كثيرًا ما يتحدث الناس – من مبسطي العلوم والمتأثرين بهم – عن النظريات العلمية من دون معرفة الفرق بين النظرية – وهذه الكلمة لا تقلل من مصداقيتها أو قيمتها، كما يعترض الطرف المنكر لبعض النظريات في الغالب – وبين الاكتشاف الحقيقي لشيءٍ ما. 

بالطبع، النظريات تُصاغ وتوضع لتفسير مشكلة أو معضلة ما، ولكنها لا تُكتشف جاهزة في الطبيعة، أي أنها من بنات أفكار العقل البشري وعرضة للتعديلات المستمرة، وربما النقض أيضا. الاكتشاف هو أن تكتشف حيوانا أو فيروسًا جديدا في الطبيعة، أو أن تعزل عنصرا كيميائيا جديدا، والاختراع هو أن تصنع آلة أو جهازا، في حين أن النظرية هي ما يُصاغ عقليا، بناءًا على المعطيات والأدلة الواقعية والتأويلات العقلية، لتفسير مشكلة ما. 

قرأتُ لكم في كتاب مارسيل فيبر (Marcel Weber)، أستاذ الفلسفة بجامعة جنيف، والصادر بعنوان “فلسفة البيولوجيا التجريبية” (philosophy of experimental biology)، ما سأترجمه كما يلي: 

(كثيرًا ما أشار بعض الفلاسفة إلى عملية توليد النظريات على أنها “اكتشاف”، وهذه تسمية خاطئة لأنه لم يتم اكتشاف النظريات. على الرغم من أننا نسمع أحيانًا أن داروين “اكتشف” نظرية التطور، أو أن #أينشتاين “اكتشف” #النظرية_النسبية، فإن هذه الفكرة إشكالية للغاية. وسبب ذلك هو أن طريقة الحديث هذه تفترض مسبقًا أن هذه النظريات كانت موجودة مسبقًا بطريقة ما قبل عمل داروين أو أينشتاين. لكن بالتأكيد، هذا هراء. على الرغم من أننا يمكن أن نقول، ربما، أن قانون أو آلية الانتقاء الطبيعي كانت موجودة قبل عمل داروين، أو أن علاقة التكافؤ بين الكتلة والطاقة التي عبرت عنها معادلة آينشتاين الشهيرة E = mc2 كانت موجودة قبل صياغة أينشتاين لها، فليس من المنطقي أن نقول أن نظريات داروين أو أينشتاين كانت موجودة قبل العمل العلمي لهؤلاء الرجال. من شأن الإدعاء بأنهم فعلوا ذلك أن يرقى إلى شكل من أشكال الأفلاطونية، التي تفترض وجود الأفكار بشكل مستقل عن الفكر البشري. إذا ما رفضنا الأفلاطونية، فلا يمكننا القول بقصد أنه قد تم اكتشاف النظريات. في الواقع، تُبنى النظريات بالفعل من خلال النشاط الإبداعي للعقل البشري). 

يمكنني القول بأن الفرضية hypothesis هي محاولة لتفسير مسألة ما بالاعتماد على بعض الأدلة الضعيفة، وهي النقطة الأساس ومنطلق في أي عمل علمي وبحثي، وعندما تؤكد بأدلة أكثر وأشمل ويتم اختبارها، في بعض المجالات، تتحول الفرضية إلى نظرية theory، وهي بالطبع تصف الآلية والكيفية، في حين أن القانون العلمي يصف الماهية كما هي، بينما يصف الاختراع invention ما يصنعه الباحث من أجهزة وآلات للبحث أو الرصد أو التدخل أو تحقيق غرض بعينه.