لو جئنا بأفضل لاعب كرة سلة في العالم، وحاولنا ضبط كافة الظروف الشخصية المحيطة به بعملية تسديده للكرة نحو السلة، وأعدنا ذلك مرات عدة على أيام مختلفة ورميات مختلفة، فلن تكون هناك نسبة ثابتة لعدد التسديدات الصائبة بين عدد المرات المختلفة. لا يوجد مدرب أو خبير يستطيع أن يحصي جميع تلك الظروف الصغيرة المحيطة بذهن اللاعب والتي تحكم تقلصات عضلات يده الدقيقة ورؤيته لكي يصيب الهدف. لكن هذا ليس مشكلة كبيرة أمام أحد أهم المجالات في حياة البشر وهو القضاء. كيف يمكن لقاضي هجرة أن يوافق على 5% من قضايا الهجرة المسندة إليه فيما يوافق قاضي آخر على 88% منها مع الأخذ بنظر الاعتبار أن عوامل الانحياز كالطائفة والعرق وبلد الأصل ليست ضمن الفروقات بين الاثنين. بل كيف يمكن لوجبة الغداء أو درجة الحرارة أن تضيف أو تقلل 5 سنوات سجن من حكم أحد المتهمين نتيجة التشويش في عملية اتخاذ القرار لدى القاضي؟
الأمثلة أعلاه حقيقية وهي من كتاب التشويش: الخلل في الحكم البشري (Noise: a flaw in human judgement) كتاب مهم جداً صدر لكل من دانييل كاهنمان (Daniel Kahneman) عالم النفس الإسرائيلي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، اوليفر سيبوني (Olivier Sibony) المختص في عمليات اتخاذ القرار، وكاس آر سنستين (Cass R. Sunstein) الباحث القانوني.
حقق الكتاب مبيعات كبيرة وهو ليس علمياً بحتاً من حيث أن معظم نقاشه حول البراهين الإحصائية والتجارب التي أثبتت حدوث التشويش بشكل صارخ لكن دون التطرق كثيراً لتفاصيل علمية دقيقة من علم الأحياء وهو ليس محلها بالضرورة. في هذا المقال سنتحدث عن التشويش في قراءة للكتاب الذي يكاد يحقق سبقاً في تغطية هذا الموضوع من قضايا سابقة عديدة وفي مجالات متعددة بدءاً من القضاء إلى الطب وشركات التأمين، كما سنضيف بعض الدراسات والآراء ذات الصلة أيضاً.
يحتسب لمؤلفي هذا الكتاب – على الرغم من عدم تقديمهم للظاهرة لأول مرة وهم ليسوا أول من قام بتسميتها فإن ما استندوا إليه كان قد كشف في فترات سابقة واحصائيات وتجارب سابقة – هو أنهم ربما أول من وحدوا مجموعة من الظواهر المختلفة التي تقع خارج إطار مفهوم الانحياز في كتاب واحد سهل ومفهوم للعامة ويتجاوز وصف الظاهرة إلى مناقشة طرق كشفها ومعالجتها.
أول استخدام للتشويش في سياق الأحكام البشرية كان في سياق تحليل القرارات ضمن نظرية الألعاب عام 1990[1]، ثم نوقش أثر التشويش على نطاق واسع في بحث آخر عام 1999[2]، وهكذا تناولته أبحاث متعددة لكن ليس ضمن النطاق الواسع والشامل الذي تمت مناقشته في كتاب التشويش والذي كان مسبوقاً ببحث آخر لأحد المؤلفين قام بتغطية جيدة للمجال عام 2016.
ما هو التشويش في الأحكام البشرية؟
التشويش ليس سبب واحد للأخطاء في القرارات مثل الانحياز الذي يمكن أن نفهم بسهولة أنه ميل شعوري ضد أو مع قرار ما، والتشويش أيضاً ليس ظاهرة واضحة، بل هو مجموعة كبيرة من المسببات والعوامل الخفية والصغيرة. إن القصة المذكورة عن نسب قبول قضايا الهجرة التي تتراوح بين 5 إلى 88% لقضاة مختلفين هي ليست مثالاً، بل قصة حقيقية وجزء من موضوع أثار ضجة في الولايات المتحدة بدراسة نشرت عام 2007 تعرف بعنوان: روليت الهجرة: الفوارق في التحكيم القضائي[3]. والروليت هو أحد ألعاب الحظ التي تستخدم في المقامرة، في الإشارة إلى أن الموضوع أقرب ما يكون إلى الحظ.
على الرغم من سوء الانحياز ضد مجموعة معينة أو التحيز لمجموعة أخرى، حبذا لو كانت تلك الفوارق تعزى لأي سبب من هذا النوع، على الأقل ستحل القضية ويصبح مسار تحقيق العدالة أكثر سهولة، لكن أساس التشويش هو ذلك الاختلاف الكبير في الأحكام الذي يبدو اعتباطياً والذي لا يمكن عزوه لعامل واضح. الاختلاف الكبير في القرارات هو أحد الأسس المهمة للكشف عن التشويش. وجدت دراسة الروليت أن الشخص الذي يحكم على قضية اللجوء أي القاضي هو المعيار الأبرز في ذلك التباين ووصلت دراسة أخرى في كندا لذات النتيجة. [4]
بالطبع يمكن القول أننا سنأتي هنا لتحليل العوامل التي كانت السبب في تباين الأحكام بين هؤلاء القضاة أو ربما فروقات أخرى في وقت العمل أو الساعة أو درجة الحرارة، وهنا تحديداً سنصل إلى أساس التشويش. حللت دراسة الروليت 140 ألف قضية لجوء في أنحاء الولايات المتحدة بـ 54 محكمة مختلفة. من تلك العوامل غير المتوقعة والتي لا ينطبق عليها المفهوم التقليدي للانحياز هو أن الصيني مثلاً قد ينال نسبة قبول 76% في اورلاندو بينما ينال 7% في اتلانتا[5].
ما يميز التشويش هو أنه وبخلاف الانحياز الذي قد يظهر في أن رجلاً ما غالباً ما يستهدف النساء، أو أن شخصاً ما قد يستهدف مذهبياً وطائفياً الجماعة الأخرى بأحكامه القاسية، فإن التشويش لا يمكن العثور عليه بنفس الطريقة. لا يمكن أن تقول لأحد القضاة في أتلانتا أنه قاسٍ ضد الصينيين لأنه من اتلانتا، لا يوجد منطق في ذلك، في حين أن الانحياز ظاهر للعيان ويمكن رصده احصائياً لذات الشخص.
أحد الأعلام والمشاهير ممن واجهوا ظاهرة التشويش هذه هو القاضي مارفن فرانكل (Marvin E. Frankel) القاضي الفيدرالي للمقاطعة الجنوبية، نيويورك وأستاذ القانون في مدرسة كولومبيا للحقوق. كان القاضي فرانكل أحد أول من لاحظوا الفروقات الكبيرة في سنوات السجن التي يحكم بها القضاة لجرائم متشابهة وكذلك لمبالغ الغرامات. يتراوح التباين بين 3 سنوات سجن دون غرامة إلى 20 سنة سجن مع 65 ألف دولار غرامة. واقترح كعلاج لذلك ما عرف بإرشادات الأحكام، أو لوائح إرشادات الأحكام، والتي تتضمن حداً أدنى أو أقصى للحكم بشكل يمكن أن يقلل ذلك التباين الكبير والذي لا يبرر سوى بأسباب هامشية لا علاقة لها بطبيعة التهمة والعقاب المناسب لها، ويعتقد أنها حققت أهدافها على هذا المستوى مثلاً لوحظ أن التباين بين الأحكام القضائية في قضايا المخدرات وأحكام أخرى قد انخفض بعد تشريع قانون إصلاح الحكم القضائي (Sentencing Reform Act) مع وجود إشكاليات أيضاً في هذه اللوائح لا سبيل لحصرها ومناقشتها في هذا المقال[6].
تبع فرانكل آخرون، وجدوا تبايناً كبيراً في الأحكام، وأجرى البعض تجارباً على الأمر مثل دراسة ويليام اوستن وتوماس ويليامز عام 1977 التي عرض فيها الباحثان 5 قضايا على 16 قاضياً ليكشفوا بشكل واضح جداً التباين الكبير في الأحكام[7]. وقد كانت القضايا جنحاً منخفضة المستوى. لم تذكر القضايا الخلفية الدينية أو العرقية للمتهمين، لكنها ذكرت شيئاً عن تاريخهم، وبالمقابل فقد تراوحت نسب اعتبارهم مذنبين أم لا وبالأحكام بفوارق كبيرة، مثلاً نصف القضاة قد يعتبرون الشخص غير مذنب بينما يعتبره الآخرون مذنباً. تبعت هذه الدراسة أخرى في عام 1981 تضمنت 208 قضاة حكموا على 16 قضية، ومرة أخرى حدثت فروقات شاسعة في أحكام القضاة، ففي 3 من أصل 16 قضية فقط اتفق القضاة بالإجماع على حكم السجن، وحتى في هذه القضايا الثلاث فقد تباينت أحكامهم بشكل كبير.
ما هي أسباب التشويش في الأحكام البشرية؟
أسباب التشويش تختلف عن الإطار الواسع المعروف بالانحياز والواضح جداً على المستوى الشخصي كما أسلفنا. لكنها غير متوقعة على الاطلاق وتتشتت كثيراً إلى أسباب صغيرة متفرقة. مثلاً وجدت دراسة أن القضاة يميلون لأحكام قاسية أكثر حين يخسر الفريق المحلي للمدينة في كرة القدم، تم قياس ذلك على مليون ونصف حكم قضائي. وقد وجدت دراسة أجريت على ستة ملايين حكم قضائي في فرنسا أن القضاة يظهرون تسامحاً أكثر في يوم ميلادهم.
وفي دراسة أجريت على 682 متقدم للدراسة وجد أن الأيام الغائمة تزيد من نسبة قبول المتقدمين للدراسة بمعدل أكثر من 12% من الأيام المشمسة[8]. عنوان الدراسة مثير للاهتمام: الغيوم تظهر الحمقى بمظهر جيد. لا تفكر بالتقديم للدراسة في الشتاء ففي النهاية نحن نتكلم عن التشويش، ليس هناك شيء يمكن أن يعني متقدماً واحداً، كلية واحدة أو بلداً واحداً، وإذا كانت نتائج كثير من الاحصائيات غير قابلة للتعميم فهذه النتائج كذلك، غير أنها كافية لتشير لظاهرة التشويش.
تؤثر حالة المزاج كثيراً على اتخاذ القرارات، في إحدى الدراسات تم عرض مقطع من خمسة دقائق يسبب مزاج سلبي وآخر يسبب مزاج جيد للمشاركين ثم عرضت عليهم معضلة العربة، التي يوجه فيها المشاركون العربة إلى مسار من مسارين، الأول يمكن أن يموت فيه شخص واحد فقط، والثاني يموت فيه أربعة أشخاص، وفي اصدار آخر من المعضلة فإن رجلاً بديناً يتم دفعه لتتوقف العربة فينجو الأشخاص الأربع. يقتضي القرار المنطقي أن يتخذ قرار دفع الشخص فهو رغم أنه يودي بحياة شخص غير أنه يتسبب أيضاً بإنقاذ أربعة اشخاص. المفاجأة أن الأشخاص بالمزاج السيء يميلون لاتخاذ القرار المنطقي أقل مما هم بمزاج جيد. لنتخيل كيف يمكن أن يختفي أمر كهذا خلف آلاف او ملايين الأحكام القضائية التي يقف مزاج القاضي وراءها، لكنه يمكن أن يظهر في التباين الكبير فقط.
تؤثر درجة الحرارة أيضاً على أحكام البشر كما وجد في إحدى الدراسات ومن غير المعلوم هل أن تأثيره مباشر أم أنه وهو المرجح مؤثر لأنه يؤثر على المزاج؟
ماذا أيضاً؟ الوقت خلال اليوم؟ في دراسة أجريت على 700 ألف زيارة طبيب، وجد أن الأطباء يميلون وصف العقاقير المخدرة من أشباه الافيونيات (opioids) في نهاية اليوم أكثر مما يصفونه في الصباح.[9] يعلق مؤلفو الكتاب: “لا دليل على أن هناك صلة لذلك بالألم وأن الألم سيكون أكبر مما سيكون عليه بعد 9 صباحاً. هل هو الضغط؟
وجد ماثيو سالغانيك أن الجمهور يمكن أن يتابعوا بسهولة الأغنية التي قيل لهم أن لها عدد كبير من عدد التحميلات في دراسة وصفوا الظاهرة فيها بعنوان الدراسة بقيادة ضلال القطيع[10]. وجد الباحثون أن الأغاني التي لها شهرة ساحقة فقط هي التي تستعيد مكانتها لاحقاً وسط تأثير القطيع. حتى أن أسماء تلك الأغاني في التجربة لم تكن جذابة وكانت ترشد الناس إلى أنها ليست شيئاً يذكر. والخطير في هذا الأمر هو أن تأثير القطيع له أبعاد أخرى كبيرة على القضاء وقرارات اللجان والمجاميع. في القضاء تعد لجنة المحلفين عماداً للقضاء في بعض الدول وهي تخضع لتأثير القطيع هذا، تأثير المتحدث الأول، وتأثير المتحدث الذي يسبب استقطاباً ويجمع المجموعة على رأي معين في استقطاب المجموعة الذي يتطرق له الكتاب أيضاً. جميع هذه التأثيرات قد تظهر ذلك التباعد في الأحكام فقط حين ننظر لحصيلة القرارات القضائية.
يعد الاختلاف في المهارات سبباً آخر للتشويش. يظهر ذلك في القرارات الطبية مثلاً. يعكس التباين في الخبرات 44% من الاختلاف في القرارات التشخيصية. وبالتالي فإن التدريب والتطوير المهني قد يكون حلاً لمثل هذا النوع من التشويش. التوافق بين أطباء علم الأمراض ازداد حينما أضيفت فحوص الرنين المغناطيسي، التي بدورها أضافت رؤية جديدة للمختصين، ويندرج هذا أيضاً ضمن زيادة المعرفة بالحالة بشكل يشبه زيادة الخبرة.
ورغم أن الطب بشكل عام ليس مجالاً يرتفع فيه التشويش بالقرارات غير أن هذه ليست الحالة دائماً، ففي دراسة يذكرها الكتاب، يظهر أن الأطباء يختلفون حول نتائج 31% من الحالات حين مطالعة تصوير الاوعية (Angiography) وتحديداً حول ما إذا كان أحد الأوعية الدموية يعاني من انسداد يفوق 70%. دراسة أخرى وجدت أن دقة تشخيص الأطباء لسرطان الجلد تصل إلى 64% فقط. كما بلغ التباين بين أخطاء مختصي الأشعة نسباً تتراوح بين 0% إلى 50% وكذلك تباينت نسب الموجب الخاطئ إلى حد كبير حيث قال اخصائي الاشعة أن هناك سرطان ثدي لثلثي المرات. تشير كل تلك التباينات إلى وجود تشويش.
أما الأمراض النفسية فالوضع فيها أسوأ بكثير من مجالات عديدة فالتوافق بين الأطباء النفسيين في دراسات عديدة يذكرها الكتاب لا يزيد عن 57%. أي لو كنت مشخصاً بالاكتئاب فهناك نسبة كبيرة أن يقول لك طبيب ما ذلك ويعارضه آخر، ولو رأيت أربعة أطباء فقد ترى انقساماً بينهما. كما وجد أن بعض الأطباء النفسيين يميلون إلى وضع المرضى بشكل عام ضمن فئات تصنيفية معينة، مثلاً أحد الأطباء قد يشخص المرضى دائماً بالاكتئاب وآخر قد يشخصهم دائماً بالقلق.
يضاف لأسباب التشويش أيضاً الانحياز الواقع للقضايا السابقة والذي كشف حول قضاة الهجرة الذين يميلون لإعطاء حكم مشابه للقضيتين السابقتين. تخيل أنك تواجه ذات الحالة لخمسة مرات، الن تميل للاعتقاد أن السادسة ايضاً لها ذات الحكم؟
ما حجم تأثير التشويش على القرارات البشرية؟
كم يبلغ امتعاضنا من أمر مثل التمييز القومي أو الطائفي؟ تخيل أنك ترفض في وظيفة فقط لأنك تنتمي لجماعة اثنية معينة. يسمى هذا انحيازاً وهو ليس تشويش، وهو العدو لكثير من المؤسسات والتشريعات والحملات الإعلامية. حين نعرف ذلك علينا أن نعرف أن أثر التشويش على القرارات البشرية لا يقل عن أثر الانحياز.
إن أفضل طريقة لاحتساب الخطأ البشري في القرارات بشكل عام هي بتطبيق معادلة يقع فيها مربع الخطأ على جهة، وحاصل مربع مسببات الخطأ من الطرف الآخر – تعد هذه المعادلة مشهورة في مجال التعلم الآلي مثلاً والذي يسند مهمة اتخاذ القرار ببساطة للحاسوب – وفي هذه الحالة فإن المعادلة ستتضمن التشويش والانحياز من طرف والخطأ من الطرف الآخر. قد يصل التشويش إلى نصف الأخطاء البشرية في اتخاذ القرار أو أكثر من ذلك.
كشف التشويش بحسب الكتاب ومعالجته تتم بمعزل تام عن الانحياز، بل ويصف المؤلفون أن الانحياز قد يبدو جلياً أكثر في بعض المؤسسات التي تستطيع معالجة أسباب التشويش والقضاء عليها. التشويش والانحياز مستقلان عن بعضهما وعلاجهما مستقل وأثر كل منهما ليس أقل من الآخر ولا يستهان به. قد ينال متهم ما 5 سنوات إضافية في السجن لأن القاضي منحاز ضد دينه، وقد ينال 5 سنوات إضافية لأن القاضي لم يتناول وجبة الغداء بعد (موضوع وجبة الغداء يذكر في الكتاب أيضاً، حيث يصبح القضاة أكثر تساهلاً بعد وجبة الغداء).
معالجة التشويش في القرارات البشرية
بما أن التشويش ليس مشكلة واحدة، وليس له سبب واحد، فليس هناك حل واحد يسير. ذكرنا امثلة كثيرة بحسب التخصصات وذكرنا المسببات والآثار وطريقة التشخيص وطريقة الحل إن ذكرت في الكتاب. الإدارة الناجحة والفهم العلمي الصحيح لما يجري هو الطريق لمعالجة مشكلة التشويش. وما لنا إلا أن ننصح بقراءة الكتاب.
التشويش في القرارات والعلوم الحقيقية
هل دراسة التشويش هي علم حقيقي؟ ليس هناك دراسة للتشويش كما رأينا فالمجال متشظي بين مجالات عديدة، أحياناً يمكن للإداريين أن يرصدوا الأخطاء، ويمكن للإحصائيين أو الأطباء أو القضاة أن يدرسوا تلك المشاكل ويقترحوا الحلول لها. فنحن لا نتكلم هنا عن علم حقيقي ولا عن علم ولا عن مجال واحد بل عن مجالات عديدة وعن أصول وممارسة تلك المجالات. ومثلما يؤثر التشويش بجميع تلك العوامل الخفية الواقعة خلف قرارات الجماعات، ومشاكل الخبرة، والدقة في القياس، والعوامل الشخصية المختلفة، فقد يؤثر على العملية العلمية أيضاً. يمكن للباحثين أن يخضعوا لاستقطاب المجموعة أو مشاكل الخبرة أو الخلل في القياس أو التعميم من القضايا السابقة التي رأوها أو التعرض للمزاج السيء والجيد وغير ذلك.
دور الذكاء الاصطناعي
في الختام، هل يمكن أن يكون التعلم الآلي قاضياً أفضل من البشر؟ في الحقيقة هذا مجال موازي تناقشه أبحاث كثيرة حالياً. وربما إذا ما تم استيعاب مشكلة التشويش بشكل دقيق وإدراك حجمها وابعادها فقد يتم اتخاذ قرار كهذا بالفعل في العديد من المؤسسات والدول. لا تعاني عمليات اتخاذ القرار البشرية من الأخطاء الناتجة من الانحياز والتشويش فقط، بل أن العملية بأكملها تغرق أحياناً في عدم قدرة القضاة على معالجة الكم الهائل من القضايا في طوابير تصل إلى الملايين في بعض الدول. ناقش الكتاب هذه القضية في مواضع عدة أيضاً.
بمناسبة ولادة ابنه أسد، أهدي هذا المقال لصديقي حيان الخياط المحرر في العلوم الحقيقية والمحامي المهتم بالتحليل العلمي لكل ما يحسن من عمل القضاء واتخاذ القرارات لدى الإنسان
عمر المريواني
مراجع
[1] Foster, Dean, and Peyton Young. “Stochastic evolutionary game dynamics∗.” Theoretical population biology 38.2 (1990): 219-232.
[2] Blume, Lawrence E. “How noise matters.” Games and Economic Behavior 44.2 (2003): 251-271.
[3] Ramji-Nogales, Jaya, Andrew I. Schoenholtz, and Philip G. Schrag. “Refugee roulette: Disparities in asylum adjudication.” Stan. L. Rev. 60 (2007): 295.
[4] Rehaag, Sean. “Troubling patterns in Canadian refugee adjudication.” Ottawa L. Rev. 39 (2007): 335.
[5] Preston, Julia. “Big disparities in judging of asylum cases.” New York Times (2007). مقال صحيفة النيويورك تايمز عن الدراسة
[6] Tonry, Michael. “The Success of Judge Frankel’s Sentencing Commission.” U. Colo. L. Rev. 64 (1993): 713.
[7] Austin, William, and Thomas A. Williams III. “A survey of judges’ responses to simulated legal cases: Research note on sentencing disparity.” J. Crim. L. & Criminology 68 (1977): 306.
[8] Simonsohn, Uri. “Clouds make nerds look good: Field evidence of the impact of incidental factors on decision making.” Journal of Behavioral Decision Making 20.2 (2007): 143-152.
[9] Neprash, Hannah T., and Michael L. Barnett. “Association of primary care clinic appointment time with opioid prescribing.” JAMA network open 2.8 (2019): e1910373-e1910373.
[10] Salganik, Matthew J., and Duncan J. Watts. “Leading the herd astray: An experimental study of self-fulfilling prophecies in an artificial cultural market.” Social psychology quarterly 71.4 (2008): 338-355.
راجعت المقال لغوياً ريام عيسى وتم نشره ضمن العدد 53 من مجلة العلوم الحقيقية
جزيل الشكر، كتاب مثير للاهتمام وترجمة ومراجعة مميزة.