مثلما نتناول في مقالات عديدة الدراسة العلمية للتاريخ عبر الجينات وغيرها فإن غراهام هانكوك جدير بالذكر في موقعنا كشخص يقع على النقيض من هذا الاتجاه، حيث يعد رائداً في إيجاد توليفات العلم الزائف للتاريخ. يُعرف هانكوك بزعمه عن حضارات بائدة في العصر الجليدي تركت آثار تقدمها على الصيادين الجامعين في الأرض وامتدت تلك الآثار لاحقاً لتؤسس للحضارة الحديثة في بلاد الرافدين ومصر ووادي الهندوس وغيرها.
ولد هانكوك في ادنبره ودرس علم الاجتماع في جامعة درهام، ثم عمل صحفياً وكتب في مجالات عامة مثل التنمية الدولية حتى نهاية الثمانينات، ثم بدأ بالانخراط بشكل غريب بحقل ما قبل التاريخ بكتب مثل بصمات أصابع الآلهة (Fingerprints of the Gods)، حتى صار رائداً فيما يعرف بعلم الآثار الزائف (Pseudohistory). لا ينشر غراهام هانكوك أعماله أكاديمياً ولا تخضع لأي مراجعة أقران.
في كتابه العلامة والختم يخوض غراهام هانكوك في تفاصيل كثيرة واهية عن موقع تابوت العهد ووجوده الحالي في أثيوبيا. وتابوت العهد هو التابوت الذي حفظت فيه الألواح اليهودية المعروفة بألواح العهد ويوجد وصفه في العهد القديم لكنه ليس موجوداً في عصرنا الحالي.
أما في بصمات أصابع الآلهة فيشرح غراهام هانكوك بما يشبه الخيال العلمي عن حضارات العصر الجليدي. ويشبه طرح غراهام هانكوك الفكرة الأخرى المطروحة من قبل ايغناتيوس دونلي (Ignatius Donnelly) عن اطلنطس المدينة الضائعة. يقترح هانكوك أن بحدود 10 الاف سنة قبل الميلاد نشأت حضارة في القطب الجنوبي – والذي يفترض هانكوك أنه كان أدنى من موضعه الحالي. ويستند إلى فكرة علمية زائفة حول انزياح القطب أو تحول القطب الكارثي (cataclysmic pole shift hypothesis) (للمصادفة نرى أن العلوم الزائفة تعود لنفس الأفكار، تحدثنا في العلوم الحقيقية عن الخراف التي تدور وكيف عزى الناس ذلك لارتحال الأقطاب). وكما هو معروف علمياً فإن التحول في الأقطاب لا يحدث بهذا الشكل ولا يحدث إلا على نطاق من ملايين السنين كما لم يسجل شيء كهذا للمئة ألف سنة الماضية لاسيما اذا كان المقصود هو انعكاس مغناطيسية الأرض (Geomagnetic reversal) المختلف تماماً عن فرضية ارتحال أو تحول الأقطاب.
تمت خيالات هانكوك وشروحاته غير المستندة لأي دليل لتغطي نظرية المؤامرة أيضاً في كتابه الطلسم: المدن المقدسة، العقيدة السرية حيث يربط بين برجي مبنى التجارة ومعبد سليمان، نجمة داوود والبنتاغون وغيرها. ولا يدخر هانكوك جهداً في التعريج على المزاعم بخصوص وجود شيء خارق في بناء الأهرام وكذلك وجود حسابات دقيقة جداً والتي ثبت في بعضها أنها ليست دقيقة رغم محاولة صانعيها أن يضبطونها بدقة. من الأمثلة على ذلك التقاطع بين الأهرام الثلاث الكبرى مع حزام الجبار (Orion belt) والتي فندت حين تفحص رواد الفضاء هذه الفرضية.
قبل الختام نذكر أن الصلة بين العلم وما يطرحه هانكوك يكمن في تعارض ما يطرحه مع الأدلة القادمة من علم الجينات ومن كافة الدراسات حول أدوات البشر وأحافيرهم ورفاتهم ودراسة المناخ على الرغم من أن طرح هانكوك بالدرجة الأساس لا يبدو طرحاً علمياً بل هو توجه تاريخي، غير أنه يضع قدمه في المكان الخطأ لتخصصات علمية عديدة مما يجعله رائداً في العلم الزائف وليس في التاريخ الزائف فحسب.
لهانكوك حضور إعلامي كثيف وهناك الكثير من الناس ممن يجدون الاثارة في أفكاره لاسيما حول وجود حضارات متقدمة في العصر الجليدي. تلك الأفكار كان من الممكن أن تجد محلاً لها في القصص والخيال العلمي لا أن تباع على أنها حقائق دون أدلة.
نشر هذا المقال ضمن مجلة العلوم الحقيقية العدد 56 وراجعته لغوياً ريام عيسى