ان عملية تقوية الذاكرة وتعزيزها تحول الذكريات من تصنيف الذكريات قصيرة الامد الى الذكريات طويلة الامد, على سبيل المثال انت التقيت بشخص يدعى سعيد محمد في حفلة وقد رأيت شكله وسمعت اسمه وقد كنت منتبها بفعل الاجواء الاجتماعية للحدث. إذ ستحفظ هذه الذكريات في ذهنك وبالذاكرة الانيةالمعلومات الشعورية كالصور والاصوات والملمس تدار بشكل مستقل في الذاكرة الانية, من خلال تناول جوانب عديدة من الخبرة وشمل المعلومة بأكثر من حاسة يمكن ان تتحول المعلومة الى الذاكرة العاملة ثم تتحول بعد ذك الى الذاكرة طويلة الامد من خلال التعزيز والتقوية بواسطة التكرار او التركيز كما اسلفنا.
إذا اعطيت انتباهك لشئ ما فإن العلاقة بين الرؤية والسمع ستجتمعان ويتم تحويل المعلومات التي نحصل عليها الى الذاكرة العاملة في مكان ما في الفص الجبهي من الدماغ, غير ان المعلومات ستخسر بعض خصائصها عندما تتحول من الذاكرة الانية الى الذاكرة العاملة, مثلا لا يمكن ان نتذكر الاصوات الواقعة في اجواء الحفلة اثناء تذكرنا ما شاهدناه عن طريق الذاكرة العاملة (working memory) وربما لن تستطيع ان تتذكر لون حذاء سعيد محمد الذي تعرفت عليه قبل قليل في الحفلة. وتلك الخاصية أي خسارة المعلومات المشتتة هي احدى اهم خاصيات ذاكرة الانسان, وهي ضرورية للخزن الفعال وتنظيم الخبرات المخزونة في الدماغ.
في هذه النقطة قد تفكر ان تلون الحدث عن طريق ذكر الاسم لنفسك عن طريق انشاء رابط مساعدة للذاكرة (mnemonic ) فتقول (سعيد محمد الذي يبدو سعيدا كأسمه) ولهذا الرابط دور في تحويل المعلومة من الذاكرة العاملة الى الذاكرة طويلة الامد, بالعملية التي تسمى (consolidation) أي الاندماج والتي تتمثل بطرح المعلومات المشتتة كلون الحذاء او وجود ساعة يدوية من عدم وجودها لسعيد محمد, غير انك ستكون قادرا على تذكر وجه سعيد واسمه والشخص الذي قام بتعريفك له. وعملية الدمج هذه عملية حساسة للمقاطعة, فإذا تم صرفك عن السيد سعيد محمد والتفكير به حالما قمت بالتعرف عليه ستجد صعوبة فيما بعد في تذكر اسمه.
إذا خلاصة الامر فإن حدث التعرف على سعيد محمد بدأ في الذاكرة الانية, وانتشر في اماكن عديدة من الدماغ وتمت تقويته بواسطة جمع النظر والسمع سوية فصار الحدث مخزونا في الذاكرة العاملة وقد حدث ذلك في الفص الجبهي من الدماغ ثم تمت تقويته اكثر عن طريق ذكر اسمه وربط صفة اسمه (سعيد) بوجهه الذي تبدو عليه السعادة فتم تحويل المعلومة الى الذاكرة طويلة الامد وذلك في منطقة الحصين (hippocampus) في الدماغ وقد تكون العلاقة النهائية قد خزنت بشكل موزع في قشرة الدماغ غير ان الابحاث حول ذلك لا تزال غير حاسمة.
هل يمكن للذاكرة ان تتطور؟
ان ما فهمناه من الاجزاء السابقة لهذا المقال (لماذا ننسى و كيف نتذكر ولماذا ننسى؟) هو ان الانسان يستطيع ان يتذكر القليل من التركيبات المعقدة للبيانات بينما يمكن للحاسوب ان يتذكر الكثير من التركيبات البسيطة للبيانات, انه من السهل جدا على الانسان ان يتذكر اربعة صور من تذكر اثنين واربعين رقما, الامر المناقض تماما للحاسوب وذلك يرجع الى طريقة تكويننا للذكريات من خلال الانتباه والتأثر الشعوري والدمج (consolidation) التي تعمل سوية لتشكيل خصائص الحدث التي سنتذكرها فيما بعد.
من وجهة النظر التطبيقية نستشف ان ما تعلمناه بشكل جيد وفهمناه بشكل جيد يمكننا ان نتذكره بشكل افضل, او ان الاشياء المهمة عاطفيا وشعوريا بالنسبة لنا يمكن تذكرها بشكل افضل.
انه من السهل تذكر ان السويقة النخامية (hypophysial stalk) تربط جزء تحت المهاد (hypothalamus) من الدماغ مع الغدة النخامية (pituitary gland) إذا كنا نعرف الكثير عن علم الاعصاب, ولكن الاسهل منه ان نتذكر اننا احببنا شخصا كان يعاني من ورم في ذلك الجزء بالضبط تحت الدماغ داء السكري هو الاخر قد لا نعلم عن تفاصيله اي شئ ولكن قد نصبح خبراء به اذا ما اصيب به شخص مقرب.
ستراتيجيات الربط والتعلم في سياق معين (contextual learning) والسرد التكراري بالاضافة الى التأثيرات الشعورية والعاطفية هي طرق تسهل علينا حفظ الاشياء المهمة لنا. من خلال التركيز على ستراتيجيات تقوية الذاكرة في الدماغ ربما نكون قادرين على تعلم المزيد من المعلومات في وقت اقصر وبشكل يجعلها مفيدة لنا طوال حياتنا. هذا التركيز يتطلب منا فهما لحدود ذاكرتنا, الدماغ لا يستطيع ان يتذكر بسهولة كميات كبيرة من الكلمات او قوائم الشراء او القوائم الطويلة من الارقام غير المترابطة. بينما يمتلك الدماغ قدرة استثنائية خارقة في تذكر الاحداث بتفاصيل كثيرة ومتشعبة. هذا من جانب التطبيق اما الجانب العملي لستراتيجيات الربط هذه فهو معقد الى حد لا يستوعبه مقال صغير كهذا.
like