يقول كثيرٌ من المهتمين بالأدب، أن للكوليرا فضل على القصيدة العربية الحديثة وتكوين الشعر الحر، حيث كانت قصيدة الكوليرا للشاعرة العراقية نازك الملائكة، من اولى القصائد التي تجاوزت بحور الشعر العربي، وقد كتبتها الشاعرة في العام 1947 بعد موجة الكوليرا القاسية التي ضربت مصر حينها تقول فيها :

في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ

الصمتُ مريرْ

لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ

حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ

هذه العدوى البكتيرية الحادة التي وصفتها نازك الملائكة في قصيدتها أفضل وصف، لا زالت والى اليوم تفتك بالكثير من البشر بالرغم من التطور الحاصل في الرعاية الصحية وتراكم المعرفة، حيث تشير التقديرات الى وقوع ما يقارب 4 ملايين اصابة سنوياً، وتتسبب بموت ما يقارب 150 الف شخص سنويا في كافة أنحاء العالم.

عندما تستوطن البكتيريا المسببة للكوليرا أمعاء  الجسم المصاب عن طريق العدوى، تنتج بكتريا الكوليرا مادة كيميائية تسمى سم الكوليرا Cholera Toxin، تقوم هذه المادة بالارتباط بجدار الامعاء للجسم المصاب، ونتيجة لذلك تتغير خاصية التناضح في جدار الأمعاء، مما يتسبب بفقدان حاد للسوائل والمواد الغذائية عن طريق الاسهال.

حاول العلماء فهم كيف يمكن لهذه المادة السامة الارتباط بجدار الأمعاء، ومن أكثر التفاسير قبولا إلى وقت قريب هو أن مادة سم الكوليرا ترتبط بمستقبلات خاصة متواجدة على سطح الخلايا الموجودة في جدار الأمعاء، مما يحفز تغيير التناضح، هذه المستقبلات تسمى GM1، وتعمل كمفتاح للاشارات الخلوية.

ولكن في دراسة حديثة نشرت خلال شهر اذار هذا العام وجدت مجموعة بحثية في جامعة غوتنبرغ في السويد بالتعاون مع مجموعة بحثية في جامعة تكساس الامريكية،  أن تعديل مجموعة من الفئران وراثياً وازالة هذا المستقبل عن سطح الخلية لم يقها من الإصابة بالإسهال الشديد بعد اعطاءها ماء يحتوى على مادة سم الكوليرا، مما يعني أن سم الكوليرا يربط مستقبلات اخرى.

قام الباحثون ايضاً بتصميم جزيئات خاصة، يرتبط بها نوع من انواع السكر وتم اعطاءها لهذه الفئران، وفق الهيئة الكيميائية لهذه الجزيئات فأنها مشابهة لتركيبة المستقبلات الموجودة في جدران الامعاء،  فوجدوا أن هذه الجزيئات الحاملة لجزيئة السكر المعدلة تقوم بعملية اشبه بالسباق مع سم الكوليرا وترتبط بهذه المستقبلات بصورة اسرع ولمدة اطول، ولأنها شبيه بمستقبلات جدران الأمعاء فأن سم الكوليرا سيقوم بالارتباط بهذه الجزيئات ظناً منه بأنها المستقبلات الحقيقية، وبالتالي تجنب الاسهال الشديد وتجنب تغيير عملية التناضح.

التركيبة الكيميائية لهذه الجزيئات، تجعل من السهل تعديلها وتطويرها حتى يمكن شربها من قبل المرضى واستخدامها، ومما يجعل التنبؤ بنجاح هذه الطريقة مستقبلاً هو وجود هذه الجزيئات في حليب الأم بكميات كبيرة، مما يعني أن اعطاءها بشكل شراب لن يشكل خطراً على المرضى فهو مواد متواجدة بالطبيعة بلا مخاطر.

تفتح هذه الدراسة أفاقاً جديدة في ايجاد طريقة علاجية سهلة  وسريعة وغير مكلفة للكوليرا، حيث أن المشكلة اليوم هي عدم توفر العلاج في مناطق عدة حول العالم، اضافة الى عدم فعالية اللقاحات بسبب مشاكل التغذية ومشاكل سوء النظام الصحي.

المصادر

Cervin J, Wands AM, Casselbrant A, Wu H, Krishnamurthy S, et al. (2018) GM1 ganglioside-independent intoxication by Cholera toxin. PLOS Pathogens 14(2): e1006862. https://doi.org/10.1371/journal.ppat.1006862

Wands, A. M., et al. (2018). “Fucosylated Molecules Competitively Interfere with Cholera Toxin Binding to Host Cells.” ACS Infectious Diseases.