تغذية الارهاب : كيف يصنع المتطرفون رغم إعتقادنا بأن الإرهابيين  هم عبارة عن أشخاص يعانون من السادية وأمراض نفسية آخرى، إلا أن علماء النفس الإجتماعي يعتقدون بأن أغلب أولئك الإرهابيين هم في الأصل أناس عاديين، يتم قيادتهم عبر ديناميكية المجموعة للقيام بأعمال مؤذية للآخرين لأسباب يعتقدون بأنها نبيلة وعادلة.

إن الاٍرهاب هنا يعمل على إعادة تشكيل تلك الديناميكية لإظهار القيادة المتطرفة بصورة اكثر جاذبية للآخرين. كما هو الحال في العلاقة بين داعش والسياسيين في الغرب، حيث تستفاد داعش من مواقف السياسيين غير المعتدلين لجذب الانصار،  فإن أولئك السياسيين يكسبون تعاطف ودعم اكبر بسبب مواقفهم من داعش.

ايضاً ان سوء فهم او استنكار قيمة الآخرين يودي الى اثارة الغضب والسخط تجاه السلطات.

تغذية الارهاب : كيف يصنع المتطرفون

إن الحدة والعنف المتصاعد من الاٍرهاب يصنف من بين اكثر التوجهات التي تسبب قلقاً للعالم اليوم. طبقاً لمؤشر الارهاب العالمي لعام 2015 (Global Terrorism Index)، ان حالات الموت المرتبطة بالارهاب تضاعفت عشر مرات منذ بداية القرن الواحد والعشرين، ارتفعت الإعداد من ٣٣٢٩ في عام ٢٠٠٠ الى ٣٢٦٨٥ في عام ٢٠١٤. فقط بين عامي ٣٠١٣-٢٠١٤ ارتفعت بنسبة ٨٠٪‏. بالنسبة لعلماء النفس الاجتماعي ان ذلك التصعيد يطرح العديد من الأسئلة الملحة: كيف تستطيع المجموعات المتطرفة التعامل مع الكائن البشري مع كل تلك الوحشية؟ لماذ ينجذب الشباب من حول العالم الى تلك الاعمال البربرية العنيفة؟ ما هي طبيعة مجنديهم، وبماذا يفكرون عند استهدافهم الناس الأبرياء؟.

العديد من الناس يفترض انه فقط السادي او من يعاني من اضطراب نفسي قادر على ارتداء حزام ناسف او قادر على استخدام السيف للقيام بعملية إعدام. لكن وبكل أسف فإن هذا الافتراض خاطيء. الفضل يعود في معرفة ذلك الى الدراسات الكلاسيكية في الستينات والسبعينيات والتي منها عرفنا انه حتى الانسان الاعتيادي والذي لا يعاني من شيء قادر على التسبب بالأذى لآخرين لم يسببوا له اي اذى مطلقاً. مثال على ذلك تجارب ستانلي ميلغرام “أطاعة السلطة”، والتي أظهرت قدرة المشاركين على توجيه صعقة كهربائية لآخرين بمجرد ان طلب منهم ذلك عاملون في المختبر. وايضاً تجارب زميله فيليب زيمباردو والتي فيها قام طلاب مثلوا دور السجانين بإهانة طلاب اخرين قاموا بادوار السجناء (تجربة سجن ستانفورد).

تلك الدراسات اثبتت عملياً ان اي فرد قادر على ارتكاب فعل متطرف تحت الظروف المناسبة او حتى الغير مناسبة ايضاً. الأمر كذلك بالنسبة للارهابيين. من وجهة نظر نفسية فان معظم المنتمين إلى الجماعات المتطرفة أناس عاديون وليسوا وحوشاً كما نميل الى الاعتقاد، ولا يختلفون عن الأمريكان الذين اشتركوا في تجارب ميلغرام وزيمباردو. كما بين ايضا عالم الأنثروبولوجيا سكوت اتران (Scott Atran)، بأنهم أناس عاديين مستنداً الى تجربته الطويلة في دراسة أولئك القتلة و ما الذي يحول احدهم الى متطرف، أوضح ذلك اتران في كتابه “الحديث مع العدو”، ” انه ليس عيباً متأصلاً في شخصية الفرد، لكنه تغير للشخصية حسب ديناميكية المجموعة التي ينتمي اليها”.

بالنسبة لميلغرام وزيمباردو، ان هذه الديناميكية للمجموعة تفرض التطابق على الفرد ضمن المجموعة- إطاعة القائد او التطابق مع وجهة نظر الأغلبية في تلك المجموعة. خلال نصف القرن المنصرم، تطور فهمنا لكيفية سلوك الفرد سواء داخل او بين المجموعات. ان النتائج البحثية الحالية مثلت تحدي لمفهوم ان الفرد يصبح زومبي داخل المجموعة او انه يتعرض لغسيل الدماغ بسبب الكاريزما المتعصبة. تلك الرؤى توفر نظرة جديدة لفهم نفسية المتطرف والتجارب التي تمهد الطريق له باتجاه التطرّف.

خصوصاً ونحن نفهم بان التطرّف لا يحدث من الفراغ لكنه يحدث جزئيا بسبب الخلافات بين الجماعات والذي يستغل من قبل المتطرفين. على سبيل المثال، اذا قمنا بتشجيع مجموعة من غير المسلمين بخصوص معاملة المسلمين بخوف وعدوانية، فان أولئك المسلمين البعيدين عن اي تطرف سابقاً ربما يشعرون بالتهميش ويبدؤون بالاستماع للأصوات المتطرفة الموجودة بينهم. كذلك الحال، اذا قمنا بتشجيع مجموعة من المسلمين على معاملة اشخاص غربيين بعدوانية، فان أولئك الغربيين سيتجهون الى اختيار قيادات اكثر مجابهة للمسلمين. مع اننا نعتقد بان التطرّف الاسلامي والإسلاموفوبيا متعارضان تماماً، فان الاثنان متشابكان بشكل معقد جداً. ان هذا الإدراك يعني ان إيجاد حلول لضرب الاٍرهاب تعتمد علينا بشكل اكبر من اعتمادها عليهم.

اتباع القائد

ان نتائج ميلغرام وزيمباردو بينت انه تقريباً بإمكان أي شخص ان يصبح متعسفاً. مع ذلك، لو  نظرنا بشكل اقرب لتلك النتائج، لوجدنا ان اغلب المشاركين في التجارب لم يصبحوا كذلك. إذن مالذي يميز الذين أصبحوا متعسفين؟ عالما النفس هنري تاجفل وجون تورنر أعطوا جزءاَ من الجواب عن ذلك السؤال في الثمانينات. افترضوا ان سلوك المجموعة ونفوذ القائد فيها يعتمد بشكل حاسم على عاملين مترابطان: التطابق وعدم التطابق. بشكل خاص، بالنسبة لأي فرد في المجموعة يجب عليه ان يتطابق مع رؤى أعضاء تلك المجموعة، وفي نفس الوقت يجب عليه ان يقطع صلاته مع الآخرين من هم خارج مجموعته.

لقد قمنا باثبات تلك الديناميكية من خلال عملنا الذي أعاد مرة اخرى نماذج زيمباردو وميلغرام. ضمن عدد من الدراسات المختلفة، وجدنا كما فعل ذلك من قبل تاجفل وتورنر، ان المشاركون يميلون لارتكاب الأفعال الجائرة فقط الى الحد الذي  يتطابق فيه عملهم هذا مع الدافع الذي يقودهم للقيام بذلك – وفي نفس الوقت لإثبات عدم تطابقهم وانتمائهم  للآخرين الذين يؤذونهم. كلما زادت أهمية الباعث الذي يؤمنون به، كلما زادت تبريراتهم للأفعال التي يقومون بها.

هذا الفهم ينسجم مع نتائج الأبحاث التي تبين دوافع الإرهابيين. مارك ساغمان (Marc Sageman) الطبيب النفسي العدلي والموظف السابق في CIA أكد في كتابه المعنون “فهم شبكات الاٍرهاب” على ان الارهابيين مؤمنين حقيقيين يعلمون ما يفعلون. “ان المجاهدين كانوا قتلة متحمسين، ليسوا روبوتات تستجيب ببساطة لضغوط المجتمع او ديناميكية المجموعة”، ساغمان. وهو ايضاً لم يهمل أهمية القائد القاهر- مثل اسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي- لكنه افترض ان دور أولئك القادة الأهم يكون توفير الإلهام  روحي للأتباع مقارنة مع إدارة العمليات او إصدار الأوامر.

بالتاكيد، هنالك ادلة قليلة تبين ان العقول المدبرة للجماعات تقوم بتنسيق الاعمال الإرهابية، بعض النظر عن اللغة التي تستعملها وسائل الاعلام عند الإعلان عن مثل تلك الأحداث. هذا يضعنا امام التحول الثاني في تفكيرنا عن ديناميكية المجموعة: لقد قمنا بمتابعة افعال الناس عندما يكونون تحت تأثير السلطة الحاقدة منها او غير ذلك، وجدنا انهم عادة  يظهرون طاعة العبيد لكن بدلاً من ذلك فانهم يجدون طرق فريدة للتعزيز من برامج وفعاليات المجموعة. على سبيل المثال، بعد نهاية تجربة سجن ستانفورد قام احد الحراس بسؤال احد المسجونين الذين قام بإهانته، ماذا ستفعل لو كنت بمكاني. اجاب السجين “لا اعتقد أني سأكون مبدع كما كنت انت. لا اعتقد أني امتلك الخيال الكافي لأضيف لما كنت سأفعله …لا اعتقد أني سأكون تحفة فنية”. الارهابيون ايضاً، يميلون إلى ان يكونون مستقلين بذاتهم ومبدعين، كما ان عدم وجود هيكل قيادة هرمية يزيد من صعوبة مواجهة الاٍرهاب.

كيف يمكن لقادة الاٍرهاب جذب كل ذلك الالتزام من قبل اتباع يتصفون بالقدرة على الإبداع اذا لم يكونوا هم المصدر المباشر للأوامر؟ اكتشافات اخرى تعود لعقود سابقة، ركزت على دور القادة في بناء شعور الانتماء وهدف المجموعة، وايضاً مساعدة الأعضاء على صياغة تجاربهم الخاصة. يمكنون اتباعهم من تأسيس قضية مشتركة وفي نفس الوقت يمكنون بالقوة اللازمة تشكيل تلك القضية. بالتاكيد، ان تجارب ميلغرام وزيمباردو تمثل دروس موضوعية توضح كيفية خلق هوية انتماء مشتركة يمكن ان تستعمل لتحشيد الناس باتجاه نهايات مدمرة. كما قاموا بإقناع المشتركين في دراستهم بإيذاء الآخرين تحت عنوان تحقيق التقدم في العلم، كذلك يفعل القائد الناجح مع اتباعه بإقناعهم ان ما تقوم به المجموعة يعود بالشرف والنبل لهم.

كلا التنظيمين القاعدة وداعش نشر تلك الستراتيجية. ان الجزء الأكبر من جاذبيتهم يعود الى ادعائهم ان القيام بالاعمال الإرهابية هدفه الوصول الى مجتمع أفضل – يشبهونه لهم بالمجتمع الذي عاش فترة الرسول محمد. في السنة السابقة قامت استاذة الصحافة شهيرة فهمي من جامعة اريزونا بتحليل منهجي لدعاية داعش ولقد وجدت فقط حوالي ٥٪‏ مما يصور هذا النوع من العنف الوحشي موجود على شاشات التلفزيون في الغرب. بينما الأغلبية  العظمى تبرز الرؤى المثالية عن الخليفة، والتي من الممكن ان توحد المسلمين بانسجام. علاوة على ذلك، العنصر الأهم في نجاح داعش – والذي يجعلها اكثر تهديدا من القاعدة – هو الإعلان عن قيام دولة. على الأقل في عقله الكهنوتي، وهذا يعطي انطباع بانه يمتلك الوسائل للوصول الى تكوين الخليفة الحقيقي.

مع ذلك، فان مصداقية ونفوذ أولئك القادة لا يعتمد فقط على ما يقولون او ما يفعلون، هو يعتمد ايضاً على سلوك المعادين له. الدليل على ذلك يظهر من عدة تجارب قام بها احدنا (هاسلم) و ايلكا گلبس من مدرسة لندن للاقتصاد والتي بحثت في كيفية اختيار الناس لقادتهم. احد اهم النتائج كانت هو ان الناس تميل الى دعم القائد الميال للقتال اذا كانت مجموعتهم تواجه منافسة من مجموعة اخرى تتصرف بشراسة. ان المرشح الجمهوري دونالد ترامب ربما كان حكيماً ليتأمل بهذا الامر قبل ان يقترح بانه يجب منع المهاجرين المسلمين من الدخول الى امريكا لأنهم أعداء محتملون. مثل هذا التصريح يعطي الكثير من الجاذبية لقضيته. وبالتاكيد بعد تصريح ترامب هذا، قام احد اتباع القاعدة باستعماله كجزء من دعايته الإعلامية.

المنطقة الرمادية

كما تتغذى داعش من السياسيين الغير معتدلين في الغرب، فان أولئك السياسيين يتغذون من داعش ايضاً لكسب الدعم بأنفسهم. هذا جزء مما أشار اليه الباحث في الدين  دوگلاس برات من جامعة وايكاتو في نيوزلندا والذي اسماه التطرّف المشترك “co-radicalization”. وهنا تكمن القوة الحقيقية للارهاب: والذي يمكن ان يستعمل احدهم في دفع المجموعات الاخرى على معاملة مجموعته كمجموعة خطرة- وبذلك يدفع أفراد المجموعة الواحدة على التماسك حول القادة الذين يدعون الى مزيد من العداء. الاٍرهاب ليس مجرد اعمال تهدف الى نشر الخوف، انها اعمال تهدف لزرع روح الانتقام بين الناس وتعميق الخلافات. الباحث الزميل شيراز ماهر من المركز الدولي لدراسة التطرّف والعنف السياسي في كية كينجس في لندن (King’s College London) بين  كيف ان داعش تسعى من خلال أنشطتها الى دفع الدول الغربية للرد بطريقة تجعل المسلم يشعر بصعوبة الانتماء الى تلك المجتمعات.

في شهر شباط من عام ٢٠١٥ نشرت مجلة دابق التابعة لداعش موضوع بعنوان ” انقراض المنطقة الرمادية”. وفيها يتحسر الكاتب على حقيقة كون العديد من المسلمين لا يَرَوْن الغرب عدواً لهم، لذلك هاجر العديد منهم من سوريا وافغانستان الى الغرب، هم في الحقيقة يعتبرون الدول الغربية كأرض لبداية حياة جديدة. لذلك طالبوا (داعش) بانهاء المنطقة الرمادية للتعايش البناء وخلق عالم ينقسم بشكل تام الى مسلمين وغير مسلمين، والذي فيه يجب على كل شخص الاختيار بين الوقوف مع داعش او مع الكفار. كما وضح ايضاً الهجوم على مجلة شارلي ايبدو في فرنسا باستعمال تلك المصطلحات: “الوقت قد حان لحدث اخر، يجلب المزيد من الانقسام للعالم”.

باختصار، هو عبارة عن قضية استقطاب. انه عبارة عن اعادة تشكيل العلاقات داخل المجموعة كي يتسنى للقيادة المتطرفة الظهور بمظهر القادر على إدارة الأمور مع العالم المتطرف. وفق تلك الصفة، فان الاٍرهاب يكون على عكس التدمير الطائش. انه ستراتيجية واعية وفعالة لاستقطاب الاتباع ضمن نطاق قادة المواجهة. لذلك، عندما نحاول ان نفهم لماذا يستمر القادة المتطرفون برعاية الاٍرهاب، نحن بحاجة لفهم فعلهم وفهم رد فعلنا. كما ذكر ذلك الكاتب ديڤيد روثكوف في foreign policy بعد مجزرة باريس في تشرين الثاني،” رد الفعل المبالغ فيه انه بدقة الرد الخاطيء للارهاب. وهو بالظبط ما يريده الإرهابيين … انه عبارة عن القيام بعمل الإرهابيين للارهابيين.

الجهود المضادة للارهاب الحالية في عدد من الدول تعطي القليل من الاهتمام لفهم كيف يمكن لرد افعالنا ان تصعد من الموقف. تلك المبادرات تركز فقط على الافراد، وهي تفترض ان الاٍرهاب يبدأ عندما يحدث شيء ما يقوض المشاعر النفسية والهدف للفرد، مثلا التمييز العنصري، فقدان الآباء، التعرض للتنمر او شيء اخر يترك الشخص مشوش، ملتبس او وحيد. عالم النفس اريك اريكسون لاحظ ان الشباب بشكل خاص يكونون عرضة لهذا النوع من الانحراف. في تلك الحالة، فانهم يصبحون فريسة سهلة للجماعات المتطرفة، والتي تدعي انها ستوفر الدعم المجتمعي لهم للوصول الى الهدف النبيل.

لا يوجد شك لدينا ان هذا هو الجزء المهم في عملية استقطاب الشباب الى المجاميع الإرهابية. ادلة كثيرة اشارت لاهمية العلاقات بين الجماعات الصغيرة، طبقاً لاتران و ساگمان ان الإرهابيين من المسلمين يركزون في عملهم على مجاميع الأصدقاء والأقرباء. لكن تلك الولاءات وحدها لا تستطيع معالجة ما أشار اليه ساگمان نفسه كـ ” مشكلة التحديد”. العديد من الجماعات توفر روابط زمالة حول قضية مشتركة: المجاميع الرياضية، المجاميع الثقافية، مجاميع نصرة البيئة. حتى ضمن الطوائف الدينية فان الأغلبية منها توفر الموطن المشترك والمغزى بدون ترويج للعنف. إذن لماذا، تحديداً، ينجذب بعض الناس الى مجاميع إسلامية  تدعو لخطاب المواجهة والعنف؟.

نحن نعتقد ان ما تقدمه تلك المجاميع لاتباعها اكثر من مجرد الدعم والمواساة. فهم ايضاً يزودون الاتباع بروايات تنسجم مع أفكار واهداف أولئك المجندون وتساعدهم على فهم تجاربهم. وفي هذه الحالة، نحتاج الى فهم الأفكار التي يبثها مقاتلوا المجاميع الاسلامية والتي منها ان الغرب عدو متربص بالمسلمين ويكرههم. هل ان الأغلبية (عند القيام برد فعل)  يقدم المصداقية للأصوات المتطرفة في الأقلية المسلمة بطريقة ما؟. هل ان الشرطة، المعلمون والرموز المجتمعية الاخرى تجعل الشباب المسلم يشعر بالإقصاء والرفض- ان هذا سيجعلهم ينظرون للدولة كعدو لهم اكثر من نظرتهم لها كحامي؟. اذا كان الامر كذلك، كيف سيغير ذلك سلوكهم؟.

لبداية فهم ذلك، احدنا يدعى ريچر يعمل مع أخصائي النفس ليندا بلاكوود من جامعة باث في إنكلترا، ونيكولاس هوبكنز من جامعة دونيي في سكوتلاند، قاما بسلسلة من المقابلات الشخصية والجماعية في مطار سكوتش في عام ٢٠١٣. كحدود وطنية، فان المطارات تصدر إشارات واضحة عن الانتماء والهوية. ولقد وجدنا الآتي ان معظم الأسكتلنديين (مسلمين وغير مسلمين) كان لديهم نفس الشعور بالعودة للوطن بعد فترة سفر بعيدة. مع ذلك فان العديد من المسلمين الأسكتلنديين تم معاملتهم بارتياب من قبل الأمن الموجود في المطار. لماذا تم آخذي جانباً؟. لماذا تم سؤالي كل تلك الأسئلة؟. لماذا تم تفتيش حقيبتي؟. وفي كلام لشاب مسلم عمره ٢٨ سنة : انا اعتبر سكوتلاند بيتي. اين انا الان؟. لماذا يتم إيقافي وسؤالي في بيتي؟. لماذا جعلوني اشعر باني شخص غريب في بيتي؟.

لقد منحنا مصطلح “سوء تقدير” على تلك التجارب التي مر بها المسافرون من المسلمين الأسكتلنديين والتي تعرضوا فيها الى  إساءة فهم ونكران للهوية. تلك الممارسات تثير الغضب تجاه السلطات بصورة منهجية. انها تودي بأولئك الأشخاص الى الابتعاد بأنفسهم عن الآخرين ذو المظهر البريطاني. بعد تبني التجربة، صرح مسلم سكوتلاندي بانه سيبدو سخيفاً امام الآخرين إن استمر بالدفاع عن المؤسسة التي إهانته من قبل. بتعبير اخر، ان سوء التقدير ذلك ممكن ان يخفض صوت أولئك المسلمين الذين يشعرون بالانحياز الى الغرب مقابل صوت المتطرفين. للتوضيح اكثر، ان سوء التقدير هذا لا يحول الناس المعتدلين الى ارهابيين او حتى متطرفين. لكنه يبدأ باخلال التوازن بالابتعاد عن الأصوات التي تنادي بالعمل واحترام السلطات لأنهم أصدقاء، والاقتراب من الأصوات المتطرفة التي تنادي بان السلطات هم اعدائكم.

قصة تحذيرية

بإمكاننا ان ناخذ نتائج وتحاليل سوء التقدير هذا وعواقبه خطوة اخرى الى الامام. عندما قمنا بتكيف دراسة زيمباردو لتتلائم مع بحثنا، أردنا اختبار ماذا يحدث عن المزج بين مجموعتين لا يمتلكان قوى متساوية. أردنا بذلك اختبار احد النظريات الحديثة والتي تتحدث عن تأثير الهوية الاجتماعية على ديناميكية المجموعة. على سبيل المثال، لقد افترضنا ان السجين يبقى متطابقا مع سلوك المجموعة فقط في حال عدم وجود إمكانية تسمح له بمغادرة تلك المجموعة. لذلك قمنا باخبار المتطوعين والذين عينوا كسجناء بان هنالك إمكانية لان يرتقوا الى حراس في حال اظهروا الصفات المطلوبة. بعد ذلك، وبعد جولة واحدة من الترقية، لن يكون هنالك اي تغيير في مراكزهم. لذلك ثبتوا حيث هم دون تغيير.

لقد ناقشنا تاثيرات تلك التغيرات في العديد من المنشورات، لكن هنالك شيء واحد لم نكتب عنه من قبل. منذ بداية تلك الدراسة، كان هنالك سجين يرغب بشدة ان يتحول الى حارس في المستقبل. لقد رأى نفسه كشخص قادر على توحيد الحراس وجعلهم يعملون كفريق واحد. قام بعض السجناء الآخرين بإثارته؛ لقد تكلموا عن القيام بتمرد، ولكنه تجاهل ذلك. بعدها، خلال عملية الترقية، قام الحراس بإغفال ذلك السجين وبالمقابل قاموا باختيار سجين اخر يمتاز بالضعف وعدم النشاط كحارس. ان طلبه الانتماء للحراس قد تم رفضه بطريقة مهينة علناً.

تقريباً بصورة مباشرة تغير سلوكه. لقد كان عبارة عن نموذج للسجين الذي يتجنب الانخراط مع زملائه السجناء، لكن الان هو يتطابق معهم في الرأي والفعل. لقد كان يثبط من عزيمة السجناء عن القيام بأعمال تقوض سلطة الحراس، لكن هو الان يساعدهم في ذلك بكل حماس. على الرغم من انه كان من المؤيدين للأوامر والمساعد على بقائها، لكنه بدأ بالظهور كمحرض رئيسي لسلسلة من الأعمال التخريبية والتي أدت بالنهاية الى تدمير نظام الحراس.

ان تحوله السريع هذا أتى بعد سلسلة من الخطوات النفسية والتي تحدث بانتظام في مجتمعاتنا اليوم: التطلع للانتماء، سوء التقدير، فك الارتباط، ضياع الهوية. خارج تجربة السجن، فان القصة أحياناً تحدث بالشكل التالي: قادة الأقلية المتطرفون يستخدمون العنف والكراهية لدفع السلطات الى تأسيس ثقافة المراقبة لافراد تلك الأقلية. تلك الثقافة تتسبب  بسوء التقدير لأولئك الافراد، والذي يؤدي الى الشعور بضياع الهوية وعدم الانتماء. وهذا الفعل يجعل من الصعب علينا التخلص من التطرّف. ان النقطة الاساسية هنا، أصوات الأقلية المتطرفة غير كافيه لتحويل شخص ما الى التطرّف، ولا التجارب الشخصية لأي انسان قادرة على ذلك. مع ذلك، قد يتحول الفرد للتطرف بسبب المزج بين الاثنين وقدرتهما على تقوية احدهما للاخر.

بالطبع، ان تحليل الاٍرهاب الذي نعرضه هنا هو مؤقت قابل للتغيير طبقاً للأدلة التي نجدها. نحن لا ننكر ان بعض الإرهابيين قد يعانون من اضطرابات نفسية. لكن الاٍرهاب ضم العديد من الأشخاص الغير ميالين لاستعمال البندقية او زراعة القنابل. لذلك كان من المهم دراسته على مستوى المجموعة للتعرف على ديناميكية المجموعة التي تسير سلوك تلك المجموعة. انه سياق نحن جميعا جزء منه، انه شيء نساهم جميعنا في تشكيله. هل نعامل الأقلية في مجتمعاتنا بالشك والارتياب؟. هل نحن من الذين يطالبون بالرد على الاٍرهاب بإرهاب مضاد؟. الأخبار الجيدة هي انه كما بينت النتائج إننا جزء من المشكلة، فانه بإمكاننا ان نكون جزء من الحل.

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/fueling-terror-how-extremists-are-made/