عندما نفكر بعلاقة  الطقس مع الحالة المزاجية، فإن الظن يميل لربط الشتاء بالتعب والتعاسة، لطول ساعات ليله، وقُصر نهاره وساعاته المُشمسة، وإن الاسترخاء يكون  تحت اشعة الشمس اثناء التسكع مع الأصدقاء او الجلوس على السواحل، الا اننا قد نغفل مدى تأثير الحرارة سلباً على حالتنا المزاجية، بجعلنا أكثر توتراً وعصبية. فقد أجريت دراسة في جامعة كولومبيا- الولايات المتحدة، أفادت بأن الأيام ذات الحرارة المريحة بين (15.5-21 س)، يسجل فيها عدد أقل من الذين تصيبهم مشاكل عصبية، بينما تسجل الأيام الحارة عدداً اكبر من تلك الحالات [1]. 

يصبح الناس على قدر عالي من التوتر والعصبية خلال فصل الصيف فهل هناك نظرية تفسر هذه الحالة؟ نعم. فقد اجرى فريقٌ من الباحثين من بولندا دراسة تبحث في الصلة بين ارتفاع درجات الحرارة وصعود مستويات التوتر. فقد حيرت هذه الظاهرة الباحثين على مدار عقود. ووصلت الدراسة إلى أن الكورتيزول  وهو الهرمون المسؤول عن التوتر، ينخفض في الشتاء ويرتفع بارتفاع الحرارة، وهذا قد يؤثر على جوانب اخرى من صحة الفرد، حيث ان الكورتيزول مسؤول عن تنظيم مستويات محاليل الأملاح والسكر في الجسم.

تفاجأت الدكتورة دومينيكا كانيكاويسكا استاذة الفسلجة المرضية من جامعة بوزنان للعلوم الطبية البولندية، حين رأت كمية كبيرة من الكورتيزول تسري في الجسم خلال الطقس الحار، وتقول: “ان هذا الاكتشاف غير المسبوق يُعارض المفاهيم الشائعة عن الكلفة الجسدية في الشتاء، وحالة الاسترخاء المرتبطة بالصيف”. ان العينات الاولية جمعت من احصائيات الجرائم، وعلاقتها بالطقس، حيث بيّن التقرير علاقة انخراط المجرمين بالعنف مع الطقس الحار. كما بينت عدة نظريات ارتباط الطقس الحار بتحفيز هرمون التستوستيرون الذي بدوره يقوم بتحفيز الجهاز العاطفي (السمبثاوي)، بعد فعاليات ايضية متعددة.[2]   

وعلى الرغم من اجراء العديد من الدراسات التي تربط ارتفاع درجة الحرارة بالوفيات، الا ان العلماء قد بدأوا للتو بتحليل تأثير الطقس الحار على الصحة النفسية للإنسان، وإن هذا المجال البحثي المستحدث، قد اكتشف (ارتفاع التقارير في تدهور الحالة الصحة النفسية، ظهور المشاعر السلبية، ارتفاع معدلات الانتحار) بارتفاع درجات الحرارة.

اُدرج تطوير الصحة النفسية لأول مرة ضمن أجندة الامم المتحدة للتنمية المستدامة، كهدف ينبغي إنجازه عام2030م، الا ان تحقيق هذا الهدف يُعد تحدياً في عالم متزايد الصعود بالدفء، فإن ارتفاع درجات الحرارة سيجعل من الصعب تحقيق شعار “نحو صحة جيدة ورفاه” .

يدرس البحث الذي أجري من قبل مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض الامريكية العلاقة بين التغيرات اليومية وارتفاع درجات الحرارة وقد أجري من خلال التقييم الذاتي باستخدام الاستبيانات عن طريق الاتصالات الهاتفية بـ 3 مليون شخص امريكي بين عامي 1993 و 2010، ونتجت عن البحث إحصائيات توضح التكلفة الاقتصادية جراء تأثير ارتفاع درجة الحرارة على الصحة النفسية. [3]

لكن ما لم تتم تغطيته في بحث مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض، هو تتبع أي المجموعات البشرية والاجتماعية والاقتصادية تكون اكثر ضعفاً في ايام الحر، باستخدام عوامل على مستوى المجتمعات، مثلاً التلاصق الاجتماعي، وبيئة الاحياء، وكذلك فعاليات تكيف الافراد (السفر واستخدام المكيفات)، وهذه العوامل تتوسط تأثير الحَر بالصحة النفسية. على سبيل المثال، فقد أظهرت دراسات سابقة أنه بغياب وجود أجهزة التكييف لأصبحت معدلات الوفيات المرتبطة بالحر أكثر مما هي عليه، فلو طبقنا هذه الدراسة على الصحة النفسية، هل سنجد نفس الاجابة؟

مصادر:

  1. Li, Mengyao, Susana Ferreira, and Travis A. Smith. “Temperature and self-reported mental health in the United States.” PloS one 15.3 (2020): e0230316.
  2. Kanikowska, Dominika, et al. “Seasonal variation in blood concentrations of interleukin-6, adrenocorticotrophic hormone, metabolites of catecholamine and cortisol in healthy volunteers.” International journal of biometeorology 53.6 (2009): 479.
  3. Hotter weather brings more stress, depression and other mental health problems, theconversation.com, March 25, 2020