هناك عدد لا يحصى ممن يقدمون توصيات غذائية “شخصية”، يعتمد بعضها على اختبار DNA أو اختبار الميكروبيوم. فما هو رأي الأدلة؟

سكوت جافورا (sciencebasedmedicine.org) – اختبار الحمض النووي هو موضوع نكرر تناوله، مدفوعون بشكل رئيسي بالتقدم التكنولوجي الهام الذي يجعل الحصول على تسلسل الحمض النووي وتحليله بسيطًا (مسحة الفم عادةً) فضلاً عن كونه غير مكلف. انتقل هذا المجال بشكل متسارع من كونه لاعباً بديلاً إلى لاعب أساسي، والآن يُباع بشكل اختبارات عبر الإنترنت مباشرةً إلى المستهلكين . ما يفتقده هذا المجال ضعيف التنظيم هو الدليل على أن المعلومات والنصائح المستمدة من هذه الاختبارات موثوقة (أي أنك تحصل دائمًا على نفس النتائج) وصالحة (أي أن الإجراءات الموصى بها مدعومة بأدلة قوية). من المجالات التي اكتسبت شعبية كبيرة هي نصائح الحمية الغذائية بالاعتماد على تحليل الحمض النووي، حيث يتم استخدام الحمض النووي لاستنتاج التوصيات حول نظامك الغذائي وحتى التوصية بمكملات معينة. تبدو فكرة “التغذية المخصصة” جذابة (أولسنا جميعا أفراد مميزون؟)، ولكن كما هو الحال في العديد من مجالات العلوم التي تتطور بسرعة، فإن الضجة التي تثيرها تتطور بشكل أسرع، متجاوزة بذلك الأدلة.

فيتامينات مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد

الأدلة على مستوى السكان تؤكد بأنه لا يوجد أساس منطقي لتناول مكملات الفيتامينات في ظل عدم وجود نقص أو حاجة طبية مثبتة. ولكن هل من الممكن أن تتحقق الفوائد بناءً على تركيبات مخصصة تحددها الحاجة المحسوسة؟ تقوم شركة Nourished بالترويج لمجموعات من الفيتامينات المخصصة و”المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد”، والتي لا تعتمد بشكل أساسي على الحمض النووي الخاص بك، إلا أنها تعتمد على اجابتك على بعض الاسئلة. على سبيل المثال، أنا بصحة جيدة، أمارس الرياضة بانتظام، واعتمد على نظام غذائي متوازن. أقوم بإدخال بعض المعلومات الديموغرافية، وأجيب على بعض الأسئلة (كم عدد المرات التي تتناول فيها الخضروات؟ كم مرة تسافر دوليًا؟) ثم يتم اقتراح مجموعة من المكملات اليومية الخاصة، سيتم تصنيعها وشحنها لي شهريًا.

يستند كل منتج الى أساسات منطقية خاصة به، ولا يتضمن أي منها استشهادات أو أدلة لإثبات أن المكملات كانت ضرورية أو مفيدة، نظرًا لظروفي. وكان أغرب شيء هو اقتراح احتياجي 1600 مغم من فيتامين أ يوميًا، على الأرجح لأنني أجبت بأنني أرتدي نظارات. ولا تنعدم الأسباب المنطقية لتناول مكملات الفيتامينات إذا كان لديك قصر النظر مثلي فحسب، بل ليس هناك حاجة لأي شخص في بلد غني بالموارد (مثل كندا) لأخذ فيتامين أ، إن أوجه القصور نادرة لهذه الدرجة.

تذهب شركة أخرى (Pure Genomics) إلى أبعد من ذلك، باستخدام نتائجك من اختبارات على مواقع مثل 23andMe أو Ancestry.com فهي تقوم بتقديم توصيات بمكملات معينة من الفيتامينات. ورغم عدم وجود أدلة علمية منشورة توضح أن مكملات محددة من الفيتامينات لها ضرورتها بناءً على هذا النوع من الاختبارات، إلا أن هذا لا يمنع هذه الشركات من وضع مجموعة من التوصيات بناءً على نتائجك. وعندما تقدم شركة نوعًا من المكملات الغذائية التي تدعي أنها تساعد في “إزالة السموم”، فهذا يمثل علامة خطر كبيرة للصرامة العلمية التي تخضع لها المعلومات والنصائح المقدمة من هذه الشركة. فما لم تكن مصابًا بفشل عضوي من أي نوع، فإن الكلى والكبد “يزيلان السموم” من جسدك بشكل مناسب، ولا تحتاج إلى أي مكملات غذائية لمساعدتهما.

كانت هناك أيضًا شركة تقدم توصيات النبيذ بناءً على الحمض النووي الخاص بك. وقد يكون هذا قد تجاوز حدود مصداقية المستهلك، لكن يبدو أنها توقفت عن العمل. (بالإضافة لذلك، لست بحاجة إلى نتائج الحمض النووي الخاصة بك لاقترح بأنك ربما ستحب نبيذ بوجوليه).

ماذا عن تناول الطعام بما يتناسب مع الميكروبيوم الخاص بك؟

أعترف أن هذا الأمر فاجأني عندما رأيته، ولكن يبدو أن هناك سوقًا “للتغذية الشخصية” باستخدام “الذكاء الاصطناعي” بناءً على عينة من البراز. تدعي شركة Viome أنه من خلال فحص الميكروبيوم الخاص بك، يمكن تحديد “الأطعمة الخارقة” المناسبة لك، والأطعمة التي يجب تقليلها، أو الاستمتاع بها، والمكملات الغذائية التي يجب عليك تناولها. لم يعد الدكتور (مارك كريسليب) يكتب في مدونته بعد الآن ولكن مشاركاته بما يخص الميكروبيوم كلها في الأرشيف وأنا أوصي بها بشدة كخلفية حول هذا الموضوع. رأيي هو أن الفهم العلمي للميكروبات يتقدم ولكنه لا يزال أوليًا، ولا سيما التوصيات الغذائية القائمة على تحليلات البراز. بينما جمعت Viome مبلغًا كبيرًا من التمويل، إلا إني لم أتمكن من تحديد أي معلومات منشورة لإثبات صحة اختبار Viome أو أن التوصيات التي تنتج عنه تؤدي إلى فوائد مجدية وقابلة للقياس. يقول موقع Gut UK ما يلي:

“إذا كانت أنواع البكتيريا الظاهرة في الاختبار مماثلة لما هو شائع في عينات البراز لآلاف الأشخاص الآخرين، فهنيئًا لك: إن برازك يشبه براز الآخرين تمامًا. سترسل لك بعض الشركات تقريرًا يضع مقارنة بين نتائجك وآلاف النتائج الأخرى، كما يعرض مستويات أنواع البكتيريا المختلفة المرتبطة ببعض الأمراض، هذه النتائج مثيرة للاهتمام، لكنها لا تشير بالضرورة إلى وجود خطر معين للإصابة بهذه الأمراض. لم نقم بعد بعقد روابط قوية بين وجود أو عدم وجود أي نوع من البكتيريا مع الأمراض “الخطيرة” مثل السرطان أو أمراض القلب أو الخرف. لذلك لا تفزع إذا كان تقريرك يقول أن مستويات البكتيريا المرتبطة بالوقاية من مرض السكري من النوع الثاني منخفضة، على سبيل المثال. نحن لسنا في مرحلة حيث يمكننا القول بثقة أننا بحاجة إلى زيادة مستويات هذه البكتيريا لتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، ففي الوقت الحالي لا نمتلك ما يكفي من المعرفة لنوصي بأمان ودقة بأي تدخلات محددة (مثل تغييرات معينة في النظام الغذائي و / أو مكملات غذائية معينة) لإحداث تغييرات مفيدة طويلة المدى في تكوين البكتيريا في الأمعاء”.

هناك أيضًا سؤال يتعلق بمقدار القيمة عند إجراء اختبار واحد في نقطة زمنية واحدة. إذ يقيس العديد من الأطباء علامات المرض أكثر من مرة، تحسبًا لأن تكون القراءة الأولى استثناء، وهكذا فإن بعض هذه الاختبارات مفيدة فقط عندما تنظر إلى الملف الشخصي أو بصمة البكتيريا في أوقات مختلفة.

بالإضافة لذلك، نحن لا نعرف حقًا ما هو المستوى “الصحي” لبعض هذه البكتيريا والمواد الكيميائية التي يجب أن تتواجد في البراز، وقد بدأنا لتونا بفهم إلى أي درجة تتغير مستويات الميكروبات بشكل طبيعي في القناة الهضمية في الشخص السليم عبر الوقت. وإلى حين إجراء المزيد من الأبحاث، يمكن أن تكون المعلومات المتحصلة من هذه الاختبارات مربكة، وغالبًا لا تساعد الأطباء أو الممرضات في توجيه نصائحهم بشكل يناسب حالتك الصحية. نحن نعلم أن النظام الغذائي المتوازن مع مجموعة جيدة ومتنوعة من الأطعمة المختلفة، يقود لوجود مجموعة متنوعة من البكتيريا المختلفة في الأمعاء الغليظة وبالتالي البراز، وهذا ما يعده العديد من الخبراء أمراً جيداً على الأرجح.

مراجعة أخرى في مجلة Nature، تلاحظ ما يلي:

“إن استناد النصائح الغذائية على دراسات الميكروبيوم يولد افتراض امكانية التنبؤ بالآثار الصحية للمجتمعات الميكروبية المختلفة – وهو هدف بعيد المنال، فحتى الآليات المدروسة جيداً لها تأثيرات غير واضحة على صحة الإنسان. خذ على سبيل المثال ، إنتاج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFAs) من الهضم البكتيري للألياف. تعمل SCFAs على أنسجة واهداف متعددة في كل من الخلايا البكتيرية والخلايا المضيفة، وفوق ذلك، ليست كل الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFAs) متشابهة، ولم يتم اعتبارها نواتج لتخمر الكربوهيدرات والأحماض الأمينية، ناهيك عن تنوع المستقلبات الميكروبية الأخرى التي يمكن أن تعزز أو تتعارض مع تأثيرات هذه المركبات. لذلك وعلى الرغم من أنه من المغري التوصية بنظام غذائي يعزز SCFAs للوقاية من أمراض التمثيل الغذائي والأمراض الأخرى، إلا أنه من الصعب التنبؤ بالآثار الأوسع على الميكروبيوم وتفاعلاته المعقدة مع المضيف”.

هناك فجوات كبيرة في كمية ما نعرفه، ومن السابق لأوانه التفكير في أننا نفهم العلاقة بين استهلاك أطعمة معينة،  وتكوين الميكروبيوم الخاص بنا، والنتائج الصحية. لكن ذلك لم يمنع بائعي الاختبارات من القفز إلى هذه الاستنتاجات، وبالنظر إلى حالة الأدلة التي توفرها هذه الاختبارات، فلا يمكن اعتبار النتائج موثوقة أو قابلة للتكرار. ربما ليس من المستغرب أن يجرب أحد الأشخاص شركة Viome والمنافس لها DayTwo، ليجد أن النتائج والتوصيات متناقضة إلى حد كبير:

عند الاطلاع على قائمة الأطعمة التي حصلت على درجات “ممتازة” ، لاحظت بعض التضارب المقلق مع التطبيق الآخر. فالعدس الذي كان ممنوعًا عليّ تناوله وفقًا لـ Viome، حصل على درجات عالية من DayTwo، والأمر نفسه بالنسبة لشاي كامبوتشا. بينما نال طعامي الخارق المزعوم (التوت البريّ) علامات منخفضة. وفيما حصل اللوز على درجة مثالية تقريبًا (9.7) على DayTwo فقد أخبرني Viome بتقليل استهلاكه. وقد وجدت نصائح متناقضة بالمثل للأطعمة التي أتناولها بانتظام، بما في ذلك البرتقال والفول السوداني ولحم الخنزير والبنجر.

 

يبدو من السابق لأوانه لشركة ما أن تقول “تخيل العيش في عالم يكون فيه المرض اختياريًا” عندما يكون هناك الكثير من الشهادات بلا دليل علمي مقنع على أن توصياتها “المستندة إلى الحمض النووي” تقدم بالفعل فوائد صحية مؤثرة.

التسويق يفوق العلم

إن قدرتنا على جمع بيانات الحمض النووي تتطور بسرعة، وقد يكون لدينا بمرور الوقت المزيد من الأدلة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالتغذية وربما حتى المكملات الغذائية. ولكن في الوقت الحالي، توجد فجوة كبيرة بين ما نعرفه، وما يمكننا فعله بهذه المعلومات، إن وجد. انت لست بحاجة لاختبار الحمض النووي أو عينة من البراز لتعلم أن تناول نظام غذائي صحي متنوع، وتقليل الأطعمة المعالجة، واستبعاد الدهون المتحولة، واستهلاك الكحول بكميات معتدلة هي أساليب معقولة لتصميم نظامك الغذائي. من الجدير بالذكر مرة أخرى، وكما ذكرنا عدة مرات من قبل، أن الدليل على تناول الفيتامينات التكميلية ، بشكل عام، محايد إلى سلبي، في حالة عدم وجود حاجة طبية محددة (مثل الحمل)، والحالات التي تكون فيها المكملات الروتينية ضرورية أو مبررة قليلة. كما لا يوجد دليل قوي حتى الآن يظهر أن التوصيات الغذائية المعتمدة على تحليل “الحمض النووي” أو “الميكروبيوم” مفيدة، أو قابلة للتنفيذ، أو تعمل بالفعل على تحسين الصحة العامة.

 

الاء عبد الامير

المصدر:

Scott Gavura, ““DNA-based” personalized nutrition advice: Not ready for prime time”, sciencebasedmedicine.org, February 20, 2020