذا عن الادوية التي لا تعمل او التي تم ابطال عملها من قبل هيئات ورقابية. هل لدينا نظير لوكالة الدواء والغذاء الامريكية مثلا؟

في وزارة الصحة هناك جهات تختص برفض او قبول الادوية لكن ليس بالسرعة التي لدى المؤسسات الكبرى كوكالة الدواء والغذاء الامريكية.

لو تم إيقاف العمل بدواء معين في مكان اخر في العالم لكن المؤسسة العراقية تتأخر في إيقاف العمل به، هل تعرفون حالة كهذه؟ ولو حدثت فهل يمكن مقاضاة وزارة الصحة لعدم ابطالها العمل بهذا الدواء؟

ما يحصل عندنا هو غالبا ما يتعلق بوفاة شخص نتيجة دواء معين او تعرضه لضرر، لكن ان يتم تلقي العلاج بعد أن تم إيقاف التعامل به فإن من ستتم مسائلته سيستشهد بالتعليمات السابقة محاولا اخلاء مسؤوليته. ومن سيشتكي هنا سيقدم الأبحاث الجديدة ويحتج بأن الأطباء والجهات الرسمية عليها أن تطلع على الأدلة والأبحاث الجديدة والمدة التي مضت. إذا ما كان هناك تأخير وصل الى سنوات فإن شكوى كهذه قد تؤدي الى معاقبة الجهة التي لم تأخذ بالأبحاث الجديدة. لكن لو كانت الفترة للاستجابة قصيرة (أيام او أشهر) فقد لا تتم معاقبة الجهة.

 

ماذا عن العلوم الزائفة والخرافات غير العلاجية مثل العرافة وأدوات جلب الرزق وجلب الحظ؟ افترض أن جميع هذه تندرج تحت النصب والاحتيال وان الشخص يحتاج فقط الى اثبات دفعه المال لتتم ادانة الشخص بالنصب والاحتيال.

ربما علينا ان نوسع كلامنا هنا خارج العراق فالقانون العراقي لم يتطرق على الاطلاق على هذه القضايا كالعرافة وجلب الحظ والرزق والنصيب. نعم عندما يكون هناك دفع مال فسيذهب الامر الى اتجاه اخر. لكن في الامارات مثلاً فقد نصت المادة 316 مكرر (1) بالتحديد “يعاقب بالحبس او الغرامة التي لا تقل عن 50 الف درهم كل من ارتكب عملا من اعمال السحر او الشعوذة سواء كان حقيقة او خداع بمقابل او دون مقابل”[4] ويتطرق القانون لتفاصيل حول ماهية السحر والشعوذة والوسائل المستخدمة بالتفصيل. النقطة الرئيسية التي نركز عليها هي “أعمال السحر والشعوذة” حينما ذكرت هذه الكلمة وذكر معها حقيقة او خداع وبمقابل ودون مقابل فإن ذلك سيعطي مجال كبير جدا لتجريم هذا الفعل. الامارات بذلك تكون أكثر تطوراً من العراق في هذا المجال. في مملكة البحرين أيضاً جرم هذا الفعل في القانون 24 للعام 2010، المشرع السوري أيضا جرم السحر والشعوذة بالمادة 754 من قانون العقوبات. وأيضاً المشرع اللبناني جرم هذا الفعل وكذلك الأردني وأخيراً العماني والذي جرم الشعوذة لكن بصيغة أخرى. هذه القوانين وهذه التشريعات تعاملت مع هذه الإشكالية فمن الغريب أن نجد أن القانون العراقي لم يجد لها نص ثابت بحيث لا يكون هناك اجتهادات كثيرة ولكي تكون هناك مواجهة حقيقية خصوصا وان الموضوع منتشر الى حد كبير في العراق بدءاً من صفحات التواصل الاجتماعي وانتهاءً بالقنوات الفضائية.

في هذه الدقائق القليلة ومن خلال هذا البودكاست قد نكون تطرقنا الى النص القانوني الموجود لمواجهة هذه الأفعال لكن بالتأكيد سيكون من الأفضل ان يكون هناك نص قانوني محدد يذكرها بالأسم ويحددها كما هي ويحدد كافة الأفعال المندرجة تحتها.

ذكرت بالقانون الاماراتي “ان كان حقيقة او خداعا” يذكرني هذا بالقانون السعودي والذي يعدم السحرة اعترافا منهم بالسحر. هذا يعزز من السحر من جانب بقدر ما يوقف السحرة والدجالين ويمنع السحر ليس من باب أنه دجل والاحتيال بل من باب أنه شيء خطير وقانون الامارات يوحي بأنه يمنع السحر لأنه يعترف بتأثيره.

نعم القانون الاماراتي يذكر حقيقة او خداعا أي انه يعترف بوجوده.

معظم نقاشنا قائم على دور القانون في ردع الدجالين والخرافة والعلم الزائف، لكن من وجهة نظركم، هل يعتمد الموضوع على سلطة الدولة؟ هل يمكن للدولة أن تقف بوجه هذا الأمر؟ بصراحة انا شاهدت مراكز للدجل في بريطانيا وفي المانيا، مراكز لأساليب علاجية زائفة ولقراءة الكف ولا ادري كيف لا يتم ايقافهم لكن هل هي مسؤولية الدولة؟ هل يمكن للأساليب القانونية ان تكون مجدية؟

أحد المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي إن الأصل هو الاباحة ما لم يتم تجريم الفعل قانونا، لكن عندما نتحدث عن أساليب العلاج القائم على الدجل فعندما تتدخل الدولة بالأمر فإن هذا الموضوع سيؤدي الى تحجيم دور هذه الأفعال لكنه لن يقضي عليها. القانون حلقة ضعيفة في مواجهة أي فعل في المجتمع. هناك أسباب اجتماعية أخرى كثيرة قد تكون بالاقتصاد او التربية او بوسائل الاعلام لها الدور الأكبر. القانون يواجه الأمر لكنه حلقة ضعيفة ولا يرقى الى تغيير العادة في المجتمع. والدليل على كلامي أنه كثيراً ما يذكر في الاعلام أن المسؤولين في البلاد العربية يراجعون أساليب الدجل هذه لنيلهم المزيد من الأصوات في الانتخابات وغير ذلك. فالسلطة نفسها تؤمن بهذه الأساليب وان لم تؤمن بها فقد لا ترغب بمواجهتها. القضية مركبة جداً ولا اعتقد انها تعتمد على عامل واحد. لكن ما نريد ان نؤكد عليه هو عدم وجود جدية بمواجهتها ولو كان هناك جدية فسنجد ذلك في التعليم والاعلام والبرامج التثقيفية المدعومة وإتاحة باب الشكوى للناس. التشريع والتجريم هو أحد العناصر في مواجهة الخرافة والعلم الزائف لكنه ليس جميعها.

 

نعم اذكر أن حكومة إقليم كردستان قامت باعتقال احد الدجالين ثم عاد هذا الشخص ليمارس نشاطه من جديد تحت عباءة أخرى. لكن هل تعتقد ان نفس الأسباب تعمل في الدول الاوربية وهذا هو سبب وجود مراكز الدجل فيها؟

اعتقد ان هذه المراكز ستبقى موجودة دائما استنادا الى طبيعة الانسان وكونه يخاف المجهول ويميل الى الغيبيات والجانب الروحاني الذي يوفر له أجوبة سهلة ومرضية من اعرافه وما نشأ عليه. قد يكون في ذلك جانب نفسي أكثر من الجانب العقلاني وهو السبب في بقاءها.

هل لديكم ملف آخر او إضافة أخرى؟

أحب ان اشير الى نقطة معينة وهي أن القانون الجنائي عموما والعراقي تحديداً، وقد يكون هذا غائبا عن الكثيرين. ان القانون لا يتعامل مع القضايا الغيبية والقضايا التي تكون غير قابلة للفحص والاختبار. ومن ذلك ما يدعى بالجريمة الوهمية، فلو قام أحد السحرة او الدجالين بمحاولة قتل شخص بوسيلة كالفودو (طعن او قتل دمية بنية جعل شخص آخر يتأثر ويموت) فإن القانون لم يجرم هذا الفعل ولم يعاقب عليه لأن هذا الفعل وهمي ولا يتضمن مساساً بالشخص المراد الاضرار به. وبعبارة اخرى فان التفاصيل المتعلقة بالغيبيات لا تحضر بالقانون ولا يمكن أن يصدر من المحكمة حكم بالاستناد اليها.

 

المصادر:

[1]  قانون ممارسة مهنة الطب رقم 503 لسنة 1925 في الفقرة (1) من المادة (11)

[2] قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969

[3]  مجلس القضاء الأعلى العراقي، “السحر والشعوذة يلقى رواجا في العاصمة .. ودجالون يبتزون النساء الكترونيا”

[4] موقع 24، “السحر جريمة قانونية في الإمارات وهذه عقوبة من يلجأ للمشعوذين”