تحول الإدمان على العقار الافيوني المُصنّع (الفنتانيل) إلى وباء في الولايات المتحدة، حيث بلغ عدد الوفيات بسبب الجرعة الزائدة 32 ألف في عام 2019، أجريت آخر دراسة استقصائية عن الوفيات بسبب الاستخدام الخاطئ لهذا المُخدر في شهر أيار 2020 خلال تفشي وباء كورونا، وأظهرت ارتفاع الوفيات عن الرقم السابق[1].

ما هو الفنتانيل؟

أقوى مُخدر صناعي مُستخدم للأغراض الطبية، وهو أقوى من المورفين بـ  100 مرة، ومن الهيروين بـ 50 مرة، لذلك فإنه اقوى مُخدر افيوني، ومهدئ للألم على الإطلاق.

تعتبر مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض، الفنتانيل؛ آمناً وفعالاً في حال استخدامه حسب وصفة طبية محددة، ومع ذلك تبقى احتمالية الاستخدام الخاطئ لهذا العقار، عالية.

تتعدد الأشكال الصناعية للفنتانيل، فالمرضى يأخذونه على شكل حُقن، أو لواصق على الجلد، أو حبوب مُحلاة للحلق، وقُد يُصنّع غير قانونياً على شكل حبوب أو مسحوق، أو يُعلب على شكل قطرات للعيون، أو بخاخات للأنف[2].

ميزاته الدوائية:

يتميز الفنتانيل عن بقية العقاقير الافيونية بعدة خواص صيدلانية مناسبة أهمها:

  • سرعة التصفية المصلية [مصطلح صيدلاني يعني أن العقار ينسحب من الجسم عن طريق الكبد، فيكون مصل الدم خالياً من العقار أسرع من غيره].
  • الفعالية العالية.
  • يسبب تحسس أقل لأنه يحفز إطلاق كمية قليلة من الهستامين مقارنة بغيره.
  • يخترق الحاجز الدماغي- الدموي بسرعة، وبذلك يسبب تسكين الألم في اقل من 120 ثانية.
  • مستويات المصل التي تحتوي على العقار تنخفض بسرعة، بسبب الامتصاص البالغ للعقار من قِبل الانسجة.
  • تمتد فعالية تسكين الألم للفنتانيل لمدة (30-40) دقيقة.

آلية عمل الفنتانيل:

مثل بقية المشتقات الأفيونية، يعمل الفنتانيل عن طريق ارتباطه بمستقبلات الأفيون في منطقة خاصة بالدماغ تتحكم بالألم والانفعالات[3]، عند ارتباطه، يسبب الفنتانيل تغييراً في إطلاق أنواع مختلفة من النواقل العصبية، مثل بيتا-اندورفين، حيث يمنع تصاعد الألم في المسارات العصبية مما يؤدي إلى رفع عتبة الألم، وبالنتيجة يحدث تسكين الألم وهبوط معدل التنفس، والخَدر العام، كما ويسبب تصلب في جدران الصدر حتى وإن اُستُخدم على شكل جرعات علاجية[4][5].

التأثيرات الدماغية:

يسبب الفنتانيل اضطراباً في مستويات الجلوكوز والاوكسجين في منطقة بالدماغ تُدعى النواة المتكئة (nucleus accumbens)، حيث يسبب تسارعاً في انخفاض الاوكسجين في هذه المنطقة الدماغية، كما أنه يرفع من مستوى الجلوكوز في نفس المنطقة بشكل متأخر ومطوّل، كما أنه يسبب انخفاض الاوكسجين في منطقة دماغية أخرى وهي اللوزة القاعدية الجانبية (basolateral amygdala) وهذا يؤدي الى نقص الاكسجة في الدماغ ككل، أما بالنسبة للحرارة فإن الفنتانيل يحفز تغييراً ثنائي الطور، الأولي يسبب هبوطاً في الحرارة تبعاً لإتساع الأوعية الدماغية المحيطية نتيجة لإنخفاض المعدل التنفسي  والذي يحفز نقص الاكسجة الدماغية، ثم يرتفع مستوى ثاني أوكسيد الكربون نتيجة لإرتفاع الجلوكوز في النواة المتكئة، أما الارتفاع الثانوي في درجة الحرارة يكون رد فعل ايضي دماغي على ما سبق، للإيضاح: يسبب الفنتانيل هبوط في معدل التنفس الذي يسبب انخفاض في اكسجة الدماغ يتبعه ارتفاع في مستوى سكر الجلوكوز الدماغي، وكِلا هذين التأثيرين يسببان تغييراً بطيئاً في حرارة الدماغ وفعاليته الأيضية[6].

الأعراض الجانبية، الجرعات، الجرع المفرطة والقاتلة:

الأعراض الجانبية الشائعة لإستخدام الفنتانيل تكون أخف حدة من المورفين والهيروين، وهي: الغثيان والدوار والتقيؤ والإعياء والصداع والإمساك وفقر الدم والوذمة الطرفية (تورم اليدين والقدمين). يحدث التعوّد والإدمان عند تكرار الاستخدام، أما أعراض الانسحاب المميزة فهي تحدث عند التوقف عن التعاطي: التعرّق والتلهف الشديد والإسهال وألم العظام وتقلصات معويّة.

من الممكن حدوث اضطرابات خطيرة في حال مزج تعاطي الفنتانيل مع الهيروين أو المورفين أو الكحول.

تسبب الجرعة المفرطة انحساراً تنفسياً (نقص التهوية) والذي يُعالج بعقار يُدعى النالوكسون.

تحدث الوفاة المفاجئة بعد تعاطي الفنتانيل لسببين؛ السكتة القلبية، أو الصدمة التأقية (رد فعل مناعي حاد من فرط الحساسية).

جرعة الفنتانيل القاتلة تُقدر بـ 2 ملغرام [1 ملغرام= 0.001 غرام]،

أما جرعة تسكين الألم فتتطلب 1-2 ملغرام/ مل، وجرعة التخدير العام تتطلب 10-20 نانوغرام/ مل، [النانو= 9 مراتب خلف الفارزة، أي أن 1 نانوغرام = 0.000000001][7].

 ادمان الفنتانيل وعلاجه:

يعتبر الفنتانيل واحد من أكثر المواد المتداولة للإدمان في الولايات المُتحدة، حيث سُجل 2 مليون نسمة من المدمنين على هذا العقار، ولم ينتظم في العلاج سوى 170 الفاً، ربما يكون السبب على كثرة إدمانه هو تعدد الأشكال التي يُصنّع بها هذا المُخدّر.

أعراض الإدمان:

  • التقبّل، أو الاحتياج الدائم للتعاطي للوصول إلى حالة النشوة المرغوبة.
  • التعاطي لتجنّب أعراض الانسحاب السيئة.
  • استحواذ الفنتانيل على تفكير المتعاطي، حيث يود المتعاطي حيازته وتعاطيه.
  • الفشل في الإقلاع عن التعاطي.
  • الابتعاد عن النشاطات الاجتماعية لأجل تعاطي الفنتانيل.
  • الإصرار على تعاطي الفنتانيل، على الرغم من تأثيراته السيئة.

كيفية العلاج:

لا يمكن علاج الإدمان بسرعة، فالرجوع إلى الحالة الطبيعية قبل الإدمان لن يتم بين ليلة وضحاها، الشفاء من الافيونيات يتطلب من الوقت ما لا يقل عن سنة واحدة. حيث يخضع المدمنون إلى برامج علاجية تتضمن اعطائهم جرع من الميثادون، والبوبرينورفين [عقاران مسكنان للآلام ينتميان إلى العائلة الأفيونية]، أما المتعاطي الذي يتعرض للجرعة الزائدة فيُعطى النالوكسون، ويُتبع مع المدمنين طرق وأساليب علاجية مختلفة، ومن المعروف أن المدمنين يعانون من القلق والتوتر، لذا يتبع معهم مناهج علاجية تتضمن ممارسة اليوغا، حيث أثبتت دراسات أن ممارسة اليوغا لمدة ساعتين على الأقل تخفض من التوتر بنسبة 15%، كما وأثبتت دراسات أخرى أن تطبيق البرنامج التقليدي يؤدي بـ 17% من المرضى إلى الأنتكاس -العودة إلى التعاطي- خلال سنة من العلاج، بينما إذا تم علاج المدمن ببرنامج الـ 12 خطوة  يعود 12% من المدمنين الى التعاطي بعد الشفاء، بينما يعود 9% منهم فقط إذا تم العلاج ببرنامج التأمل الواعي، وبشكلٍ عام، فإن العناية الشاملة التي تتضمن أساليب علاجية متنوعة تؤدي إلى شفاء أكثر الحالات تعقيداً[8].

المصادر

[1]US CDC.GOV, Fentanyl

[2] Fyntanyl, Medical News Today

[3] Fyntanyl, National Institute on Drug Abbuse

[4] fentanyl (Rx), Medscape

[5] Amanda Lofton, Fentanyl, Editor(s): Philip Wexler, Encyclopedia of Toxicology (Second Edition), Elsevier, 2005, Pages 322-324, ISBN 9780123694003,

[6] Solis, Ernesto, et al. “Fentanyl-induced brain hypoxia triggers brain hyperglycemia and biphasic changes in brain temperature.” Neuropsychopharmacology 43.4 (2018): 810-819.

[7] Fentanyl drug profile, emcdda.europa.eu

[8] Fentanyl Addiction, Side Effects & Rehab Treatment, americanaddictioncenters.org

راجعت المقال ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 50  شهري يوليو-اغسطس 2022