إذا كان والد الشخص مجرماً فهل يُمكن أن يكون هو أيضاً مجرم؟ وراثة السلوك أمر مؤكد، لكنه ليس تأثير مستقل، وكذلك فليست جميع السلوكيات الموجودة لدينا هي سلوكيات محددة بيولوجياً عبر الجينات والآليات العصبية. هذا المقال سينقلنا في جولة تتضمن عدد من التحليلات البعدية التي شملت بدورها بضعة دراسات إلى عشرات الدراسات التي درست أثر الوراثة في السلوك الإجرامي.
في بادئ الأمر يجب التنبيه إلى قضية مهمة، وهي أن الجريمة وفي كافة مقاييس الإدارة والاقتصاد والطب، فهي لا تمثل صنفاً واحداً من السلوكيات، وهذا ما تتناوله دراسات عديدة. هناك الاغتصاب والسرقة والتحرش والنصب والاحتيال والقتل. ولو تشعبنا لوجدنا فروعاً في هذه الأصناف أيضاً، فمثلاً هناك القاتل الذي يقتل عرضياً دون سابق النية في القتل، أو من يقتل بعد التخطيط، أو من يحترف القتل ويجد فيه متعة وشغف وهو القاتل المتسلسل، وهكذا الحال مع بقية أصناف الجريمة. لذا ومهما كان ما سنطرحه في هذا المقال فهو ليس حاسماً وشاملاً لجميع أنواع الجرائم فالتحليلات البعدية لابد أن تهمل بعض التفاصيل لتعطي سمة موحدة للدراسات التي تشملها، وهذا يمثل فقط جانب بسيط من الجوانب التي لن تجعل هذا المقال حاسماً.
كما نود الإشارة إلى أن الكلام سيدور حول مفهوم الوراثة ودورها بشكل رئيسي، وما عدا ذلك فهو محسوم لعوامل التنشئة التي لا تخفى على أحد والتي لا ستأخذ النسبة المتبقية (والأكبر غالباً) من الدور أو المسؤولية عن السلوك الإجرامي.
الدراسة الأولى التي نتناولها هي تحليل بعدي شمل 51 دراسة حول التوائم والتبني[1] وتناولت الجرائم المختلفة وليس فقط مفهوم الجريمة بشكل عام. وجد هذا التحليل ضعفاً انتقال الصفات العائلية لدى الأطفال الذين تم تبنيهم لكنه لم يجد بالمقابل تأثيراً كبيراً يذكر للمؤثرات البيئية والوراثية.
دراسة أخرى[2] وجدت ارتباطاً احصائياً في عدد الإدانات بالسرقة للشخص مع إدانات الأب البيولوجي له. الدراسة لم تكن عن السرقة فقط بل شملت أنواعاً أخرى من الجرائم لكنها وجداً الارتباط في السرقة فقط. وكذلك وجدت ارتباطاً بنسبة 78% حول جرائم الملكية، في حين أعطت الدراسة نسبة 50% لقابلية وراثة جرائم العنف كما اقترحت الدراسة وجود اختلاف بيولوجي في دوافع السرقة ودوافع العنف حيث لم تجد أي ترابط بينهما.
دراسة التوائم الدنماركية[3] كانت إحدى الدراسات الشهيرة في هذا المجال إذ شملت 6000 توأم مولود في الدنمارك ودمجت ذلك مع البيانات القضائية لهم. الدراسة تقول في خلاصتها أنها شملت هذا العدد وأن المشمولين قد عاشوا سوية حتى عمر 15 سنة على الأقل (مما يفتح الباب على مصراعيه أمام دور عوامل التنشئة أيضاً). تذكر الدراسة مراجعة 900 من التوأم هؤلاء للدوائر القضائية وتشمل سجلات الشرطة والسجلات الجزائية. وتوصلت في النهاية إلى ما يقارب الـ 66% من نسبة قيام التوأم بجريمة إذا ما قام أخوه بجريمة أيضاً وذلك للتوائم المتماثلين، أما التوائم غير المتماثلين فقد كانت النسبة 30% (مما يعطي دوراً للوراثة).
دراسة أخرى درست التوائم والأطفال الذين تم تبنيهم[4]، وشملت تحليلاً بعدياً لـ 12 دراسة حول التوائم تتضمن ما يقارب الـ 3700 توأم و3 دراسات حول التبني شملت 338 متبنى، وقد ركزت الدراسة على السلوك المعادي للمجتمع وذكرت أن التأثير الجيني بخصوصه يتراوح بين المتوسط إلى الكبير.
تنتقد دراسة لمجلة علم الجريمة صادرة عام 1992[5] منحى تلك الدراسات وتصف الدراسات الأقدم حول الموضوع بالضعف وسوء التصميم في الدراسة. وقد شملت الدراسة هذه 38 دراسة حول تأثير الجينات وهي تذكر أن الدراسات الأحدث تظهر دعماً أقل للتأثيرات الوراثية.
غير أن الدراسة الأشمل في هذا المجال هي الدراسة السويدية التي أقيمت عام 2011[6] ونشرت في مجلة الطب النفسي. شملت الدراسة ما يقارب 12 مليون ونصف المليون نسمة وهم سكان السويد، وبحثت في كافة العلاقات الأسرية والتوائم كما بحثت في تصنيف الجرائم بشكل مفصل ايضاً. تذكر نتيجة الدراسة:
تم العثور على تجمع عائلي قوي للعنف بين الأشخاص بين الأقارب من الدرجة الأولى كالأخوة، وبشكل أقل للأقارب الأكثر بعداً. أنماط الخطورة على العلاقات البيولوجية أو علاقات التبني أظهرت لنا دليلاً على كل من البيئة والوراثة على السلوك العنيف
وفي حيثيات الدراسة يظهر أن دور التبني كبير
جداً وبشكل لا يقل عن العلاقات الأسرية، الدراسة كمحصلة لم تنه الجدل حول دور
الوراثة فهي عززته إلى حدٍ ما لكنها وضعت إلى جانبه دوراً ليس بالقليل حول تأثير التنشئة
الواضح في علاقات التبني، وهذا الدور يُمكن أن ينطبق على الأبناء البيولوجيين
ايضاً ليضيع إمكانية الحسم في وراثة السلوك الإجرامي.
[1] Rhee SH, Waldman ID. Genetic and environmental influences on antisocial behavior: a meta-analysis of twin and adoption studies. Psychological bulletin. 2002 May;128(3):490.
[2] Mednick SA, Gabrielli WF, Hutchings B. Genetic influences in criminal convictions: Evidence from an adoption cohort. Science. 1984 May 25;224(4651):891-4.
[3] Christiansen KO. Crime in a Danish twin population. Acta geneticae medicae et gemellologiae: twin research. 1970 Apr;19(1-2):323-6.
[4] Mason, Dehryl A., and Paul J. Frick. “The heritability of antisocial behavior: A meta-analysis of twin and adoption studies.” Journal of Psychopathology and Behavioral Assessment 16.4 (1994): 301-323.
[5] Walters GD. A meta‐analysis of the gene‐crime relationship. Criminology. 1992 Nov;30(4):595-614.
[6] Frisell T, Lichtenstein P, Långström N. Violent crime runs in families: a total population study of 12.5 million individuals. Psychological medicine. 2011 Jan;41(1):97-105.
شكرا على كل ما تقدمنه لنا كقانونيين مبتدئين
سيدى الكاتب. لقد تعايشت مع اعداد كبيره من التوائم الذين اثروا في حياتي بالسلب والسفاح. لضعف القدرة الأمنية في بلادنا .فلم يكن التوائم طبيعيا بل كان يتاجر بة من قبل الأهالي في قريتنا ليصل الي مائتي زوج يقطن في بيت واحد كذلك الحال في معظم بيوت القرية نرجو الافاده