أشترك في القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية: 

 

العلم الزائف في الفكر الإسلامي – قراءة في كتاب  ستيفانو بيلياردي

بواسطة | يوليو 30, 2025 | علوم زائفة, فلسفة العلم, قراءات في كتب علمية, كتب علمية | 0 تعليقات

تغطية كتاب ستيفانو بيلياردي من مطبوعات جامعة كامبرج بعنوان الإسلام والعلم الزائف (Islam and Pseudoscience) والذي يتكون من ثلاثة مباحث، أولهما يركز على أبرز النقاد للمجال والثاني حول وجهات النظر الشائعة مما يصنف بأنه علم زائف مثل الاعجاز العلمي والطب النبوي والخلقية وغيرها مع تركيز الكتاب على قضية الاعجاز العلمي وأخيراً يطرح الكتاب آراء أخرى أقل شيوعاً في المبحث الثالث. يتوفر الكتاب مجاناً للقراء حتى الرابع من أغسطس وهذه فرصة لقراءته وتجدون الرابط أسفل المقال.

نقاد الاعجاز العلمي والعلم الزائف في الفكر الاسلامي

في مساره البحثي قابل ستيفانو بيلياردي أو نقل آراء بعضاً أهم الشخصيات التي كتبت بالضد من توجهات العلم الزائف التي ترتبط بالفكر الإسلام. وقد ركز تحديداً على أشخاص من الدول الاسلامية أو ممن يتبنون وجهات نظر دينية معارضة للعلم الزائف في الإسلام وعلى رأس ذلك الإعجاز العلمي في القران والحديث.

ضياء الدين سردار كان أحد أبرز نقاد الاعجاز العلمي وهو صحفي بريطاني من أصول باكستانية له خلفية في الفيزياء وقد تخصص فضلاً عن ذلك في الفكر الإسلامي. يتطرق سردار الى ما يسميه “البوكالية” (Bucallism) نسبة الى موريس بوكالي (Maurice Bucaille) الطبيب الفرنسي الذي تحول من المسيحية الى الإسلام وصار من مروجي الاعجاز العلمي. ونقطة النقد الرئيسية لسردار ضد أمر كالإعجاز العلمي هي تغير العلوم، فلو سلمنا بارتباط معجزة معينة في القرآن بحقيقة علمية، ماذا لو تغيرت تلك الحقيقة العلمية بعد حين؟

تانير ايديس الاكاديمي الأمريكي – التركي هو أحد المشككين الذين يعملون ضمن لجنة التشكيك التحقيق الشكوكي (Committee for Skeptical Inquiry) في الولايات المتحدة، وقد كان أحد الذين نقل بيلياردي آراءهم حول العلم الزائف في الفكر الاسلامي.  وقد تطرق تانير ايديس الى الخلقية وغيرها واصفاً إياهم بالعلم الزائف ويصف ما يجري من تأسيس للعلم الزائف على أنه أمراض فكرية لتضليل المجتمعات.

نضال قسوم، عالم الفضاء الجزائري، كان ممن أدلو بدلوهم ضمن هذا الجزء. أدرج قسوم مجموعة من الإشكاليات التي يراها ضمن طرح الاعجاز العلمي ومنها أن تلك الطروحات تختار نماذج علمية معينة حتى وإن كانت مغلوطة لتنسجم مع القرآن، كما لا تميز تلك الطروحات بين النظرية والحقيقة. يضيف قسوم لتلك الإشكاليات إعطاء الفيتو للقرآن على الاكتشافات العلمية وربط كل ما لا يمكن تفسيره بالأصل الإلهي في الوقت الذي يكون فيه فهم العلوم والتكنلوجيا ضعيفاً من قبل مروجي الاعجاز العلمي واستنادهم الى البحث العلمي والمنهج العلمي ضعيفاً. ينتقد نضال قسوم في الكتاب الحجامة حيث يشرح أنها أمر مرتبط بواقع معرفة البشر وممارساتهم في وقت سالف كما يصف الرقية الشرعية بأنها احتيال كبير واصفاً ممارسات كهذه بأنها تبقي المرضى بعيدين عن العلاجات الفعالة الحقيقية.

نقل بيلياردي وجهات نظر آخرين مثل عالم الفيزياء النووية الباكستاني برويز هودبوي الذي يرى ربط العلم بالنصوص الدينية احتيالاً. كما حاور بعضاً ممن لهم نظرة إيجابية الى بعض توجهات الاعجاز العلمي مثل محمد باسل الطائي الذي كتبنا عنه سابقاً في العلوم الحقيقية لكنه يعارض كثير من الصيغ والطروحات الصادرة من هذا المجال.  عماد الدين أحمد الاكاديمي الفلسطيني في الولايات المتحدة وهو ناقد بشكل عام للإعجاز العلمي ويرى أنه علم زائف “حول العلوم الإسلامية الى مزحة حزينة”.

وبالإضافة لهؤلاء يقدم بيلياردي نفسه أيضاً في الكتاب ونظريته الأساسية تقوم على أن العلم الزائف في الإسلام يشبه في تركيبته المنطقية العلوم الزائفة الغربية فضلاً عن الاستعارات المباشرة من تلك الخرافات والزيف في الغرب. وقد تطرق بيلياردي الى موقع العلوم الحقيقة محاوراً المحرر عمر المريواني ولافتاً النظر الى جهودها في محاربة العلم والعلم الزائف في العالم العربي.

عيوب وهفوات الاعجاز العلمي

من بين ما أورده بيلياردي من نقد وتوضيح حول الاعجاز العلمي وجدنا من المهم والنافع لقراءنا تغطية النقاط الاتية التي لخصها في الكتاب من عيوب وهفوات في طرح الاعجاز العلمي:

العيوب المعرفية: تتمثل العيوب المعرفية – أي ما له صلة بنظرية المعرفة – بشكل رئيسي في العلاقة المشوشة بين العلوم الطبيعية والنص الديني فضلاً عن التصور الضعيف للعلم. يتمثل هذا في استخلاص المعلومات العلمية من القرآن أو استخدام القرآن لتأكيد المعلومات العلمية أو للتحكيم بين الآراء العلمية المختلفة. يضاف الى ذلك تجاهل المنهج العلمي واعتبار العلم مجرد “مجموعة من الحقائق” وكأنها ساحة للتبضع لأخذ ما يمكن الاستفادة منه في طروحات الاعجاز العلمي.

العيوب المعلوماتية: وهذه بالدرجة الأساس تشير الى المزاعم التي يثيرها دعاة الاعجاز والتي تمتاز في بأنها غير دقيقة علمياً سواء من حيث المبالغة، التشوه في نقل الحقائق أو النقل المغلوط كلياً (يحفل موقع العلوم الحقيقية بالكثير من الأمثلة على ذلك). كما يقوم دعاة الاعجاز أحيانا بربط الآيات القرآنية بعلوم زائفة أو مجالات غير علمية وتقديمها على أنها علوم حقيقية.

العيوب التفسيرية: وتتمثل هذه بالنهج المستخدم في قراءة القرآن من حيث التقليل من احتمالية أن يكون هناك طرق متعددة لقراءة نص ما أو المبالغة في دقة مصطلح ما يرد في آية أو مقطع في القرآن. فضلاً عن الترجمة والتفسير المغلوط وتجاهل التفسيرات القديمة التي قد تشرح الآية وارتباطها بوضوح بأحداث معينة في زمانها وكونها مناسبة لذلك السياق (يكاد ينطبق هذا على جميع امثلة الآيات المستخدمة في الاعجاز حيث هناك العديد من التفاسير القديمة وأسباب النزول التي يتم تجاهلها). وأخيراً تقديم التفسير على أنه غير قابل للدحض.

عيوب مرتبطة بالكفاءة والمؤسسات: بطبيعة الحال فلا توجد هناك مؤسسات ذات معايير للكفاءة وجودة العمل أو مراجعة الاقران لأي علم زائف بما في ذلك الاعجاز العلمي. لذا فإن المنخرطين في هذه الاعمال لا يعملون او يتفاعلون بشكل منظم كما لا يوجد أي شيء يحدد كونهم متخصصين في مجال معين فيمكن أن تجد الشيخ يتحدث بالعلم وصاحب التخصص يتحدث بتخصص آخر وهكذا.

العيب اللاهوتي: يتعارض استخلاص العلم من القرآن مع تعاليم القرآن بذاتها. ذكرنا لبيلياردي وأشار لما ذكرناه حول تنويه الدكتور خالد منتصر الى أن الدين يقوم على اليقين في حين أن العلم يقوم على الشك لذا فهما لا يلتقيان. يركز بشكل رئيسي ايضاً على آراء مهدي غولشني في عدم مقبولية الاعجاز العلمي دينياً.

معارضة نظرية التطور

وضع بيلياردي قائمة مهمة جداً في السمات الرئيسية لمعارضة نظرية التطور في الفكر الإسلامي باعتباره صنف آخر شائع من العلوم الزائفة. أول ما ورد فيها هو الانتقاص المعرفي ويقصد به المحاولات لتصغير نظرية التطور مثل من يقولون أنها “مجرد نظرية” باعتبار انها ليست قانوناً أو حقيقة علمية. وكذلك مغالطات مثل “لا يمكننا العودة بالزمن للوراء للتحقق” أو أنه “غير قابل للدحض” وفق قاعدة كارل بوبر وغير ذلك مما يحفل موقع العلوم الحقيقية ومواقع عربية أخرى بالردود والشروحات حولها. وقد قدم بيلياردي ردوداً على كل من تلك المزاعم والآراء.

الصنف الآخر من معارضة نظرية التطور يتمثل بتشويه الأدلة التطورية وأبرز ذلك مزاعم أشخاص مثل هارون يحيى. من يقول بهذه الآراء يأتي بأمور مثل الاعتراض على عدم اكتشاف حفريات انتقالية أو “حلقات مفقودة” أو القول بأن الطفرات ضارة بشكل عام.

ثم يتطرق الكتاب الى التفسيرات المبالغ بها للظواهر الطبيعية كدليل على الخلق ومن ذلك ما يقال أن هناك هدف للتصميم وأن التصميم غير أعمى ويهدف لخير الانسان ومصلحته تحديداً. ومن ثم الاعتراضات الأخلاقية من قبيل أن التطور هو المصدر للإرهاب والشمولية أو أنه يرتبط بالعنصرية وهي مما لا أساس له على الاطلاق. ويذكر أيضاً القائلين بنظريات مؤامرة مثل وجود “لوبي دارويني” أو أن هناك قمع لانتقاد التطور وتلفيق الأدلة . فضلاً عن ذلك يذكر بيلياردي اعتراضات متهافتة غريبة مثل أن الكائنات الحية مثل الاشكال الهندسية وهي غير قابلة للتحول وهو رأي لفيلسوف إيراني وهو سيد حسين نصر. أو رأي آخر لنفس الشخص بأنه لا يمكن أن يأتي ما هو أعظم مما هو أقل مشيراً للمقارنة بين الانسان والكائنات التي تطور منها.

(راجع مقالنا: عشرة مغالطات حول نظرية التطور).

مواضيع أخرى وخاتمة

يمضي الكتاب نحو مواضيع أخرى كالخلقية ومقارنتها بين الإسلام والمسيحية. ثم يتطرق الى الطب النبوي بما فيه من حجامة وسواك وشرب بول الابل وفضائل التمر والحناء والعسل وغير ذلك. أيضاً يضيف الاعجاز الطبي وهو يختلف عن العلمي من حيث اقحامه في الممارسات والنصائح الطبية مثل النصائح حول تناول التمر والزيتون والرمان. وينتهي بالتوجهات حول معارضة تخصصات علمية مثل علم الفضاء واللقاحات (عارض مجلس العلماء في اندونيسيا عام 2008 لاشتقاقها من الخنزير بحسب مزاعمهم).

في الختام نرى في هذا الكتاب منشوراً مهماً يوثق مرحلة من مراحل انتشار العلم الزائف وأسسها المنطقية والردود  عليها ووصف أبرز مروجيها وشخوصها وندعو من يهتم لقراءة الكتاب حيث أن تلخيصنا له لا يكفي بلا شك.

رابط الكتاب

Bigliardi, Stefano. Islam and Pseudoscience. Cambridge University Press, 2025.