ولد السير روجر بينروز في مدينة كولجستر في المملكة المتحدة عام 1931 ودرس الرياضيات في كلية لندن الجامعة والدكتوراه في الهندسة وعلم الفلك من جامعة كامبرج عام 1958. كما ساهم في تدريسه وأبحاثه في جامعات عديدة ونال التكريم من جامعات عديدة. غير أن التكريم الأبرز الذي حصل عليه كان حصوله على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2020 لاكتشافه أن تشكيل الثقب الأسود هو تنبؤ صلب للنظرية النسبية العامة. أما إنجازاته فهي كثيرة جداً في الفيزياء والرياضيات وعلوم الفضاء. ولا تقتصر على عمله في الثقب الأسود والنسبية العامة ومن منجزاته ما قد يبدو مألوفاً جداً مما نراه حولنا في الانترنت اليوم مثل ما يعرف بمثلث بينروز الذي طوره مع والده الذي كان فناناً ورياضياً وفيزيائياً وقد وصفه في حينها بأنه “المستحيل بأنقى اشكاله”.

التقاء الهندسة والفن والفيزياء

مثلث بينروزوفي سياق شغف روجر بينروز بالرسوم فقد اشتهر باستشهاده وإعجابه بلوحة الفنان الهولندي مورتيس كورنيليز ايشير (Maurits Cornelis Escher) الشياطين (Devils) والتي تعكس بشكل غريب تكرار شكل متطابق مع زاوية استدارة للشيطان على جسم كروي حتى يتضائل في أفق الجسم الدائري. حين النظر إلى لوحة الشياطين، نرى أن الجسم يبقى ذاته في وسط الصورة وبالنسبة للناظر فإن الجسم يبقى كما هو. تمثل هذه اللوحة بالنسبة لبينروز ما يُعرف في علم الكون بالهندسة الامتثالية (conformal geometry) والتي يمكن تلخيص مبدأها وعلاقتها بهذه اللوحة بأن اللانهائية التي نراها تعد بداية لكون آخر.

التفرد الجذبوي

وبالعودة إلى التفرد فإن التفرد بشكل عام يعني حالة في نظام ما ينقلب فيها النظام من وضع إلى آخر. في سياق الفيزياء ومفهوم بينروز ونظريته حول التفرد – ما يعرف بنظرية بينروز-هوكنز – فإن التفرد يقصد به التفرد الجذبوي (gravitational singularity) وهي حالة يتوقع فيها للجاذبية أن تكون شديدة جداً بحيث ينهار الزمكان حتى لا يمكن أن تحدد تلك الحالة بالسؤال حول أين ومتى، ومثال تلك الحالة هو ما حدث في بدء الانفجار الكبير كما يفترض. غير أن النموذج الهندسي الذي قدمه بينروز حول الانفجار الكبير والذي تصفه لوحة الشياطين أدناه لا يعد ذو شعبية في أوساط الفيزياء الكونية بمقابل النموذج التقليدي النموذج التضخمي (Inflationary model) رغم أن منجزه في ذلك ليس سوى جزء صغير من اسهاماته.

قال عن بينروز زميله كيب ثورن (الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء أيضاً) أنه: “أحدث ثورة في الأدوات الرياضية التي نستخدمها في تحليل خصائص الزمكان”. ومثلما كان بينروز مغرماً بانشاء تلك الاجسام مثل مثلث بينروز أو سلم بينروز التي تعتبر أجساماً وهمية، فقد كان عمل بينروز في الهندسة المنحنية للنظرية النسبية العامة منسجماً إلى الحد الأقصى مع ما تقتضيه معادلات آينشتاين وبما يسمح بحلها.

احدى أهم الأوراق البحثية في تاريخ الفيزياء والتي يمكن أن نرى أنه تم الاستشهاد بها لما يزيد عن 2600 مرة هي ورقة السير بينروز المعنونة “انهيار الجاذبية وتفردات الزمكان” (Gravitational Collapse and Space-Time Singularities) المنشورة عام 1965.[1] وقد ربط بينروز في بحثه هذا بين حدوث ظاهرة الثقب الأسود وبين الانهيار في الجاذبية وقد أوضح بينروز فيها هندسياً ورياضياً كيفية حدوث الثقب الأسود من منظور تفرد الزمكان قائلاً: “ما أن ينهار نجمٌ بسبب جاذبيته، فإن تفرداً في الزمكان سيحدث”.

لوحة الشياطين لايشير

لوحة الشياطين لايشير

الكتب والمسيرة

نشر بينروز العديد من الكتب فضلاً عن أبحاثه الكثيرة، ومما نشر من الكتب “ظلال العقل: بحث عن علم الوعي المفقود” و”عقل الإمبراطور الجديد” (Emperor’s new mind) حيث رأى بينروز أن الفيزياء لا تكفي لشرح ظاهرة الوعي كما قدم العديد من الكتب في الفيزياء أيضاً وعلم الكون. حصل بينروز على جائزتين أعطيت له مناصفة مع ستيفن هوكنغ. وحصل على ميدالية ألبرت أينشتاين عام 1990 كما حصل على لقب فارس (سير) في المملكة المتحدة ونال عضوية عدد كبير من الجمعيات في مجال علم الكون وختمت إنجازاته بحصوله على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2020.

تزوج بينروز مرتين، وصرح عن اعتقاده في لقاء مع البي بي سي بأنه لا أدري وأنه عضو في جمعية إنسانييّ المملكة المتحدة.

[1] Penrose, Roger. “Gravitational collapse and space-time singularities.” Physical Review Letters 14.3 (1965): 57.

تم نشر هذا المقال ضمن العدد 55 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغوياً ريام عيسى