يلومنا كثيرون على كثرة مواضيعنا في نظرية التطور من ناحية الغوص في تفاصيل حقيقة التطور أو من حيث الخوض في فروعها الغنية مثل علم النفس التطوري والطب التطوري وغيرها. لكن ورغم تركيزنا بشكل متساوي على بقية التخصصات بشكل يكاد يكون متساوي، نتفاجئ هذه الأيام بسبب قوي يستدعي منا ذلك الإهتمام الإضافي بنظرية التطور. قبل عدة أشهر توقف تدريس النظرية في الدراسات الأولية في تركيا واليوم في العراق. فما هو واقع تدريس التطور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ ولماذا تقع نظرية التطور على خط النار بين العلم والسلطات ذات النزعة الدينية؟

خارطة تدريس نظرية التطور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

خارطة تدريس نظرية التطور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مصر

من الزقازيق خرج سلامة موسى ليكتب لنا كتابه (نظرية التطور وأصل الإنسان) في وقت مبكر جداً من القرن العشرين (1928). ولم يكن الرجل ليعلم أن بلده مصر، ستضم 11% فقط ممن يؤمنون بالنظرية[1] بعد ما يقارب التسعين عاماً على كتابة كتابه. أوضحت ذلك الرقم ندوة أقيمت في دار العين للنشر في عام 2009 في ذكرى ميلاد تشارلز داروين. ندوات كهذه ليست ممنوعةً في مصر، وتدريس النظرية حاضر في المناهج الجامعية والأولية لكن الواقع الشعبي ليس براقاً. يأتي رئيس الأزهر ليخلع عباءة الدين ويقتحم ساحات العلم ويتحفنا في تصريحه في سبتمبر 2014 أن نظرية التطور هي فرضية فقط[2].

الواقع أكثر قتامة من ذلك، ففي مقال لأحمد الصراف في جريدة القبس يقول أن إستبياناً شمل (30) مدرس لمادة الأحياء في مصر ممن يقومون بتدريس نظرية التطور صرحوا فيه بمجملهم أنهم لا يعتقدون بصحة نظرية التطور التي يقومون بتدريسها[3].

العراق

خلال الأيام الماضية شهدنا إيقاف تدريس نظرية التطور بقرار مستتر غير معلن من قبل وزارة التربية العراقية، فوجئ المهتمون بالأمر من اختفاء الفصل الذي يشرح نظرية التطور في الكتاب المنهجي لمادة الأحياء للصف السادس الإعدادي. أبرز المهتمين بالقضية كان الدكتور محمد فوزي المختص بالهندسة الجينية من جامعة بغداد، الذي يرى أن الفصل الذي تم حذفه كان فقيراً علمياً وخالي من التفصيل الذي من شأنه أن يوضح حقيقة التطور كاملة، لكنه مع ذلك يراه “تبويب محايد وجيد جدا لإعطاء فكرة أساسية عن التطور” بحسب ما صرح في صفحته.

صورة لكتاب علم الأحياء مع منشور من صفحة تابعة لوزارة التربية العراقية

صورة لكتاب علم الأحياء مع منشور من صفحة تابعة لوزارة التربية العراقية

صديقي الدكتور علي البهادلي وفي نقاشٍ لنا حول الأمر، يذكر أن أحداً لم يستفد من دراسة نظرية التطور وأن تدريسها غالباً ما كان يُرفق بملاحظات سلبية من التدريسيين، وحين المراجعة نتذكر أننا قلما استطعنا الاستفادة من تلك المواد. عند النظر إلى الكتاب سنجده يذكر المادة بإسهاب لا بأس به، لكن الفصل الذي قرأته في عام 2005 كان ينتهي بآية قرآنية تحذر من النظرية.

كنا متفائلين بطرح كمال الحيدري، رجل الدين المتنور الذي أثنى على النظرية ودمجها ضمن نوع من العلم المقبول من الدين ووصف داروين بالعارف بالله لافتاً الى المواقف التي يظهر فيها داروين مؤمناً بالله ضمن سطور كتابه “أصل الأنواع”. لكن تفاؤلنا لم يدم كثيراً بحلول القرار الجبان الذي يخلو من أي صيغة رسمية والذي لا يحترم جمهور العلم وطلابه في العراق.

يكمل محمد فوزي: “تجدر الإشارة إلى أنه في أحيان كثيرة يضفي الأساتذة في الجامعات أيضاً معتقداتهم على مادة التطور ويعلنون بصراحة إنكارها ويضعونها في الند من معتقد الخلق المباشر مع إظهار صحة الثانية. كما أن تدريس النظرية في الجامعات العراقية ليس بذلك الإسهاب المطلوب لاسيما في أقسام دراسة البيولوجيا، حيث يدرسون التنوع الحيوي والتشريح المقارن ورسم الأشجار التطورية الجينية بشكل عام. وكما ذكرنا فإن الأساتذة هم خط الهجوم الأول ضد النظرية حيث يعلمون الطلب على نبذ الفكرة على الرغم من تقديمها للدرس”.

ما زالت نظرية التطور موجودة في الجامعات ولا يوجد أي منع حكومي على المطبوعات أو النشر فيها، كما لا يوجد منع على إقامة الحوارات والندوات حول النظرية. لكننا وإثر الخطوة الأخيرة لسنا متفائلين كثيراً، فما تمر به الجامعات العراقية من انتكاسة في طبيعة المواد المنشورة في مواقع الجامعات وفي طبيعة الشخصيات المستضافة والفعاليات المقامة لا يبشر بخير ويجعل منع تدريس التطور إحدى المشاكل وليس المشكلة الأساسية في التعليم العراقي.

تجدر الإشارة إلى أن ذكر التطور في المنهج العراقي لم يختفِ تماماً حتى الآن فإلى جانب كتاب الأحياء للصف السادس الإعدادي ما زال التطور مذكوراً في كتاب التاريخ للصف الأول المتوسط (التاريخ القديم) ويذكر نماذج الأحفوريات البشرية وأشباه الإنسان القدماء ومواضع وجودهم والمواقع الأثرية في العراق التي وجدت فيها تلك الاحفوريات والهياكل العظمية.

بين السعودية وإيران

تستند معظم فقرات هذا الجزء على دراسة لمقارنة تدريس التطور بين السعودية وإيران[4].

السعودية التي أصدر المفتي العام الراحل فيها عبدالعزيز بن باز كتاباً يُكفر فيه من يقول بدوران الأرض حول الشمس، لها مواقف مختلفة عن إيران حول نظرية التطور وإيران قد تمثل مفاجأة لقارئ هذا التقرير. تصرح وزارة التعليم السعودية “سياسة التعليم في المملكة مستمدة من الإسلام” وفي موضع آخر “مبادئ الإسلام الكاملة حول الإنسانية، الكون والحياة” وتتغنى بالتناغم التام بين الإسلام والعلم. في كتاب الصف السادس للعلوم يستعين المنهج بعدة آيات قرآنية كبرهان على الخلق، وتتضمن كثير من المواضيع العلمية في المناهج نصوصاً دينية أكثر مما تتضمنه من حقائق علمية من الفيزياء والبيولوجيا وغيرها.

وحينما شُرحت التكيفات التطورية في مادة البيولوجيا للصف العاشر فإنها قُدمت على أنها إعجاز إلهي ولم يتم شرح آلية حدوثها التطورية. والمرة الوحيدة التي يُذكر فيها التطور هي في مادة الصف الثاني عشر في موضوع يتكلم عن أصل الإنسان، يذكر الموضوع عن داروين أنه ينفي الخلق الإلهي وأن الغرب يتبنى نظرية كنظريته وأن لا حاجة لتناول النظرية ولدينا كتاب الله الذي يذكر بأن الله خالق كل الكائنات. كما نعتت النظرية في كتاب المرحلة ذاتها “كثير من المسلمين يتبنون هذه النظرية دون علمهم بما فيها من اخطاء وكفر”.

عند الدخول إلى الساحة الإيرانية جديرٌ بنا أن نعرف بأن الصورة ليست كما نتصور وبحسب ما نعرفه عن ايران، فكتاب (السمكة بداخلك) لنيل شوبين تُرجم ونُشر بشكل قانوني داخل إيران في عام  2013، كما أن تدريس نظرية التطور موجود ضمن المنهج بشكل يوضح ماهيتها ومضمونها بشكل محايد[5].

نشوء وتنوع الحياة فی الكتاب المنهجي الايراني

نشوء وتنوع الحياة فی الكتاب المنهجي الايراني

صورة داروين في موضوع الانتقال الطبيعي بمادة علوم الحياة للمرحلة الأعدادية في إيران

صورة داروين في موضوع الانتقال الطبيعي بمادة علوم الحياة للمرحلة الأعدادية في إيران

يتقدم المرجع اية الله مكارم شيرازي بوصف لنظرية التطور، يظهر بأنه لا يفهمها بشكل جيد فهو يذكر تنوع الآراء في القرن التاسع عشر وكأنها اختلافات قائمة وحية ويسمي النظرية بأنها علوم حدسية، لكنه بالمقابل لا يقف بالضد منها ويؤيد قبولها في فتوى وجهت إليه في موقعه[6].

بالضد من مرتضى مطهري ذو الموقف القديم الذي سبب ابتعاد التطور عن المناهج في بدايات الثورة، موقف مطهري الذي لا يبدو عليه التطرف الشديد لكنه رافض للنظرية وبأبواب وأوجه لا يقبلها العلم الحديث، إذ يصرح في بادئ الأمر بأن التطور هو أمر قديم موجود لدى ملا صدرا وإبن سينا وفلاسفة اليونان، حيث الربط بين النظرية الفلسفية بالفيض وبأن الكائنات تكمن في بعضها وتنشأ من بعضها، ومن المعروف أن هذا الأمر لا علاقة له بأي شكل بالفهم الحالي للتطور. يسقط مطهري النظرية بشكل خطير إذ يقول أن بالاعتقاد بها يسقط برهان النظم المستخدم لإثبات وجود الله. وبعد ذلك يطرح تساؤلات مثل:

“إذا كان إستخدام الرأس كوسيلة للعراك يؤدّي إلى ظهور القرون فيها، فلماذا ظهر للثور قرنان ولوحيد القرن قرنٌ واحدٌ، في حين لم يظهر للحصان أيّ قرن” وكأن للطفرات مخططات محددة لرسم التكيفات.

لا مجال للإسهاب كثيراً، لكن كمقارنة مع السعودية بالتأكيد يعد النقاش على هذا المستوى وعلى المستوى الفلسفي على الأقل تقدماً كبيراً، الطرح لا يخلو من التدليس وسوء الفهم وهو مثير للإهتمام للراغبين بالاطلاع على ردود دينية من هذا النوع[7].

في منهج العلوم للصف الخامس في ايران وضمن موضوع تاريخ الأرض يبدأ الفصل بعبارة “توصل علماء الأرض عبر الأحفوريات والدراسة إلى أن الحياة بدأت في البحر” بخلاف المناهج السعودية فإن المنهج الإيراني يحترم العلم ويوضح قوته وسلطته وأهمية المنهج التجريبي. تجد في الكتاب نفسه مقطعاً يوضح “ثم، تغير الماء والهواء على كوكب الأرض بحيث أن البيئة صارت مهيئة لتطور الزواحف”.

في منهج العلوم للصف الثامن وفي شرح عن التطور وعن علم الأرض يفتتح الفصل بمقدمة عن الاحفوريات وعن أصل الحياة مع مخطط زمني، الصفحة التالية تضم صوراً لأحفوريات وفيها صورة لاركايوبتريكس وتحتها مكتوبٌ “أول طائر على الأرض، والذي لديه ايضاً بعض صفات الزواحف”.

في المرحلة التأهيلية للجامعة يتضمن كتاب الأحياء فصلاً من أربعين صفحة عن نظرية التطور بالإضافة إلى فصل عن الوراثيات السكانية (population genetics)، ويُقسم فصل التطور إلى 3 أبواب يختص أولها بداروين ودوره وتأثيره في النظرية؛ أما الثاني فيتكلم عن المتحجرات وعن التماثل الجزيئي والتركيبي (molecular and structural homology) وأما الثالث فيتضمن أمثلة عن الإنتخاب الطبيعي. تطور الإنسان مستتر نوعاً ما لكن الفصل عن الوراثيات السكانية يذكر بأن الإنتقاء الطبيعي يعمل على البشر أيضاً معززاً الكلام بالأمثلة.

من الكتاب المنهجي لعلوم الأرض للمرحلة الاعدادية في ايران وتظهر مستحثات اركيوبتريكس في الصورة مع صورة اخرى لديناصور

من الكتاب المنهجي لعلوم الأرض للمرحلة الاعدادية في ايران وتظهر مستحثات اركيوبتريكس في الصورة مع صورة اخرى لديناصور

تنتهي الورقة البحثية التي تقارن السعودية مع إيران في تدريس التطور باستنتاجات عدة مشيرة في بادئ الأمر إلى فروقات أخرى قد تعطي تمهيداً لفهم هذا الفرق بين نظامين يفترض أن يكونا متشابهين، مثلاً اعتراف إيران بحقوق ووجود الأقليات الدينية كالمسيحيين واليهود والزرادشتيين فضلاً عن المسلمين السنة، كما تضع مؤلفة الدراسة في نظر الاعتبار التنوع العرقي الإيراني حيث يتكلم أكثر من نصف الشعب لغات أخرى غير الفارسية في الوقت الذي تكون الغالبية الساحقة في السعودية من العرب، وتلتفت لتركز على الفرق بين المنهجية الوهابية وبين منهجية الاجتهاد السائدة في إيران (یبدو أن الأمر نفسه لم يسعف العراق من التطرف رغم إنتشار نفس المذهب في العراق وإيران) وإلى الفرق بين المنهجين في حرفية التعاطي مع النصوص الدينية مقابل إعطاء دور لتقديم فتاوى جديدة بحسب الأزمنة في منهجية الاجتهاد. ولا يغيب عن الكاتبة المقارنة بين التحديث الذي مرت به إيران في عهد الشاه مقابل التأخر الذي عاشته المملكة العربية السعودية حتى السبعينات عندما بدأت تستفيد بشكل واضح من تصدير النفط.

مرت إيران بفترات عصيبة، حيث حذف إسم داروين من المناهج في عام 1984 بعد 4 سنوات من الثورة الإسلامية لاسيما في فترة خيمت عليها آراء مثل رأي مطهري بنظرية التطور[8]، لكن إسم داروين عاد للظهور في رئاسة محمد خاتمي عام 1998. وتبدي مؤلفة الدراسة تفاؤلاً حول الإهتمام السعودي الحديث بتطوير المناهج.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد البحث في بعض الجامعات السعودية، وجدنا بعض المواد التي تدرس نظرية التطور لكن كيف تتم دراستها، هذا ما يُمكن أن نعرفه من الطلبة. على سبيل المثال مخطط دراسي من جامعة الملك سعود (2013) لطلبة الجيولوجيا[9]. بالمقابل فإن هناك ما لا يسر كبحث منشور بعنوان (بحث : انهيار نظرية التطور لداروين) في جامعة الملك فيصل.

في تركيا شمس العلم تغرب

يكاد يكون المخطط الحزبي في تركيا ضد نظرية التطور شبيهاً في درجة جبنه بالعمل العراقي الذي أخفى النظرية دون سابق إنذار أو تشريع أو تعديل. يقول المسؤولون في وزارة التعليم التركية أن النظرية “من المواضيع التي تفوق فهم الطلاب”[10] حيث يقول رئيس مجلس التعليم أنها ستحذف من مادة الصف التاسع لتبقى في الدراسة الجامعية.

ليست الظاهرة جديدة على تركيا التي تحمل الكثير من التناقضات في هذه الصفحة، هارون يحيى أو عدنان أوكتار المتورط بقضايا عديدة للدعارة كان وما زال يعمل كمبشر عالمي ضد التطور، كراسه الملون والمطبوع بشكل جميل يترجم إلى لغات عديدة ويرسل لمختلف أنواع العالم، وبرامجه التلفزيونية المثيرة للجدل تجمع بين التبشير الديني ومهاجمة التطور والرقص وعرض الفاتنات بأزياء متحررة جداً.

حوارٌ لمدة ساعتين ونصف حول نظرية التطور على قناة سي أن أن ترك (CNN Turk) في 2014 يجمع 3 محاورين من كل طرف ويحتدم النقاش بين أساتذة قسم الإلهيات ومناظريهم من أقسام الأحياء والفلسفة. وحوار آخر في برنامج (Teke Tek) يدوم ساعتين ونصف ويجمع أستاذين جامعيين كلاهما من أقسام علمية أحدهما مختص بالهندسة الكهربائية والآخر بالميكروبيولوجي. حوارات كهذه وفي وقتنا هذا قد تبدو للمطلع العربي وكأنها ظاهرة صحية، لكن مهلاً، نحن نناقش حقيقة أثبتها العلم منذ عشرات السنين ونناقشها على مستوى أكاديمي، يدل ذلك على شدة الهجوم الواقع على النظرية من أوساط معينة مما استدعى اهتمام الإعلام بهذا الشكل.

في وقفة مع رائد الانفتاح الديني التركي فتح الله كولن، الأب الروحي لكثير من الأدبيات الحزبية الحالية والمغضوب عليه وعلى أتباعه حالياً من قبل الحزب الحاكم، نجد الرفض الواضح للتطور، إذ يقول في الترجمة العربية حول كتابه المترجم أيضاً للعربية[11]:

” لقد خرجت نظرية التطور من كونها نظرية -أو فرضية- علمية يمكن دراستها ووضعها على المحك مثل النظريات العلمية الأخرى، وأصبحت “أيديولوجيا” عند علماء التطور يدافعون عنها حتى ولو تطلب الأمر القيام بعمليات تزوير مشينة. ولكن لماذا أصبحت نظرية التطور أيديولوجيا؟ لأنها النظرية العلمية الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى الإلحاد، لكونها تدعي القيام بتفسير الكون والحياة دون الحاجة إلى الخالق. فإذا ظهر أن كل نوع من أنواع الأحياء خلق على حدة، وأن الحياة لم تظهر نتيجة مصادفات عشوائية، لأن هذا أمر مستحيل، وأن الأحياء لم تتطور عن بعضها البعض فلا يبقى هناك أي مجال أمام جميع العلماء سوى الإيمان بالله تعالى.”

فتح الله كولن الذي أصدر فتاوى بخلع الحجاب أو ارتداء الباروكة في الأيام التي كان الحجاب فيها ممنوعاً في الجامعات، وبنوع من التساهل والمرونة في سياسته، لم يكن بذات المرونة مع نظرية التطور. المعلم المتصوف المعروف بالخوجة جوبه‌لي أحمد (Cübbeli Ahmet Hoca) ذو الشعبية الكبيرة جداً في تركيا لديه أيضاً حلقات في اليوتيوب يرد فيها على “المدافعين عن نظرية التطور” بحسب وصفه. حتى نوراي مرد (Nuray Mert) الصحفية في جمهوريت (Cumhuriyet) وحريت (Hurriyet) العلمانيتين وقفت ضد التطور في الحرب الأخيرة ضد التطور في تركيا[12].

الباب الرابع نشوء الحياة والتطور في مادة الأحياء للصف الإعدادي الأخير في تركيا

الباب الرابع نشوء الحياة والتطور في مادة الأحياء للصف الإعدادي الأخير في تركيا

المغرب

في المغرب نشر الباحث السوداني عماد محمد بابكر (بريطاني الجنسية) كتابه الذي يشرح فيه التطور من وجهة نظر دينية مقرباً بين الدين والعلم، لم يكن ذلك ممنوعاً وتم عرض كتابه في معرض الدار البيضاء عام 2013. قدمت البروفيسورة الأمريكية سوزان ليندي محاضرة في موضوع متخصص في نظرية التطور في جامعة نيوانغلاند في طنجة قبل بضعة أشهر، فهل تدعو هذه المؤشرات للتفاؤل؟

تقرير سعدية خاطري في مركز الفنار الإعلامي يوضح لنا صورة قاتمة جداً، إذ تفتقر المغرب لتدريس لنظرية التطور في مناهجها الجامعية أو الأولية، ولم تظهر نظرية التطور في الدراسات العليا إلا مؤخراً في أحد كورسات الماجستير. الأمر الذي يُمكن مراجعته في مناهج مادة العلوم الطبيعية في المملكة المغربية على الإنترنت[13]. إلى جانب ما تقوله سعدية خاطري عن واقع المغرب فإننا وعند التقصي من بعض طلبة الجامعات المغاربة عرفنا أن الموضوع تتم دراسته على مستوى معين، ولا نسلط الكثير من اللوم على تقريرٍ ما إذ أن الإلمام التام بكافة مناهج التدريس الجامعي أمرٌ صعبٌ إلى حدٍ ما.

يُذكر أن المناهج المغربية كانت مطابقة للمناهج الفرنسية حتى عام 1979، وبعدها مع حدوث تغييرات مرافقة للتحرر عن فرنسا ومنذ عام 1979 تم تأشير عبارة (وفق اختيار المدرس) على فصل التطور أي أن المدرس حر فيما إذا أراد أن يدرس المادة أم لا، وقد تم الإبقاء عليه ضمن مادة المتحجرات في علم الأرض، وفي العام 1994 تم حذف الفصل تماماً، وتم الإبقاء على الوراثيات السكانية مع عدم ذكر إسم داروين[15].

الجزائر

في كتاب علوم الحياة السنة الثانية ثانوي لشعبتي العلوم التجريبية والرياضيات، يُمكننا أن نجد الكثير من المعلومات حول التطور لكنها غير مذكورة تحت عناوين صريحة، عنوان الفصل الكبير كان (اسس التنوع البيولوجي) وهو يذكر ضمنياً الانتقاء الطبيعي ويتكلم كثيراً عن آليات حدوث الطفرات والوراثة لكن دون الدخول في المصطلحات الشائعة وشرح التطور بشكل أكثر دقة. لكن يُذكر التطور بصراحة (تطور الكائنات الحية) في باب يتكلم عن الجيولوجيا وفيه يتم التطرق للاحفوريات ومن ثم لمخططات زمنية للأعمار الجيولوجية المختلفة للأرض ومعها ظهور الكائنات الحية.  لكن الأمر لا يستمر حتى يبلغ الإنسان بل لا يتعدى ذكر الديناصورات والأسماك والحشرات. بالمقابل لا يوجد تحذير ديني كالذي كان موجوداً في المنهج العراقي والذي يقول بأن ما ذكر في هذا الفصل غير صحيح وأن الآية الكريمة تقول كذا، وكأنه الإعلان الذي يوضع على علبة السجائر للتحذير من السرطان.

يُمكن في الجزائر أن نرى دراسة ماجستير في جامعة هواري بومدين في التنوع الحيواني والتطور وتضم لائحة الدراسة مصطلحات تشبه ما موجود في الدراسة الثانوية مثل (التنوع البيولوجي)[14].  لكن لا نزعم أن بحوث التطور كثيرة في الجزائر، مثلاً في جامعة منتوري كانت معظم الأبحاث الواردة حول نظرية التطور موجودة في نطاق الخوارزميات الجينية (Genetic algorithms) مع وجود بحوث أخرى نفسية وتدريس في كليات عدة منها قسم الانثروبولوجيا والكيمياء.

ظاهرة دور التدريسي في تقييد فهم النظرية موجودة في الجزائر أيضاً، يذكر معتز أنه سأل مدرسة الأحياء “ألا تمثل آليات عمل الفيروسات دليلاً للتطور؟” فأجابت “لا يُمكن أن نخلط العلم بالدين، سوف ندرس النظرية فحسب، لا يُمكن أن نطرح الأسئلة حول كون آدم وحواء هم أصل البشر”.

تونس

لست مؤهلاً للحكم على جودة الباب الثالث من كتاب علوم الحياة للصف الرابع الثانوي في تونس، لكنه صريح جداً في عنوانه وصورة داروين التي تتزعم الفصل الغني بالصور والتوضيحات دونما خجل من المصطلحات أو تحذيرات جانبية أو تكفير. الكتاب باللغة الفرنسية وهو جميل من حيث تنسيقه وتوزيع المواضيع فيه ويضع تونس في مكانة مرموقة من تصنيفنا في هذا المقال. يُذكر أن تدريس التطور بدأ في تونس منذ عام 1991 في حملة إصلاحية للمناهج التعليمية[15].

على صعيد الدول المغاربية يُذكر أن 90% من مدرسي  البيولوجيا الجزائريين، و80% من المغاربة، و70% من التونسيين يؤمنون بالخلقية[15].

باب التطور في كتاب الرابع الثانوي قسم العلوم التجريبية تونس

باب التطور في كتاب الرابع الثانوي قسم العلوم التجريبية تونس

لبنان

أضيف فصل لتدريس التطور بعد الحرب الأهلية في المناهج اللبنانية، لكن التدريس في الصف لم يتم، فقط كانت المادة موجودة في الكتب، وقد تم تخفيف المادة تحت ضغوط من جهات دينية، ويذكر أن ثلث المادة الخاصة بالتطور في كتاب الأحياء مخصصة لتطور الإنسان، كما يُذكر داروين والانتخاب الطبيعي بوضوح في الكتاب فضلاً عن مفاهيم تطورية عديدة[15].

سوريا

لا يُمكن أن نصف فصل التطور في المنهج السوري ولاسيما كتاب علم الأحياء للصف الثالث الثانوي بأنه فصل غني، الفصل فقير للغاية ولا يكاد يساند نظرية التطور بالمفاهيم الكافية، بل أنه يسبب خلطاً للقارئ في قضية نقاط ضعف طرح داروين التي قامت الداروينية الحديثة بتغطيتها. أدلة التطور الموجودة لا تعدو عن محتوى مقال مبسط شائع في الأنترنت، ولكن الكتاب بصورة عامة يقدم الكثير من المعلومات حول الوراثة وتفاصيل أخرى.

يقول أحد الطلبة في سوريا وهو الآن طالب في كلية الطب عن تجربته مع تدريس التطور في الثانوية :

“هذا الفصل غالباً مايتم تجاهله لضيق الوقت أثناء العام ولأنّ سؤاله اختياري وعليه علامة من أصل 30! وحتى إذا دُرس فهو يدرس بطريقة سيئة في غالب الأحيان، على مبدأ “هالشي غلط بس نحن مطالبين فيه”، أو يصرّح المدرس بأنّ هذا صحيح علمياً وخاطئ دينياً في نفس الوقت ثم يضع النظرية في مقارنة مع فرضية الخلق المباشر مرجحاً الكفة لمصلحة الثانية، في حين أنّ قلة قليلة تدرسها بشكل صحيح، أمّا في الجامعات فلم يتم تدريسنا اياها بالشكل الكافي كموضوع مستقل بل كانت 4 محاضرات او 3 تتحدث بشكل سطحي عنها وقد يقوم بعض المدرسين بتوظيف النظرية جهاراً، وقد يلتف البعض الآخر حولها في مواضيع عديدة من الممكن أن تبسط النظرية المعلومة المطروحة”.

صفحة من كتاب علم الأحياء للثالث الثانوي في سوريا

صفحة من كتاب علم الأحياء للثالث الثانوي في سوريا

الأردن

حالما تكتب نظرية التطور ستتفاجئ بفيديو للدكتورة رنا الدجاني التي توضح عدم تعارض نظرية التطور مع الدين[16]، الدكتورة رنا أصبحت من مقاتلي الخط الأول في تدريس نظرية التطور وتثقيف الناس بها. لكن الحكومة الأردنية لم تدخر جهداً في ذلك أيضاً فالنظرية تُدرس في مادة الصف العاشر كما أنها تُدرس في الجامعات بشكل طبيعي ودون قيود. لا يُمكن اعتبار الوضع سليماً بشكل تام فالشكاوى التي تتكلم عنها الدكتورة رنا في مقالها بنيتشر (الإصدار العربي) والمقالات التي نقرأها في الأنترنت تدل على وجود معارضة مماثلة لما في كثير من الدول العربية لكن الفرق بمدى التمثيل الرسمي لتلك المعارضة على المناهج التدريسية.

الإمارات العربية المتحدة

في 2007 وضمن المصادر القليلة المتوفرة حول الأمر صرح عبد القادر العيسى (مسؤول أقدم في وزارة التعليم) أن تدريس نظرية التطور سيزال من المنهج في السنة القادمة[17]، وكأنها أمرٌ مشين. يُمكن أن تجد أبحاثاً ومواد دراسية في الجامعات الإماراتية تذكر التطور. على الطرف الآخر فإن المواقع الاعلامية العلمية الإماراتية مثل مرصد المستقبل تخلو من أي ذكر لنظرية التطور رغم كل الميزانيات المخصصة لهذا الموقع الذي ينافس الفرق التطوعية العلمية العربية كالعلوم الحقيقية وغيرها.

الخارطة

1-      يدرس في جميع المراحل الدراسية (سوريا، تونس، لبنان، مصر، الأردن)

2-      هناك تغيير في المصطلحات للمرحلة الأولية وتهرب من ذكر بعض المواضيع (الجزائر، ايران)

3-      في طور الالغاء من المراحل الاولية للدراسة (تركيا).

4-      يدرس من الجامعات فما فوق (العراق، الإمارات).

5-      يُدرس في الدراسات العليا فقط (المغرب).

6-      ممنوع بشكل تام (السعودية).

 

[1]  محمد الحمامصي، المؤمنون بنظرية التطور في مصر لا يتعدى 11 % فقط، 24-2-2009

[2]  محمد زكريا توفيق، شيخ الأزهر ونظرية التطور | جريدة شباب مصر، 16 سبتمبر 2014

[3]  خليل علي حيدر، “ نظرية التطور.. في مصر ودولة الإمارات“، الوطن، 2013/12/26

[4] Burton, Elise K. “Teaching evolution in Muslim states: Iran and Saudi Arabia compared.” Reports of the National Center for Science Education 30.3 (2010): 28-32.

[5] Kalliopi Monoyios, Iran’s Position on Evolution? Not What You Might Expect, scientificamerican.com, August 9, 2013

[6]  آیت الله العظمی مکارم شیرازی، پرسش : آیا قرآن و نهج البلاغه نظریه تکامل درباره خلقت و آفرینش انسان را تایید می نمایند؟، 1396/05/26

[7]  مركز نون للتأليف والترجمة، دراسات عقائدية الدورة العقائديّة الكاملة للشهيد مرتضى مطهّري، سلسلة المعارف الإسلامية، الدرس الخامس التوحيد ونظرية التطور.

[8]  “ دیدگاه شهید مطهری در مورد نظریه تکامل داروین“، ۱۷ ارديبهشت ۱۳۹۳

[9]  جامعة الملك سعود، الخطط الدراسية: قسم الجيولوجيا والجيوفيزياء – الخطة الدراسية لبرنامج الجيولوجيا، 2013

[10]  خطط لإلغاء تدريس نظرية “التطور” لداروين فى المدارس التركية، بي بي سي عربية، 23 يونيو/ حزيران 2017

[11]  فتح الله كولن، “حقيقة الخلق ونظرية التطور“، موقع محمد فتح الله كولن

[12] Orhan Bursalı, “Nuray Mert, Evrim Teorisi’ne çarptı“, cumhuriyet.com.tr, 27 Temmuz 2017

[13]  سعدية خاطري، “جدل حول تدريس نظرية التطور البشري في الفصول الدراسية“، الفنار للإعلام، 24-03-2014

[14] Master Biodiversité Animale et evolution, University of science and technology Houari Boumediene

[15] Quessada, Marie-Pierre, et al. “L’enseignement de l’évolution dans les manuels scolaires de huit pays riverains de la Méditerranée.” Tréma 35-36 (2011): 21-35.

[16]  رنا دَجَاني، لماذا أُدرِّس نظرية التطور للطلاب المسلمين؟، 1 يناير 2015، نيتشر الطبعة العربية

[17] Siham Al Najami, Debating the origin of life, gulfnews.com February 17, 2007