باحثون قد يملكون إجابة عن المقاومة للمضادات الحيوية. هذه الإجابة تتضمن استعمال “التخلق المتوالي (علم التخلق)“ لإعادة برمجة (تنظيم) البكتيريا.
تغيير “البرمجة الوراثية” لكائن ما أسهل مما تتوقع، فمع توفر التقنيات المستعلمة لتغيير ال (DNA) على المستوى الجزيئي وشيوع استعمالها صار من الممكن بسهولة أن نشغل الجينات أو نعطلها بدون تغيير دائم في المادة الوراثية الأساسية، وهذا يعني انه باستطاعتنا أن نؤثر على التعليمات الوراثية التي ترسل إلى جسم الكائن الحي عن طريق تغيير البيئة أوعن طرق الأدوية.
مجال “التخلق المتوالي” أو “علم التخلق” ساعد الأطباء على فهم كيفية عمل بعض الأمراض؟ لماذا يمكن للتمارين الرياضية أن تكون مفيدة؟ و كيف بإمكاننا أن نؤخر عملية التقدم في السن؟
حديثا تمت دراسة طريقة يمكن أن تؤثر على “التخلق المتوالي” للبكتيريا يمكن أن تكون قادرة على إيقاف العدوى بدون استعمال المضادات الحيوية. في الوقت الذي تصبح فيه العديد من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، يمكن أن تتاح لنا طريقة حيوية جديدة في معالجة الأمراض.
الدراسة تبحث في بكتيريا (Acinetobacter baumannii) التي هي سبب رئيسي في إصابة الناس بعدوى تتسبب في دخولهم المستشفى وتقتل أكثر من 70% من المصابين. المضاد الحيوي يصبح غير فعال لبعض سلالات هذه البكتيريا وتم تصنيفها من قبل منظمة الصحة العالمية، بأنها البكتيريا الأكثر خطرا على حياة الانسان.
العمل على علاج يسمى بال “المضاد الجرثومي” هذا العلاج لا يقتل البكتيريا وإنما يجعلها غير مؤذية بالتالي فإن الجهاز المناعي للجسم يقوم بالتخلص منها تماما دون أن يترك أياً منها لتصبح مقاومة للعلاج. الاتيان بطريقة تؤثر على “التخلق المتوالي” للبكتيريا تقودنا للحصول على بكتيريا غير مؤذية يمكن أن تساعدنا على خلق علاج “مضاد جرثومي” جديد يمكن أن يكون إسهاما كبير في مجال الطب.
للشروع في هذه العملية علينا أولا أن نجري تبديلات في عملية “التخلق المتوالي” في جسم الانسان، حيث أن الطريقة الأكثر شيوعا للتأثير على “التخلق المتوالي” في أجسادنا هي إضافة جسم جزيئي صغير إلى المادة الوراثية يستطيع أن يشغل أو يعطل بعض الجينات. على وجه التحديد يمكن إضافة مجموعة الأسيتايل (acetyl) إلى بروتين مهم يسمى هستون (histone).
بروتين الهستون (histone) ينظم جزيئة طولها 2 م من ال DNA، بحيث يجعلها تنتظم بصورة منظمة داخل خلايا يبلغ طولها 100 مايكرومتر. إضافة جزيء الأسيتايل (acetyl) وهي في الأصل عملية طبيعية توجد في الخلايا لتغيير الطريقة التي يتفاعل بها الهستون مع ال DNA. إضافة جزيء الأسيتايل يفعل بصورة طبيعية بعض الجينات وهذا يعني تغيير الطريقة التي تتصرف بها الخلية. الفشل في عملية إضافة الهستون يعود إلى أمراض منها السرطان وأمراض الجهاز القلبي الوعائي والعديد من اضطرابات الجهاز العصبي.
الخلايا البكتيرية تمتلك بروتين الهستون الخاص بها واسمه (HU) الذي ينظم الDNA وهو مهم في جعله يقوم بكل وظائفه. البكتيريا التي يشار له بأنها إيجابية لصبغة غرام (Gram-positive) مثل تسبب التهابات الحلق والجلد لا تستطيع أن تنجو بدون عمل (HU). و البكتيريا السلبية لصبغة غرام (Gram-negative bacteria) التي تسبب التهابات المسالك البولية والإسهال مثل ( Salmonella enterica ) تصبح أقل إيذاءً بدون ال (HU).
أدوية جديدة
الدراسة وجدت بأن إضافة جزيء الأسيتايل إلى (HU) يؤثر بشكل كبير على تفاعله مع ال DNA. وهذا يعني أن هذه الإضافات تصنع بصورة كبيرة التغيير في “التخلق المتوالي”، بالتالي تؤثرعلى كيفية نمو البكتيريا وكيف تسبب عدوى في الأحياء الاخرى. و عليه إذا تمكنا من صنع دواء يمكنه فعل هذه التغييرات في بروتين البكتيريا بهذه الطريقة، يمكن أن نمتلك طريقا جديدا لإيقاف العدوى.
وهذا يشكل تحديا مهما في مجال الطب في الوقت الراهن، لاأن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تقتل قرابة 700 الف شخص حول العالم. وإذا لم نجد علاجا جديدا، فإن معدل الموتى سيرتفع إلى قرابة 10 مليون بحلول عام 2025.
حالما نحدد الرابط بين تغييرات معينة في “التخلق المتوالي” والعدوى البكتيرية، يمكننا أن نبدأ في البحث عن مواد تغير “التخلق المتوالي” في البكتيريا بهذه الطريقة لنجعلها أقل ايذاءا. هناك في الواقع العديد من الجزيئات التي تقوم بهذا الغرض في “التخلق المتوالي” في الإنسان بنفس الطريقة في التجارب السريرية أو التغييرات قبل السريرية. بالتالي فإن العلاج الذي سيطفئ قابلية البكتيريا على التسبب بالعدوى ليس ببعيد.
المقال الأصلي:
“Killing bacteria: can we just turn off its ability to cause infections”, smithsonianmag.com
مراجعة: رمزي محمد