تخصص موقع العلوم الحقيقية عادةَ بدحض وتنفيد وفضح العلوم الزائفة بكافة أنواعها، لكن هذه المرة الأمر مختلف، فهذه المرة نحن ندافع عن شئ تُطلق عليه تسمية العلوم الزائفة وهو أساس لكثير من العلوم في الحقيقة.

العلوم الزائفة البرجوازية هي التسمية التي أطلقها السوفييت على التخصصات الممنوعة في الإتحاد السوفيتي، مثل نظرية التطور، والجينات وبعض الفرضيات الفسلجية الجديدة في علم الأعصاب ضمن ما أشرنا له في مقالنا حول المحاكمات البافلوفية (اكتوبر 2017) وغيرها من التخصصات.

كلمة برجوازي ترمز لأصحاب رأس المال والحرف وتعد رمزاً للسوء والشر في الفكر الماركسي، أما مصطلح العلم الزائف فهو يرمز كما نعلم إلى تلك التخصصات التي تلبس ثوب العلم وتتخذ صفاته دون أن تمتلك جوهره وصفاته المتكاملة كالتنجيم وعلم الطاقة والطب البديل.

القائمة التالية من التخصصات كانت ممنوعة لفترة طويلة في الإتحاد السوفيتي وبالأخص فترة حكم جوزيف ستالين وما يليها:

  • الجينات (1933 – 1968)[1]
  • دراسة المنعكسات في علم الأعصاب (1950 – 1965)
  • الدراسات الاجتماعية وعلم الإجتماع (تقييد وتسييس شامل للدراسة بشكل عام طيلة الحكم السوفيتي).
  • نظرية التطور (تم انكارها في مؤتمر “علمي” عام 1948 – 1965)
  • السبرانية أو السيبرنيطيقا (ضمن منع الدراسات الفسلجية في المحاكمات البافلوفية)

سنتناول معظم تفاصيل المنع في مقالات منفصلة وفضلاً عن المجالات المذكورة فهناك مجالات أخرى تم منعها على أساس حجج وأسباب أخرى مثل ميكانيكا الكم، علم الطفولة (Pedalogy)، اللغويات، فضلاً عن القيود على الإحصاء والتاريخ ومجالات معرفية أخرى.

قد نتسائل اليوم، لماذا ما زالت روسيا ودول الإتحاد السوفيتي في مكانة متدنية في العلم؟  لا نستطيع أن نقارن الأمر بالولايات المتحدة لكن روسيا مثلاً تقع اليوم خلف اسبانيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وطائفة من الدول الأخرى[2]. هل يتناسب الأمر مع دولة كانت تمثل مركزاً لقطب عالمي لمدة تزيد على الـ 70 عاماً؟ بالتأكيد لا، ولا يُعزى الأمر للقيود المفروضة على العلم في الإتحاد السوفيتي فحسب لكن تلك السنوات المظلمة التي خيمت على البحث العلمي لها دور في تأخير مسيرة البحث إلى حد كبير وما نعيشه اليوم يقع ضمن التبعات لتلك السنوات.

إذا نظرنا للطبيعة الثورية للأنظمة فإن ما حدث في الإتحاد السوفيتي من تسيسس وخنق للعلوم لم يكن الأول من نوعه، فالثورة الفرنسية أودت بحياة العديد من العلماء إعداماً أو نتيجة الوفاة إثر ظروف السجن، وتحت شعار مشابه جداً حيث ألصق العلم بالأرستقراطية وسميت مجالات عديدة من العلوم بالعلوم الأرستقراطية وكانت تلك الفترة فترة عصيبة على العلماء أيضاً وقد شهدت الثورة الفرنسية إغلاق الأكاديمية الملكية للعلوم (Académie Royale des Sciences)[3]. وهنا أمام الأنظمة الثورية قد نجد في أحيان كثيرة أن إستقلالية العلماء النابعة من روح العلم البعيدة عن الأهواء الأيديولوجية ستجعلهم دائماً في مطلع الجهات التي ستتعرض للقمع.

لكن هل يرتبط العلم بطبقة إجتماعية برجوازية أو أرستقراطية حتى يكون لهذه الهجمات أي أساس؟ ولو وجد هذا الأساس في العلاقة بين البرجوازية و/أو الارستقراطية والعلم فهل هو مبرر وصحيح؟ هل يرتبط العلماء بفئة معينة؟ بطبيعة الحال يحتاج العلم إلى أموال ودعم لتغطية ما يحتاجه العلماء لتجاربهم ولحياتهم التي سيخصصونها للبحث. وهذه الأموال لابد أن تأتي من ممول داعم، وما لم يكن للعلم رصيد كبير في المجتمع فإنه لن يكون بإستطاعته أن يُمول نفسه من خلال جعل الجامعات رافداً للخبرات العملية والصناعية ومجالات الطب والهندسة والأعمال. لنأخذ نظرة على بعض الأمثلة من أعظم المكتشفين والشخصيات البارزة في تاريخ العلم.

نناقش هذا الأمر في مقالنا القادم حول الدعم الحكومي والقطاع الخاص في العلم.

[1]When genetics was considered a bourgeois pseudoscience”, phoneia, viewed at 1st November 2017

[2] Scimagojr, country rank

[3]The French Revolution and the Crisis of Science.” Science and Its Times: Understanding the Social Significance of Scientific Discovery. .Encyclopedia.com. 31 Oct. 2017