على الأشخاص الأذكياء أن يشكروا أمهاتهم، لانهن مسؤولات بشكل أساسي على نقل جينات الذكاء. وكذلك النساء الغير متزوجات اللاتي يرغبن بطفل ذكي لا يحتاج أن تبحثن في بنك الحيوانات المنوية عن سائل منوي لشخص فائز بجائزة نوبل. فعلى الرجال أن يبدأوا باعتبار ذكاء المرأة جزء أساسي من جاذبيتها[1].

هذه الفكرة وجدت في الأساس ما يعرف بالجينات المكيفة (conditioned genes)، أي الجينات التي تتصرف بشكل مختلف حسب مرجعها، فهذه الجينات لديها نوع من العلامة البيوكيميائية التي تسمح بالبحث عن أصلها وبعدها تعرف إذا ما كانت نشطة أو لا داخل خلايا السليل. والمثير للاهتمام هو أن بعض هذه الخلايا مكيفة للعمل فقط إذا أتت من الأم، ولا تنشط إذا جاءت من الأب. وكذلك هنالك جينات أخرى لا تعمل إلا إذا أتت من الأب، وإذا أتت من الأم سوف يوقف عملها.

جينات الأم تذهب مباشرة إلى القشرة الدماغية، بينما جينات الأب تذهب إلى الجهاز الحوفي (limbic system)

نحن نعلم أن الذكاء لديه جانب وراثي، ولكن حتى قبل سنوات قليلة كنا نظن أن الكثير منها يعتمد على الوالدين بصورة مشتركة. لكن أظهرت العديد من الدراسات أن أن الأطفال يرثون الذكاء من الأم، لأن جينات الذكاء تقع على كروموسوم X.

فقد أجريت الدراسة الأولى في هذا المجال عام 1984 في جامعة كامبردج، وتلتها الكثير من الدراسات الأخرى على مر السنين. في هذه الدراسات تم تحليل التطور المشترك للدماغ مع تكيف الجينوم، مما أدى إلى استنتاج مفاده أن جينات الأم تساهم أكثر من غيرها في تطوير مراكز الفكر في الدماغ.

في التجربة الأولى أنشأ الباحثون أجنة فئران من جينات الأب أو الأم. ولكن عندما حان وقت نقلها إلى رحم الفئران الكبار، ماتت الأجنة. بذلك تم اكتشاف أن هنالك جينات مكيفة يتم تفعيلها إلا عندما تكون موروثة من الأم، وتعتبر حيوية لبناء السليم للجنين. ومن ناحية أخرى، هنالك جينات موروثة من الأب مهمة لنمو الأنسجة التي من شأنها أن تشكل المشيمة.

في ذلك الوقت افترض الباحثون أنه إذا كانت هذه الجينات مهمة في نمو الجنين، وكان من المرجح أن بإمكانها لعب دور مهم في حياة الحيوانات والبشر، وربما تؤدي بعض وظائف المخ. ولكن المشكلة هي في كيفية إثبات هذه الفكرة، لأن الأجنة المكونة من أحد الوالدين تموت بسرعة.

لكن الباحثين وجدوا حلا: فقد اكتشفوا أن اللجنة يمكنها البقاء على قيد الحياة إذا تمت المحافظة على الخلايا الجنينية العادية وتم التلاعب بباقي الخلايا. بهذه الطريقة يمكن تكوين عدد من فئران التجارب المعدلة وراثياً، والمثير للدهشة أنها لم تنمو بنفس الطريقة.

فمن تكون من جينات الأم كانت أدمغتهم كبيرة لكن أجسادهم صغيرة، بينما من تكون من جينات الأب كانت أدمغتهم صغير وأجسادهم كبيرة.

بتحليل أكثر عمقاً لهذه الاختلافات، حدد الباحثون الخلايا التي تحتوي على جينات الأب أو الأم في ستة أجزاء مختلفة من الدماغ والتي تتحكم في وظائف معرفية مختلفة، من عادات الأكل وإلى الذاكرة.

خلال الأيام الأولى من نمو الجنين، يمكن أن تظهر الخلايا في أي مكان في المخ، لكن مع نضوج الأجنة واستمرار نموها، سوف تراكم جينات الأب في بعض المراكز العاطفية في الدماغ: ما تحت المهاد (the hypothalamus)، اللوزة الدماغية (limbic system)، الباحة أمام البصرية (preoptic area) الحاجز الدماغي (septum). وهذه المناطق جزء من الجهاز الجوفي، وهي المسؤولة عن ضمان بقائنا وتشارك في وظائف مثل الجنس والطعام والعدائية. ولم يعثر الباحثون على أي من جينات الأب في القشرة المخية، والتي يتم فيها تطوير الوظائف المعرفية الأكثر تقدماً، مثل الذكاء والفكر واللغة والتخطيط.

دراسات جديدة، أضواء جديدة حول الذكاء

وبكل تأكيد، واصل العلماء التحقق من هذه النظرية. فعلى سبيل المثال كشف روبرت ليرك (Robert Lehrke) أن معظم ذكاء الطفل يعتمد على كروموسوم X. وكذلك أوضح أن النساء يحملن اثنين من كروموسوم X، وبذلك فهن أكثر احتمالا على توريث الجينات التي لها علاقة بالذكاء.

مؤخرا، قام باحثون من جامعة أولم في ألمانيا، بدراسة الجينات المسؤولة عن تلف الدماغ، ووجدت أن العديد من هذه الجينات تتعلق بالقدرات المعرفية موجودة على كروموسوم X. ففي الواقع ارتفاع نسبة الإعاقة عند الذكور 30% ليس بالصدفة.

وفي واحدة من أكثر النتائج إثارة للاهتمام في هذا الإطار يأتي من تحليل كبير أجرته وحدة العلوم والصحة العامة لمجلس البحوث الطبية الاجتماعية في غلاسكو اسكتلندا. في هذه الدراسة تمت مقابلة 12686 شخص من فئة الشباب تتراوح أعمارهم بين 14-22 في كل عام منذ عام 1994. وقد أخذ الباحثون عوامل عدة، منها: لون البشرة، التعلم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والوضع الاقتصادي. ووجد الباحثون أن أفضل مؤشر للذكاء كان معدل ذكاء الأم، فوجد أن ذكاء الشباب يختلف عن ذكاء الأم بالمتوسط 15 نقطة.

الجينات ليست العامل الوحيد

إلى جانب الجينات، يمكن أن نجد أيضا دراسات أخرى تبين أن الأم تلعب دور هام في التنمية الفكرية للأطفال، من خلال الاتصال الجسدي والعاطفي. في الواقع تشير الدراسات إلى أن الارتباطات الآمنة ترتبط ارتباط وثيق بالذكاء.

فقد وجد باحثون من جامعة مينيسوتا أن الأطفال الذين طوروا ارتباط قوي مع أمهاتهم استطاعوا تطوير قدرتهم على تعلم الالعاب الرمزية المعقدة في سن العامين، فهم أكثر ثباتاً وأقل احباطاً عند محاولتهم حل أحد المشاكل.

لأن هذا الارتباط القوي يعطي الأطفال الآمن اللازم لاستكشاف العالم والثقة في حل المشاكل دون أن يفقد شخصيته. وبالإضافة إلى ذلك فإن الامهات يملن إلى إعطاء أطفالهن مستوى أعلى من الدعم في حل المشاكل، مما يساعد على زيادة تحفيز إمكانياتهم.

وقام باحثون في جامعة واشنطن باظهار أهمية العلاقة العاطفية لتطوير الدماغ، وقد كشف لأول مرة أن الارتباط بالأم ومحبتها أمر مهم لنمو بعض أجزاء الدماغ. فقد قام العلماء بتحليل الطريقة التي تواصل بها الأم مع أطفالها لمدة سبعة سنوات. ووجد أنه عندما كانت الأم داعمة عاطفياً وتحقق احتياجات أطفالها الفكرية والعاطفية بشكل كافي، كان الحصين عند أطفالها في سن 13 أكبر ب10% من الأطفال الذين كانوا بعيدين عن امهاتهم عطفياً. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الحصين في الدماغ هي المنطقة المسؤولة عن الذاكرة وتعلم الاستجابة للضغط النفسي.

وبالطبع هذا لا يعني أن نولي العلاقة مع الأب القليل من الاهتمام، لكن هذا ما سببه البنية الاجتماعية، والتي تحمل بعض الصور النمطية للجنسين والتي لا تزال قائمة، وهي عادة ما تكون الأم هي من تقضي معظم الوقت مع الأطفال.

هل يمكننا التحدث عن الذكاء الوراثي؟

في الواقع أن أغلب التقديرات تشير إلى أن نسبة الذكاء الوراثي يتراوح ما بين 40-60%. وهذا يعني أن النسبة الباقي تعتمد على عدة عوامل منها البيئة والحافز والصفات الشخصية. كما أن الذكاء هو القدرة على حل المشاكل. والغريب في الحقيقة هو أن الجهاز الحوفي يلعب دور في حل المشاكل، حتى وأن كانت رياضية أو فيزيائية بسيطة، وذلك لأن الدماغ يعمل كعضو واحدة. وكذلك ارتبط الذكاء ارتباطا وثيقا بالتفكير العقلاني، ويتأثر بالبديهة والعواطف، وأن تحدثنا في جانب الوراثة يتعلق أيضاً بمورثات الأب.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن لا ننسى أنه حتى وأن كان معدل ذكاء الطفل عالي، يجب أن يحفز ذلك الذكاء طول الحياة، لأن الذكاء سوف ينخفض إذا لم يواجه تحديات جديدة.

وعلى الرغم من آثار الجينات، ينبغي للآباء أن نشجع الآباء على المساهمة في تربية الأطفال، وخاصة الحضور عاطفياً. الذكاء الذي نولد به مهم، لكنه ليس حاسماً.

المصدر:

Jennifer Delgado Suárez, “Did you know that intelligence is inherited from mothers?“, psychology-spot.com, 22 March 2016

1-  حسب علم النفس التطور يعتبر ذكاء النساء عامل يقلل من جاذبية المرأة بالنسبة للرجال. “المترجم”