انت والسمكة والالكترون تتصرفون وفقا لنفس المعادلة التي تظهر من دمج نظرية الكم مع نظرية الألعاب.

  1. معادلة شرودنجر مختبأة في نظرية الألعاب (Game theory) التي تصف سلوك الفرد ضمن المجموعة.
  2. تفكيرك ليس متناقضا، عقلك مجرد احتمالية كمومية، حينما يتهمك شخص ما بأن قرارك غير منطقي بالمرة، أخبره بأنك فقط تفكر وفقا لمعادلات فيزياء الكم.

1- اكتشاف معادلات فيزياء الكم مختبئة في احد النماذج الرياضية التي تصف نظرية الألعاب Game theory :

نظرية الألعاب فرع من فروع الرياضيات الذي يصف رياضيا كيف تقوم المجموعات الذكية بحل المشاكل المعقدة وكيف يكون الصراع والتعاون العقلاني بينهم، معادلة شرودنجر اساسية في ميكانيكا الكم وهو القسم الذي يهتم بدراسة سلوك اصغر الجسيمات في الكون، لا نتوقع ان يكون لكلا المجالين أي علاقة بالاخر.

 

لكن طبقا لمجموعة من العلماء الفيزيائيين الفرنسيين، من الممكن ترجمة او تحويل عدد ضخم من مسائل نظرية الألعاب لمعادلات ميكانيكا الكم! وفي ورقة جديدة وضحوا أن كلا من السمكة والالكترون يتصرفان وفقا لنفس المعادلات!
شرودنجر مشهور في الثقافة الشعبية بسبب قطته الغريبة لكنه مشهور في الفيزياء لأنه اول من كتب المعادلة التي تصف الامور الغريبة التي نراها تحدث عند اجراء التجارب على المكونات الاساسية للمادة، حيث ادرك انه لا يمكننا وصف الالكترونات والذرات والاجزاء الاخرى الصغيرة جدا من المادة كما لو كانت كرات ككرات البلياردو والتي تمكنك من توقع اماكنها بنجاح.

بدلا من ذلك عليك اعتبار ان الجسيمات لها مواقع مختلفة وهذه المواقع تنتشر في الفراغ وليس للجسيمات سوى بعض الاحتمالات التي تحدد وقت ظهورها في هذا الموضع او غيره، اذا كنت تتعامل مع احتمالات انتشار مواقعها بدلا من مواقع محددة، تستطيع ان تتنبأ بدقة بمجموعة من التجارب التي حيرت الفيزيائيين في بداية القرن العشرين.

تخبرنا معادلة شرودنجر عن العلاقة بين كيفية تغير تلك الاحتمالات مع الوقت وطريقة تغيرها في الفراغ، التعامل مع احتمالية وجود الجسيمات في ذلك الموقع او غيره بدلا من التعامل مع مواقع محددة امر غريب لكنه يعمل.

ويبدو ان نظرية الألعاب ليس لديها اي علاقة بالجسيمات الصغيرة الغير عاقلة ولا بالاحتمالية التي تحسبها معادلة شرودنجر والتي تنجح في وصف سلوك تلك الجسيمات برغم غرابتها، الا ان نظرية الألعاب بشكل عام تدرس كيفية اتخاذ مجموعة من الكائنات الحية قراراتهم في الوصول لأسهل طريقة تقربهم من اهدافهم مثل انهم يأملون في تعاونهم معا في التجارة من اجل الربح الجماعي وفي نفس الوقت يعملون ضد بعضهم كما لو كانوا يلعبون لعبة ما.

نظرية الألعاب تحلل ما الذي يفعله مختلف التجار في المتوسط ولذلك يمكن تطبيقها عليهم كمجموعة، لكن حينما نطبق النظرية على تاجر واحد فهي تفشل بسبب محاولته الفردية لاحتكار السلع.

الفيزيائيين الفرنسيين يعطوننا مثال على ذلك: إن السمكة تكافح للبقاء ضمن مجموعة الاسماك من أجل الامان لكنها في نفس الوقت تبحث عن طعامها بشكل فردي.
السمكة الواحدة بشكل عام تتحرك بتناسق مع مجموعة واحدة من الاسماك، لكنها الى حد ما ايضا تتحرك حركة فردية وعشوائية بالقرب من المجموعة، وفي اثناء هذه اللحظة قد يصادفها قطعة من الطعام على بعد من المجموعة فتقرر السباحة منفردة للاستيلاء عليها، قبل ان تعود لزملائها من اجل الامان.

وهذا يعني ان الاسماك لديهم توزيع بطريقة معينة، هي أنهم يتركزون ضمن المجموعة ومن النادر ان تجد احداً من المجموعة بعيدة عنها، بمعنى اخر اننا لو التقطنا بشبكة صغيرة بقعة معينة من البحر فهناك احتمال ان تجد بالشبكة سمكة وهناك احتمال ان لا تجد شيئا، وحينما تمر المجموعة من تلك البقعة التي تنزل فيها شبكتك الصغيرة تزيد احتمالية حصولك على سمكة ثم تبدأ تقل هذه الاحتمالية كلما بَعَد القطيع عن تلك المنطقة.

احتمالية عثورك على سمكة بهذه الطريقة يحتاج عدد من المعادلات المعقدة والتي لم تُكتب بعد، لكن لا يهم، فاحتمالية العثور على سمكة هي نفسها احتمالية العثور على الالكترون! السمكة تتصرف وفق معادلة شرودنجر!! وهذا ما وضحه تقرير ايغور سويشيكي Igor Swiecicki وفريقه .

قد تتطور نظرية الألعاب تطورا مخيفا بسبب ذلك الربط الجديد مع معادلة شرودنجر وميكانيكا الكم وهذا سيطور علم النفس والاقتصاد والسياسة، يمكن ترجمة الكثير من المسائل المعقدة في مجالات كثيرة غير الفيزياء الى لغة ميكانيكا الكم وهذا ما لم يتوقعه الفيزيائيين!

 


وعلى صعيد اخر، يشرح باحثون اخرين طريقة اتخاذنا للقرارات من خلال فيزياء الكم!

2- حينما يتهمك شخص ما بأن قرارك غير منطقي بالمرة، أخبره بأنك فقط تفكر وفقا لمعادلات فيزياء الكم، تفكيرك ليس متناقضا، فعقلك مجرد احتمالية كمومية.

يتشكل اتجاه جديد في علم النفس لا يفسر تفكيرنا الغير منطقي فقط بل يساعد الباحثين في حل تناقضات الدراسات النفسية.
يقول الباحثون الذين يحاولون نمذجة طريقة اتخاذنا للقرارات رياضيا بأن المعادلات التي تصف السلوك البشري ربما يكون لها أصل في فيزياء الكم، بالاضافة إلى أن الكثير من النتائج المتناقضة في مجال الإدراك وبخاصة في طرق اتخاذ القرارات تنهال عليهم من كل جانب، النتائج الجديدة غير متسقة مع النظريات الكلاسيكية وفي الغالب يضعونها في خانة النتائج غير العقلانية، لكن من وجهة نظر الادراك الكمومي تكون بعض النتائج عقلانية وتتسق مع كل من نظرية الكم والسلوك البشري.
يشير عمل الباحثين إلى أن عملية التفكير من وجهة النظر الكمومية فقط تجعلنا قادرين على اتخاذ القرارات المهمة في ظل ظروف عدم التأكد، ومواجهة القضايا المعقدة بالرغم من قدراتنا العقلية المحدودة.
وهذا يعني ان ما نسميه الحدس البشري هو مجرد تفكير منطقي لكن من وجهة نظر كمومية.
حينما بدأ الباحثون بدراسة السلوك البشري بإستخدام النماذج العقلانية الرياضية الكلاسيكية فقط وجدوا ان بعض جوانب السلوك الإنساني لا یتم حسابها، فهي من وجهة النظر الكلاسيكية ليست عقلانية بالمرة.

على سبيل المثال، فالعلماء يعرفون منذ زمن بعيد بأن ترتيب الاسئلة التي نلقيها على الناس لعمل استطلاع يؤثر في كيفية استجابة الناس لتلك الاسئلة، واعتقد العلماء ان تلك التأثيرات غامضة، فكانوا يغيرون ترتيب اسئلة الاستطلاع مع كل الذين يتم استجاوبهم لكي تلغي تلك التأثيرات بعضها، لكن بعض الباحثين قالوا ان تلك التاثيرات يمكننا التنبؤ بها وبدقة ومن الممكن شرحها من وجهة نظر كمومية لمظاهر السلوك الانساني.
تقول زينك جويس وانغ Zheng Joyce Wang  وفريقها في الاكاديمية الوطنية للعلوم:
عادة ما نعتقد ان فيزياء الكم تصف سلوك الجسيمات ما دون الذرية، لكن ان تصف سلوك الناس ايضا فالفكرة ليست صعبة. هم لا يفترضون ان ادمغتنا عبارة عن حواسب كمومية، لان مجموعات بحثية اخرى تعمل على هذه الفكرة، فهم لا يركزون على الجوانب المادية للدماغ، لكنهم يعملون على تأكيد ان المبادىء الرياضية البحتة لنظرية الكم بإمكانها ان تلقي الضوء على الادراك والسلوك البشري.
نحن نستخدم نماذج الاحتمال في العلوم الاجتماعية والسلوكية ككل فعلى سبيل المثال نحن نتسائل ما هو احتمال ان يتصرف الشخص بطريقة معينة او ان يتخذ قرارا معينا، فنماذج الاحتمالات هذه مبنية كلها على نظرية الاحتمالات الكلاسيكية التي نشأت من الفيزياء الكلاسيكية لنيوتن، وليس من الغريب على علماء الاجتماع التفكير بشأن انظمة الكم ومبادئها الرياضية ايضا.
فيزياء الكم تتعامل مع الجوانب الغامضة في العالم المادي مثل الحالة الجسيمية للجسيم وطاقته وموقعه، كل ذلك غير محدد بدقة ولا يتم حسابه الا من حيث الاحتمالات.
والادراك الكمومي هو ما يحدث حينما يتعامل الناس مع الغموض الذهني، فأحيانا نكون غير محددين شعورنا تجاه شيء ما، او نشعر بالضبابية تجاه اختيار شيء ما او اتخاذ قرارا في ظل معلومات منقوصة.

لا تستطيع عقولنا تخزين كل شيء وتذكره، وليس لدينا مواقفا واضحة حول كل الامور، لكن حينما تسالني سؤالا مثل ماذا تريد على العشاء ؟ لابد ان افكر فيه وأبدأ بتكوين اجابة واضحة، هذا هو الادراك الكمومي .
اعتقد ان الصيغة الرياضية التي تقدمها نظرية الكم تتفق مع ما نشعر به بداهة كعلماء نفسيين.

نظرية الكم لا تكون بديهية حينما تصف سلوك جسيم لكنها تكون بديهية جدا حينما نستخدمها لوصف حالتنا العقلية الغامضة والغير محددة.

استخدمت الباحثة على سبيل المثال قطة شرودنجر المشهورة والتي هي تجربة ذهنية عبارة عن تصوُّر لقطة في صندوق مغلق فيه شراب مسموم فسيكون لديها احتمالية ان تكون ميتة أو حية، كلا الاحتمالين في عقولنا وفي هذه الحالة فالقطة حية وميتة في نفس الوقت، وهذه الحالة تسمى التراكب الكمي، وعندما نفتح الصندوق لا يعود الاحتمالين موجودين معا في حالة التراكب الكمي، والقطة يجب ان تكون في احتمال واحد فقط اما حية واما ميتة.

في الاداراك الكمومي نعتبر ان كل قرار يجب علينا اخذه في حالة تراكب كمي وهو قطة شرودنجر الفريدة الخاصة بنا.

حينما نفكر في الخيارات المتاحة لنا، نحن نتصور جميع الحالات في اذهاننا، ولبعض الوقت تكون جميع الخيارات أو الحالات موجودة في نفس اللحظة وبدرجات مختلفة الوضوح ومخلتفة الاحتمال، هذا هو التراكب الكمي . وحينما ياتي وقت الاختيار تزول كل الخيارات من الوجود ويبقى الاختيار المفضل لدينا فقط.

محاولة نمذجة السلوك الانساني كلاسيكيا انتجت العديد من النماذج التي تتعارض مع بضعها ولا يوجد نموذج يفسر كل الحالات، لانه دائما كانت هناك حالات تكون فيها اجابات الناس غير متوقعة ولا معنى لها وبالتالي نحتاج نموذج جديد لهذه الاجابات الجديدة، لكن النموذج الكمومي للسلوك الانساني يمكنه تفسير الجوانب المختلفة والمعقدة للسلوك الانساني بدءاً بعدد قليل من البديهيات، ان النموذج الكمومي نفسه يشرح كيف يؤثر ترتيب الاسئلة على اجابات الناس حين نستطلع رأيهم وايضا يشرح انتهاك الناس للعقلانية في (the prisoner’s dilemma paradigm) حيث ان كل شخص يفضل ربحه الفردي على ربح المجموعة ويتصرف بانانية عوضا على التصرف لمصلحة المجموعة، وايضا تفسر الحالات التي يفضل فيها الاشخاص التصرف لصالح المجموعة بالرغم من أن مصلحتهم في عدم القيام بذلك.

الحالات التي ذكرناها سابقا لها تأثيرات مختلفة عن بعضها تماما في النماذج الكلاسيكية ولكن النماذج الكمومية تفسر هذه الحالات دون اختلاف.

قالت وانج ” ان نموذج واحد فسر نتائج عديدة تبدو غير ذات صلة واخرى محيرة في علم النفس، وهذا رائع. “

المصادر :
1- http://www.sciencealert.com/physicists-just-figured-out-how-quantum-mechanics-pops-up-in-game-theory

2- http://phys.org/news/2015-09-youre-irrational-quantum-probabilistic-human.html