تعد الشكوكية بين الحقول البارزة في الصحافة العلمية والاعلام العلمي، وتختص بها نخبة من الكتاب والعلماء حتى أن بعضهم يتخذها مجالا رئيسيا للكتابة والانتاج المعرفي. اذا هل هناك حقل دراسي خاص بالشكوكية؟ ربما بالعودة الى الافكار المتعددة حول مفهوم الشكوكية يمكن أن نبتدئ تساؤلنا حول الشكوكية كمادة للدراسة.
يرى بريان دونينغ صاحب موقع سكيبتويد (skeptoid) في مقاله “ما هي الشكوكية؟” أن الشكوكية لا ينبغي أن تكون مرتبطة بالشك بقدر كونها ترسيخا للتمسك بالادلة وبالعقلية النقدية. لا يرى دونينغ أن الشكوكية تتضمن عدم الايمان بالضرورة بل بأعتمادها على التفكير النقدي وتطبيق المنطق كوسيلة للتحقق من صحة الاشياء.
بينما يرى اخرون مثل جيمس راندي في حواره مع صحيفة نيويورك تايمز ان الشكوكية يجب أن يكون لها موقف محدد من الدين الذي يصفه بأنه مدمر، وذلك بخلاف مشككين حداثيين جدد يؤمنون هم انفسهم بدين معين. بجميع الاحوال ليس هذا هو ضوعنا في هذا المقال بل القصد من الامر هو توضيح احدى الاختلافات البارزة في النظرة للشكوكية والتي قد نتناولها لاحقا في مقال خاص بذلك.
الشكوكية تتفرع أيضا نحو فروع اخرى. قد تقف حاجزا امام جعلها مجالا واضحا للدراسة ومنها:
– التشكيك بالخرافات البسيطة: هذا النوع من الشكوكية مهما بلغ اسهاب اراءه غير أنه يبقى بسيطا للغاية وكذلك يجب أن يكون. هذا النوع ببساطة يحاول ان يشرح أساسيات منطقية أو علمية ليقول للقارئ البسيط أن الاشباح أو الجن أو السحر أو الحسد هي خرافات. ولعل الجهود في هذا الاتجاه هي الاقل حظا في تحقيق نتائج ملموسة على العامة الذين لن يبلغوا تلك المرحلة التي يراجعون فيها أدبيات وكتابات التشكيك. قد يحتاج لهذا النوع أشخاص مشككين أو أشخاص لا يؤمنون بالخرافات ويحاولون أن يحصلوا على الطريقة المثلى لاقناع مقتنيها بأنها غير صالحة وغير منطقية.
– التشكيك العلمي بمواجهة العلم الزائف: الحقل الأكثر ازدحاما بالادلة والذي يواجه اعتى الخصوم أمام الشكوكية أمام جمهور متعلم أو قادر على قراءة الهراء المرتدي لثياب العلم وفهمها ولو جزئيا. بينما ستجد جمهور النوع السابق في القرى القاصية وفي مراكز الشعوذة والدجل، فستجد جمهور العلوم الزائفة يتابع مواقع معينة مقاطع يوتيوب مفصلة وبرامج تلفزيونية تستضيف مختصين. أحد المواقع مثلاً يستضيف مئات الادلة ضد منكري الاحتباس وهم احد اعتى الخصوم امام الشكوكية وهم لا يلبسون ثوب العلم فحسب بل يحاولون تصدر العناوين بصفتهم التيار الاصيل للشكوكية.
– التشكيك أمام الأديان: ذكرنا موقف جيمس راندي سابقا، وهو مقدمة بسيطة لطيف كبير من الشكوكية المناهضة للدين بدءا من صفحات الفيسبوك التي تستهزئ بالاساطير او الوقائع المذكورة في النصوص الدينية وانتهاءا بالتشكيك المعقد الذي يغوص في أعماق النصوص القادمة من العصور القديمة ويقدم طروحات عميقة لا يمكن ان يناقشها العوام بتاتا.
– محاربو الطب البديل: لعل هذا النوع ينتمي الى النوع الانواع الثلاثة جميعها فمثلا هناك التشكيك ضد الطروحات الطبية المستمدة من النصوص المقدسة كالطب البديل. وهناك من يواجه طروحات طبية ضعيفة تصدر بأوراق بحثية وتجارب مثل تجارب بورزينسكي وخرافات فيتامين ب١٧ لعلاج السرطان وهناك خرافات الشامانات واطباء القباىل البسيطة ومن يقف بوجهها.

بالتركيز على النوع الثاني من محاربة الطب البديل وعلى التشكيك العلمي بصورة عامة قد يحتاج الامر الى مناهج دراسية خاصة بذلك لكن الى أي مستوى يجب أن يدخل الامر أبواب الدراسة؟ وهل هو متحقق؟
تطرح كثير من الكورسات والمواد الجامعية ملاحق مضادة لعلوم زائفة في سياق موضوعاتها وفي سياق المحاضرات وهذا ربما الحل الأفضل من حيث القوة والنفاذية الى سطح الخرافة والعلم الزائف.
لكن هل يمكن ان تدرس الشكوكية العلمية أو غيرها كمادة مستقلة أو كتخصص؟ لا أظن أنها فكرة جيدة أن تكون طالبا في قسم الشكوكية فالشكوكية في اساسها تستند الى اسس علمية لا يمكن الالمام بها من غير المختص. حتى مواجهة المغالطات وفهم المنطق والتفكير النقدي لا يمكن ان يستقيم دون مادة علمية توطده في الاذهان.
يدعم هذه النظرة واقع اشهر المشككين في العالم فريتشارد داوكنز مثلا وفي كل الحقول التي خاض بها كان يقف بمواجهتها من تخصصه في البيولوجيا. جيمس راندي بخلاف داوكنز وكثيرين لم يكن مختصا في مجال علمي بل كان قد أتى من خلفية فنية مسرحية لاسيما مجاله في السحر والعاب الخفة. روبيرت تود كارول كان فيلسوفا، كريستوفر هيتشنر كان صحفيا وكاتبا، شيرمر مختص بالتاريخ وهو كاتب وصحفي ايضا.
تعدد التخصصات يقول لك أنك لا تحتاج الى دراسة خاصة لتكون شكوكيا ولن تكون هناك حاجة لدراسة الشكوكية كحقل مستقل، وهو خبر جيد لجميع كتاب الصحافة العلمية للانطلاق نحو محاربة ما يرونه من اللامنطق بالوسائل الاعلامية كافة ومن مختلف المنطلقات شزط امتلاك تلك النظرة الواسعة المتضمنة لحقائق العلم وقواعد المنطق وفهم المغالطات وكيفية عمل العالم بقوانين العلم المختلفة.