أعلن محمد أوز في أيار الماضي عن ترشحه لمجلس الشيوخ الأميركي[1] عن الحزب الجمهوري بولاية بنسلفانيا في الانتخابات القائمة في تشرين الثاني من هذا العام، فمن هو محمد أوز؟ وما علاقته بالعلوم الزائفة؟

من هو د. أوز؟

ولد محمد أوز في كليفلاند عام 1960 لأبوين من المهاجرين الأتراك، وكان أباه رئيس جراحي الصدر في المركز الصحي بديلاور، حصل محمد أوز على شهادة البكالوريوس في البيولوجيا من هارفارد عام 1982 ثم في 1986 حصل على درجة الماجستير من كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، بدأ حياته المهنية كطبيب مقيم في مستشفى الكنيسة المشيخية بنيويورك، بدأ يتردد اسمه نتيجة توترات مع إدارة المستشفى نتيجة لاستخدامه إحدى الطرق الزائفة والتي تُسمى بـ “اللمسة العلاجية” [إحدى طرق العلاج بالطاقة والتي يدّعي ممارسوها أنها تشفي من القلق وتعزز الشفاء وتقلل الألم]، بدأت شهرته الإعلامية عندما أجرى عملية زرع قلب ناجحة عام 1996 لفرانك توري شقيق مدير فريق البيسبول جو توري والذي لم يحبذ هذا الاهتمام الإعلامي على عكس أوز الذي كان فرحاً بهذه الشعبية رغم مطالبة جو له بأن يوقف هذا “السيرك الاستعراضي”، في عام 2001 أضحى الدكتور أوز أستاذاً في كلية الجراحين والأطباء بجامعة كولومبيا، وهو منصب احتفظ به أوز حتى عام 2022 . وفي عام 2003 بدأ برنامجه التلفزيوني “الرأي الثاني” لكن اسمه لم يتألق حتى استضافته أوبرا وينفري [اقرأ عن اوبرا وينفري ودعايتها للعلوم الزائفة] في برنامجها لمدة 5 مواسم كخبير طبي دائم يظهر في ليالي الثلاثاء، وفي عام 2009 ساعدته أوبرا وينفري على إطلاق برنامجه الخاص الذي يحمل اسمه “د.أوز”. في عام 2015 طالب جمعٌ من الأطباء رئاسة جامعة كولومبيا، إزاحة أوز من عمادة كلية الجراحين والأطباء لإدعائهم بأنه يزدري العلم والطب المبني على الدليل العلمي، دافعت رئاسة الجامعة عن أوز وأبطلت المطالبات بإقالته، وقال أوز أن جهوده في برنامجه التلفزيوني تصب في جعل الناس أفضل، أوز الآن يحمل لقب “الأستاذ الفخري” ولا يستقبل أي مرضى[2].

ما خطب الدكتور أوز؟

من السيرة الذاتية التي سردتها آنفاً، نحن أمام رجل يفهم جيداً النهج العلمي وأهمية الأسس العلمية للأبحاث السريرية إلا أنه من أشرس المروجين والمدافعين عمّا يسمى بالطب البديل، في عام 2011 روّج أوز في برنامجه للمعالجة المثليّة [هو نظام علاجي وشكل من أشكال الطب البديل يستند إلى المبادئ التي صاغها صامويل هانيمان عام 1796. ويعتمد هذا العلاج على قانون أبقراط في الطب، والذي يقول المثل يعالج المثل.] حيث أدعى أوز أن العلاج المثلي يساعد في إزاحة الألم دون الحاجة إلى وصفة طبية، ثم أسهب ضيفه روس غرينفيلد بشرح كيفية ممارسة العلاج المثلي، حتى في التراكيز المخففة جداً إلى أن تختفي جميع ذرات العلاج يقول روس: ” إن جوهر العلاج؛ أو لنقل روح العلاج؛ قد تشربت في الجسد وتُرسل رسائل إليه ليعالج نفسه بنفسه”. في نفس العرض التلفزيوني صرّح أوز أن افراداً من أسرته مارسوا العلاج المثلي. في مارس 2012 استضاف أوز وسيطة روحانية إدعت مقدرتها على مخاطبة الأموات؛ في حلقة بعنوان الوساطة الروحانية ضد الطب؛ وبالحقيقة فإن أوز كرّس عِدة حلقات من برنامجه للترويج للوسطاء الروحانيين، أو من يدّعون المقدرة على مخاطبة الأرواح، وأوضح واصفاً قراءته لمؤلفات الوسيط الروحاني الشهير ديفيد إدواردز: ” دعوني أخبركم، لقد غيّرت هذه الكتب حياتي، ولقد تعلمت خلال حياتي المهنية، إنه في بعض الأوقات لا يستطيع العلم المواصلة مع بعض الأشياء؛ وهذه إحداها”. وخلال حلقة أخرى استضاف أوز الدكتور مشرّف علي، المعالج العجيب الذي عالج الممثل سيلفستر ستالون والأمير تشارلز، بإستخدامه لـ”علم القزحية iridology” [إحدى ممارسات الطب البديل حيث يتم تشخيص الأمراض عن طريق النظر إلى قزحية العين]، وتبعاً لمعتقده الغريب والمفضوح والذي يتلخص بـ : أن كل جزء من القزحية يتناغم مع جزء معين من الجسد، وبذلك فإن الحالة الصحية للإنسان يمكن تشخيصها بفحص مناطق محددة من القزحية، بعد أن شرح مشرف علي طريقته بالتشخيص، كانت تبدو علامات الدهشة والإعجاب على وجه أوز قائلاً:” أود أن أحيي الدكتور مشرف علي؛ لأن هذه الوسائل القديمة، كانت موجودة على مر العصور، ومن أكون أنا حتى أرفضها”.

من تكون أنت يا دكتور أوز؟ دعني أخبرك:

أنت عالم وطبيب سريري مدرّب، قادر على قراءة المقالات العلمية بعين متفحصة وناقدة، وممن لديهم القدرة على تمييز العلاج الكاذب من الصحيح، والقدرة على فضح العِرافة التي ينطق بها الدجالين، وهذه المقدرة لا يمتلكها جمهورك للأسف[3].

أسخف خمسة معتقدات طبية للدكتور أوز

ترتقي رتبة د. أوز ليكون أشهر طبيب ممارس في الولايات المتحدة وربما في العالم، ومن أكثر المشاهير تأثيراً، بالإضافة إلى ذلك فهو إنجيلي متحمس. رغم ذلك؛ لا يحتاج كاتب هذه السطور إلى درجة علمية عالية لملاحظة سخافة أفعاله، وهذه أبرزها:

  1. التواصل مع الأموات:

استضاف د.أوز الوسيطة الروحانية الشهيرة شار مارجلوس في برنامجه عدة مرات، وكانت في كل مرة تمارس القراءة الروحانية على الجمهور، هنا يحاول د.أوز أن يربط بين هذه الممارسة الزائفة مع الطب العام، متذرعاً بأن التواصل مع الأحباء المتوفين له فائدة صحية، لأن ذلك سوف يعزز من السلام الداخلي للمرء عن طريق خفض التوتر، مُظهراً صور مقطعية للدماغ تثبت –حسب زعمه- تأثير القراءة الروحانية.

 

  1. معرفة حركة أمعائك تمنحك حياة مثالية:

سأقول وبكل أريحية، أنه لم يسبق أن كرس أي مقدم برامج مباشرة كل هذا الجهد والوقت للحديث حول الأمور المتعلقة بالغائط مثل الدكتور أوز، فهو يعتقد أن من لا يتفحص برازه كل يوم سيفتقد أدلة مهمة حول الغذاء المناسب له وحالته الصحية العامة. أتريد أن تعرف كيف يجب أن يبدو غائطك؟ عليك بمتابعة برنامجه، لكن تذكر .. لا تقلق إذا لم تستطع قياس فضلاتك، فإن القلق قاتل.

  1. الحصول على 200 نشوة جنسية في السنة سوف يطيل حياتك 6 سنوات إضافية:

هذه إحدى سقطاته الأشد سخفاً، لا شك من وجود علاقة بين النشاط الجنسي والصحة العامة، لكن العلاقة الجنسية بين شخصين ليست كقالب ثابت كما يحاول أن يصورها د.أوز في وصفته ذات الـ 200 نشوة جنسية سنوية، وعلى أي حال من يريد أن يعيش 6 سنوات إضافية يقضيها محدقاً في المرحاض؟

  1. العلاج المثلي:

لم يُفتضح شكل من أشكال الطب البديل مثلما أفتضح العلاج المثلي، فهو عبارة عن تخفيف مواد بالماء لدرجة أنك لا تستطيع قياس تراكيز تلك المواد لشدة ضآلتها، وقد صرح د.أوز أن زوجته تستخدم هذه الطريقة على أطفالهما، لن تستطيع إيجاد وسيلة ترويج أروع من هذه.

  1. جراحة نقل الأعضاء ستكون أفضل مع “الطاقة”:

قد يبدو لك أن هذه مجرد ضجة إعلامية يثيرها د. أوز لعمل برنامج تلفزيوني مثير للانتباه، إلا أنه حقاً يؤمن بخزعبلات كهذه، عندما ارتدى د. أوز زي الجراحين في مستشفى نيويورك المشيخية لإجراء عملية نقل القلب الشهيرة، كان قد وظف خبيرة في فن الريكي [وهو فن علاجي زائف ياباني الأصل، حيث يقوم الممارس بوضع اليد على المريض لجلب الطاقة غير المرئية]، كان اسم تلك الخبيرة هو جولي موتيز، وكانت تقف في صالة العمليات لجلب الطاقة المعطاء- للحياة، بتحصيل طاقة جسم المريض نفسه لمساعدته على النجاة من عمليات خطرة كعملية زراعة القلب[4].

كيف يرى أطباء الواقع د.أوز ؟

   عند تفحص النصائح التي يبثها د.أوز في برنامجه، نرى أن أقل من ثلثها مدعوم بأدلة طبية متواضعة؛ إن كنت من المتابعين النهمين للدكتور أوز وتجد أن هذه النسبة مقلقة فإليك هذه، إن 4 من 10 من نصائحه المؤكدة تفتقر لأي دليل علمي.

وجد باحثون قاموا بفحص شامل للحقائق التي يبثها د.أوز في برنامجه وكذلك التي جرت على لسان ضيوفه، أن 11% من تلك الحقائق ترتبط بدراسات وأبحاث فعلية، في دراسة نشرها ناقدون في المجلة الطبية البريطانية، صرح الباحثون أن برنامج د.أوز عبارة عن ساعة للترويج عن منتجات فقدان الوزن، مثل مستخلص القهوة الخضراء، وأن متحدث باسم لجنة الاستجواب اتهمه ببيع زيت الأفعى، كما عقدت لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأميركي للتحقيق معه لقوله لمتابعيه مثل:” لدي المعجزة رقم 1 لحرق دهونكم في قارورة، إنها كيتونات التوت البري”. مع العلم أن متابعيه يبلغ عددهم في الأيام العادية قرابة 3 مليون متابع.

قالت السيناتور كلير ماك كاسكيل مستجوبةً د.أوز :”لماذا تقول أشياء كهذه، وأنت تعرف حق المعرفة أنها غير صحيحة على الإطلاق”.

واجتمع أطباء وباحثون وصيادلة من كندا لمناقشة برامج مثل (برنامج د.أوز وبرنامج “الأطباء THE DOCTORS” وهو برنامج آخر على نهج د.أوز بـ2.3 مليون متابع يومياً)، وضع هذا الفريق افتراضاً؛ بعد مشاهدة حلقتين من كل برنامج؛ بأن النصف فقط من الادعاءات التي تذاع في البرنامجين يستند إلى ادلة علمية صحيحة، ثم شاهد الفريق 40 حلقة من كل برنامج تم اختيارها عشوائياً غطت الحلقات التي أذيعت في أول 5 أشهر من عام 2013، ووجدوا أن: 32% من التوصيات من برنامج الدكتور أوز سواء من قِبل المضيف أو ضيوفه تقع تحت “النصائح الطبية العامة”، و 25% منها يتعلق بالغذاء، مثلاً (الأغذية التي تعزز جهاز المناعة)، و 18% تتعلق بفقدان الوزن. ثم بحث الفريق في ارتباط الادعاءات والنصائح في برنامج د.أوز بالأدلة العلمية ووجدوا أنه “يستخدم مصطلحات فضفاضة مدعومة نسبياً بالأدلة العلمية” وأن 21% من توصيات البرنامج يمكن للباحثين اعتبارها مدعومة علمياً بأدلة “مصدقة” و 11% “مصدقة نوعاً ما”[5].

د.أوز لا ينبغي أن يكون سيناتوراً ولا حتى طبيباً:

على مر تاريخه الإعلامي روج د.أوز للعلاجات البديلة غير المثبتة علمياً مثل العلاج المثلي، وقام بالتضليل فيما يتعلق بالصحة والتداوي، والترويج للبرامج الغذائية المختلقة، والديتوكس (التخلص من السموم)، مثل هذه الممارسات تكون ضارة بشكل بالغ مثل ترويجه لعقار الهيدروكسي كلوروكوين كعلاج ضد كوفيد والذي تم دحض هذا الادعاء بقوة.

بنى الدكتور أوز شعبية هائلة متكسباً من نصائحه الخالية من الأدلة، لكن هل من المفاجئ أن نراه يترشح لمجلس الشيوخ الأميركي عن بنسلفانيا؟ كلا، فيبدو أن المشاهير الذين يبثون الضلالات هم المفضلين لدى الحزب الجمهوري، وهذه الخطوة –الترشيح- مفيدة لكلا الطرفين، د.أوز والحزب.

تكمن خطورة وصول د.أوز إلى السلطة التشريعية، بجلبه للعلم الزائف إلى موضع صنع التشريعات مما قد يؤثر في حياة الناس وصحتهم.

قبل الوباء سمعت الناس يتناقشون حول مساق رائج (ترند) شهير انتشر عام

2017 يدعى (عافية وو woo wellness) حيث يروج للتأمل والطاقة والعلاجات الطبيعية، غالباً ما كانت تجري على لسان مشاهير مثل غوينيث بارتلو و توم برادي و أوز، والتي كنت أرى أنها مجرد ضجة غير مؤذية، فإذا كان الناس يريدون أن يضيعوا أموالهم في شراء بيوض المهبل السخيفة أو البرامج الغذائية المزيفة، أو علاجات الطب البديل غير المثبتة، فهم أحرار، لطالما كان هناك من المشترين الحكماء فسيكون بعضهم الاخر حمقى، لكننا الآن نفهم أكثر من أي وقت مضى أن الثقافة الشعبية لها تأثير كبير على المعتقدات والممارسات الصحية، مثلاً: ما هي الدرجة العلمية التي تجعل من شخص مثل جيني مكارثي التي بثت الروح في الادعاء الزائف الذي يربط التوحد باللقاحات؟ ومشاهير مثل مذيع يسمى جو روغان، ولاعب كرة قدم ارون رودريغز الذين تسببا بفوضى اثناء انتشار وباء كوفيد-19، نتيجة قيامهما بتهويل ادعاءات غير مثبتة، لذلك فإن رأي المشاهير في شؤون الصحة أمر مهم لأنهم يمتلكون الابواق الإعلامية الضخمة التي بإمكانها نشر الزيف والضلال الذي يؤمنون به، أجرى معهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة اوكسفورد مسحاً على مئات المعلومات المضللة المتعلقة بكوفيد-19 ووجد أن 20% من هذه المعلومات يرجع مصدرها لفرد، سياسي أو عامل في مجال الترفيه، وأن نسبة 69% من هذه المعلومات تتسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق اشخاص عاديين يشاركونها من المصدر الذي يمثل مرجعاً موثوقاً بالنسبة لهم على الرغم أن الحقيقة عكس ذلك. ولمحاربة نشر الضلالات يجب العمل على جبهات متعددة، تتضمن تمكين أشخاص ذوو عقليات نقدية ويمتلكون مهارات إعلامية، وكذلك بنشر المحتوى العلمي الموثّق، ومطالبة منصات التواصل الاجتماعي بنشر المحتوى الموثوق فقط، وكذلك يتطلب الأمر إيقاف خبراء الصحة، وتحديداً الأطباء بمنعهم عن التفوه بالهراء الخالي من الدليل.

بالرغم من مجابهته بكم هائل من النقد واستدعاءه عام 2014 للمثول أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ واتهامه بنشر العلم الزائف المؤذي والنصائح الصحية غير المثبتة، إلا أن رخصته كطبيب لازالت سارية، كما ارتباطه بكلية الطب في جامعة كولومبيا. إنه لأمر مربك أن يكون د. أوز مستمراً بصلته مع الجامعة واستمراره بإمتلاك رخصة ممارسة كطبيب، بعد أن قام بنشر العديد من المعلومات الخاطئة والضارة، فكيف لم تسحب منه الرخصة؟

عام 2017 نشر مجموعة من الأكاديميين مقالاً يسأل نفس السؤال، في إشارة للدكتور أوز :” هل يُسمح للطبيب أن يقول أي شيء يؤدي إلى توجيه الأفراد إلى شراء حصص سوقية مهما كان ما يقوله خاطئاً ومحتمل أن يكون مؤذياً؟ الجواب سيكون دائماً بالنسبة لي هو “لا”[6].

المصادر

[1] HOLLY OTTERBEIN and ZACH MONTELLARO , “Dr. Oz jumps the gun, declares himself ‘presumptive’ GOP Senate nominee”, politico.com

[2] Dr Oz, Wikipedia

[3] Steven J. Dell,What’s Wrong With Dr. Oz?, Mo Med. 2015 Sep-Oct

[4]Jeff Bercovici,   Dr. Oz’s Five Wackiest Medical, Forbes, Jan 28, 2013

[5]  KAREN KAPLAN,  Real-world doctors fact-check Dr. Oz, and the results aren’t pretty, latimes.com, DEC. 19, 2014

[6]  Timothy Caulfield,Dr. Oz Shouldn’t Be a Senator—or a Doctor, scientificamerican.com,December 15, 2021

راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 50  شهري يوليو-اغسطس 2022