الجنس من الأمور القليلة التي لا يُمَلُّ منها في الحياة، مهما مارسناه. فالجنس يعتبر وسيلة للبقاء، ليس بقاء الفرد، بل بقاء النوع بأكمله وتمرير الجينات. وحسب علماء النفس التطوريين، فإن الجنس هو أحد ثلاثة أشياء تجذب انتباه الانسان أكثر من غيرها، وبالإضافة إلى الجنس هنالك ستراتيجيات الخوف وجمع الطعام، وهذه الأمور تعتبر مهمة للبقاء. وعلى الرغم من أهمية الجنس، إلا أن الكلام عنه في العلن يعتبر محرماً في الكثير من المجتمعات. حتى إن كان في سبيل العلم وتثقيف المجتمع ببعض الأمراض التي تصاحبه، على سبيل المثال.

ولأهمية الجنس للبقاء، وهي فائدة بعيدة الأمد كان لابد أن يكون مصحوبًا تطوريا ببعض الفوائد الآنية، لكي يجعل الأشخاص راغبين به بإستمرار. وهذه الفوائد هي: خفض ضغط الدم، تقليل مخاطر الإصابة بامراض القلب، تقوية جهاز المناعة، الشعور بالسعادة، تحسين السيطرة على المثانة عند النساء، تقليل الألم، التقليل من خطر الأصابة بسرطان البروستات، تحسين النوم، تقليل الإجهاد والتوتر. وفي هذا المقال سوف نركز على علاقة الجنس بالتوتر.

الجنس يقلل من التوتر

تشير العديد من الدراسات إلى أن الجنس يقلل الشعور بالتوتر والإجهاد. فالحياة اليومية العصرية يرافقها الكثير من الضغوطات، في العمل أو الدراسة أو المنزل أو حتى الازدحامات التي نواجهها يوميا في الطريق. ففي إحدى الدراسات التي أجريت على 46 شخصًا من كلا الجنسين، وجد أن الجنس يقلل من ضغوطات الحياة اليومية. فخلال الدراسة تم إخضاع المشاركين لاختبار التوتر عند التكلم أمام الجمهور وعند القيام ببعض الأمور في العلن، ووُجِد أن الأشخاص الذين لا يمارسون الجنس يمتلكون معدلات توتر أعلى من الآخرين. كما أن بعض الدراسات تقول أن البقاء بقرب الشريك والملامسة العناق تجعل الجسد يطلق هرمونات تقلل من الضغط النفسي وتحفز نظام المكافأة (reward system) في الدماغ.

وفي دراسة أخرى للعلاقة بين الجوانب المختلفة للوظيفة الجنسية للإناث أجريت في منطقة الأهواز في إيران حيث شارك في الدراسة 228 امرأة في سن البلوغ، وتم فحص النساء في المراكز الصحية في الأهواز. وطلب منهن الإجابة على استبيان للمعلومات الشخصية والاجتماعية وذكر مؤشرات الوظيفة الجنسية، وتم إخضاعهن لاختبارات التوتر. ومن ثم قام الباحثون بتحليل البيانات، ووجد أن هناك علاقة قوية احصائياً بين التوتر والوظيفة الجنسية.

يقل التوتر عند ممارسة الجنس نتيجة لإطلاق الدماغ مجموعة من الهرمونات، وهذه الهرمونات تمتص عن طريق الدورة الدموية. ومن بين الهرمونات التي تفرز أثناء ممارسة الجنس هي الإندروفينات (endorphins) حيث يقوم هذا الهرمون مع عدد من الهرمونات الأخرى بتحسين المزاج وتعزيز القدرة على ممارسة التمارين الرياضية، كما أنه يقلل من التوتر.

التوتر يضعف الرغبة الجنسية

التفكير المفرط بمشاكل الحياة اليومية يسلط ضغطا على الإنسان، وهذا الضغط يقلل النشاط الجنسي. فالعديد من الرجال يعانون من ضعف الانتصاب بسبب التوتر والإجهاد الذي تسببه مشاكل تتعلق بالعمل أو مشاكل المنزل. فالانتصاب يكون نتيجة لضخ الدم في أنسجة القضيب عن طريق تمدد الأوعية الدمويه فيه، وعند التوتر تغلق العضلة العاصرة الطريق أمام تدفق الدم إلى الأوعية بشكل تلقائي، لكون الجنس بصورة عامة يدار من قبل الجهاز العصبي اللاإرادي (Autonomic nervous system).

كما أن التوتر يمنع من قيام الدماغ بإطلاق بعض الهرمونات. ومن هذه الهرمونات الهرمون المُطلِق لهرمون المُلَوْتِنْ والذي يطلق عليه (LHRH)، وعند انخفاض هرمون المُلَوْتِنْ ينخفض هرمون التستوستيرون المسؤول عن تكوين الحيوانات المنوية. ويقوم التوتر بجعل الخصيتين أقل استجابة للهرمون المُلَوْتِن. يبدو أن التوتر يتحكم بالدماغ بصورة كاملة.

هذا بالإضافة إلى أن التوتر المزمن يغير تركيز الهرمونات التي يفرزها الدماغ، لأن الجسد سوف يقوم بفرز هرمونات التوتر مثل هرمون الكورتيزول (cortisol) بدلا من الهرمونات التي تساهم في العملية الجنسية. ويقوم الجسد بذلك لأنه يحتاج للتعامل مع حاجات تكون لها الأولوية، فهو يتعامل مع حالات تهدد البقاء (من ناحية تطورية، لا وقت للجنس عند وجود الخطر على حياة الفرد). وهرمونات التوتر لا تتدخل مع الهرمونات التي تتحكم بالنشاط الجنسي، بل تتداخل مع الهرمونات التي تؤدي إلى الإباضة وعدد الحيوانات المنوية والخصوبة.

وللتخلص من الآثار السلبية للتوتر والإجهاد علينا أن لا نفكر في مشاكلنا طوال اليوم، فعلى سبيل المثال، يجب على مشاكل وضغوطات العمل أن تنتهي حال انتهاء الدوام وأن لا نصحبها معنا إلى المنزل، وكذلك عدم التفكير مطولا بأي مشكلة قد تصادفنا خلال حياتنا اليومية. وهذا لا يعني أن علينا أن نتجاهل مشاكلنا، بل يعني التعامل مع المشكلات بطريقة صحية. فتجاهل المشاكل يعني المزيد من التوتر، الغضب، الكآبة، الاضطرابات العاطفية والبدنية. كما أن مجرد الاعتراف أن التوتر يؤثر على النشاط الجنسي للشريك يساعد على إبعاد التوتر.

المصادر:

Andrew Goliszek Ph.D., “The Stress-Sex Connection“,psychologytoday.com, Dec 22, 2014

Jose Catalan MSc, DPM, MCPsych, “Stress and sexual response“, 10.1002/smi.2460020109, John Wiley & Sons, Inc.

Abedi, Parvin, et al. “The relation between stress and sexual function and satisfaction in reproductive-age women in Iran: a cross-sectional study.Journal of sex & marital therapy 41.4 (2015): 384-390.

Kara Mayer Robinson, “10 Surprising Health Benefits of Sex“, webmd.com

Benefits of love and sex“, Page last reviewed: 03/06/2014,  nhs.uk

تدقيق: رمزي الحكمي