من منا لم يشاهد إبداع ديزني في “كتاب الأدغال” ورأى كيف تتحدث القردة وتتحاور فيما بينها ومع ماوكلي ! إلّا أنّه وفي حياة الواقع فإنّ وجد قرد ناطق كالبشر هو أمر بعيد عن منطق الرسوم للأسف.
إلّا أنه وفي آخر الدراسات تبين أنّ الرئيسيات ومن ضمنها القردة تمتلك كل المقومات لتتحدث إلّا أنّه ينقصها أمر غاية في الأهمية!
منذ أيام داروين، كان السبب حول عدم قدرة الرئيسيات -غير الإنسان- على التحدث مثلنا موضع جدل، فهم يشاركوننا القدرة على استخدام الأدوات والقدرة على تعلم لغة الإشارة البسيطة لا وبل أنّهم يظهرون في بعض الأحيان شعوراً بالذات (الوعي). هذا السؤال يثير أسئلة عدة عن زمن تطور اللغة لدى البشر وكيفية تطورها؟
هل كانت البنى التشريحية جاهزة لأدمغتنا حتى تقوم بخلق اللغة!؟ أم أن اللغة احتاجت تطوراً كبيراً في أشباه الإنسان الأوائل؟
قام العلماء بدراسة نشرت في دورية تطورات العلم (The Journal Science Advances) في شهر ديسمبر من العام 2016 تناولت هذا الموضوع وفتحت آفاقاً جديدة بخصوص هذا الجدل القديم.
تمت الدراسة عن الطريق تصوير قردة المكاك (Macaques) بالأشعة السينية وهم يقومون بإصدار أصوات مختلفة ومن ثمّ تحليل الأنماط المختلفة التي تستطيع حبالهم الصوتية أن تتخذها لإصدار هذه الأصوات، فوجدوا أنّ ما ينقص هذه القردة حتى تستطيع الكلام هو القدرات الإدراكية فقط، لا القدرات الجسدية التشريحية.
يقول العالم Fitch وهو عالم بيولوجيا من جامعة فيينا “آمل بأن تقوم هذه الورقة البحثية بنفي الخرافة التي تدرس في الكتب بأنّ القدرة غير قادرة على الكلام بسبب البنى الفيزيائية التي تمتلكها”.
على مقياس تطوري، يشير هذا الاكتشاف إلى أنّ القدرة على الكلام قد تكون موجودة قبل تطور البشر ولم نحتج إلاّ لتطور التوصيلات العصبية في دماغنا حتى نستطيع استغلال قدرات حبالنا الصوتية إلى أبعد حد.
يقول مارك بيغل وهو عالم أحياء تطوري في جامعة ريدينغ: ” الكلام ليس شيئاً ينبثق بسبب امتلاك الحبال الصوتية والقدرة على إحداث الصوت، إنّه أمر قوي للغاية. اللغة، هي أمر مكلف للغاية ويحتاج الكثير من الشبكات العصبية.”
هذا ويأمل بأن العالم فيتش سيقوم بإغلاق الباب على هذا النقاش وسيسمح للعالم بالتفكير بأسئلة أكثر أهمية، كالسؤال عن تعقيد اللغة البدائية التي تستخدمها الحيوانات. مذكراً بدراسة تمت في عام 1980 قام فيها علماء الأحياء بتحديد 3 أنماط تستخدمها قردة الفيرفيت التي تعيش في أفريقيا لتحذر بعضها من ثلاثة أنواع من المفترسين عند اقترابهم.
يضيف بيغل ” أعتقد بأننا سنجد درجات دقيقة جداً في اختلاف هذه الكلمات الثلاث”.
دراسة فيتش تحاكي الطرق التي تم القيام بها في دراسة نشرت في عام 1969 على يد فيليب ليبرمان الذي أشرف على بحث الدكتوراه الذي قام به فيتش وتم فيها صنع نماذج من البلاستر للحبال الصوتية لقردة المكاك وتم استخدامها لمحاكاة الترددات الممكن إصدارها منها. هذا ويعتبر ليبرمان أنّ ماقام به فيتش هو إعادة جيدة لما قام به لكنّه يشير إلى أنّ طالبه السابق لم يأخذ بعين الاعتبار جودة الكلام المنطوق.
على سبيل المثال، صقلت الدراسة حول حقيقة عدم قدرة قردة المكاك على لفظ الأحرف الصوتية في كلمة “BEET” وكذلك العديد من الكلمات كـ “Do- Ma” والتي تعد من الكلمات الهامة التي يستخدمها البشر للتفاهم.
“إذا امتلكت القردة أدمغة البشر، فإنّها ستستطيع التحدث، لكن بوضوحٍ أقل” يضيف ليبرمان.
كما يعلّق عالم الأنثروبولوجيا (أدريانو ريس أي لاميرا) عن أن فيتش ومساعده أهملا بحثاً قام به لاميرا نفسه، حيث أشار فيه إلى أنّ بعض الرئيسيات تملك القدرة على تعلم أحرف صوتية جديدة و حروف ساكنة كذلك سواءً في البرية أو في الأسر.
إلّا أنّ فيتش رغم ذلك مؤمن بالنتائج التي وصل إليها ويرغب بتوسيع بحثه ليشمل كائنات أخرى كأطفال البشر.
حيث يأمل هو وزميله في أن يدرسوا في ما إذا كان دماغ الأطفال هو ما يعيق الكلام لديهم أم البنى التشريحية!؟
ويرى ذلك كامتداد لبحثه في دراسة أصل اللغات.
يزن الحريري
Ben Panko, “What’s Really Keeping Monkeys From Speaking Their Minds? Their Minds” , smithsonianmag.com