نعلم جميعنا ذلك الإحساس الذي ينتابنا في الليلة الأولي في الفندق بعد يوم شاق من السفر حيث نذهب للنوم على الوسادة ولا نستطيع أن ننام على الرغم من الإرهاق الشديد.
وتسمى عدم القدرة على النوم في الليلة الأولى لمكان جديد بـ “تأثير الليلة الاولى”،ولكن لا زالت أسبابها غير واضحة.
اقترحت دراسة بيولوجية حديثة أنه قد تكون هذه الظاهرة ميزة تطورية متنكرة، بينما أظهر فريق في جامعة براون أن الترنح يحدث لأن أحد نصفي المخ يتخلى عن النوم ويعمل كساعة ليلية تنبهنا للمخاطر المحتملة.
وفي دراسة للنوم تمت على المشاركين لمشاهدة نشاط المخ في أول مرة للنوم في مكان جديد قالت ماسكو تاماكي:” استغرق الأمر وقتا أطول من المعتاد حتى يشعروا بالنوم، واستيقظوا مرات عديدة في وسط جلسات النوم وكانت مدة النوم العميق أقصر من المعتاد، وفي العادة يتخلى الباحثون عن المعلومات لان الجودة منخفضة، ولكننا فضوليين حول معرفة ما يحدث داخل الدماغ النائم في الليلة الأولى لمكان جديد”
أثناء النوم، يمر دماغ النائم برحلة خلال مجموعة من المراحل، كلاً منها له إشارة كهربائية مميزة ومرتبط مع درجة عمق النوم. ركزت تاماكي (Tamaki) وفريقها على أعمق درجة من النوم الذي يسمي “نوم الموجة البطيئة” عندها نكون أكثر عرضة للخطر. استدعى الباحثون مجموعة من المشاركين للنوم في المختبر لمدة ليلتين متتاليتين. وقد تم ربط كل مشارك بمجموعة من الأدوات التي تقيس مستويات النشاط في أربع شبكات داخل كل نصف من الدماغ.
في الليلة الأولى، كان نشاط الموجة البطيئة في نصف المخ الأيسر أقل بشكل ملحوظ من نشاطها في نصف المخ الأيمن. ولكن في الليلة الثانية كان نشاط الموجة البطيئة في نصفي المخ متشابهين. هذه الاختلافات في نشاط نصفي الدماغ أثناء النوم العميق كانت تظهر بشدة في المناطق المرتبطة بأحلام اليقظة مثل: شبكة الوضع الافتراضي (DMN).
وبناءاً على هذه الدراسات،كانت تاماكي (Tamaki) وفريقها فضوليون حول ما إذا كان النوم الخفيف في النصف الأيسر لأدمغة المشاركين سيمكنهم من مراقبة الأخطار المحتملة أم لا، وكما أظهرت الدراسات التي أجُريت على الحيوانات فقد عرض الباحثون مجموعة من المشاركين لمجموعة أصوات غريبة ومرتفعة مع صوت صفير في كل ثانية خلال نوم الموجة البطيئة، وكانت موجات الصوت للأذن اليسرى واليمنى مختلفتان حيث يُرسل كلاً منهم إشارات إلى نصف المخ المعاكس للأذن (حيث تذهب موجات الصوت إلى النصف الأيسر من خلال الأذن اليمنى ، وتذهب موجات الصوت إلى النصف الايمن من خلال الأذن اليسرى)
وفي خلال أول ليلة من النوم، كان نشاط الجزء الأيسر من المخ أعلى من نشاط الجزء الأيمن من المخ، وكانت هذه الاختلافات تظهر استجابة لموجات الصوت ذات النمط غير الثابت، التي تمثل شيئا خطرا وغير معتاد للمخ، ولكن كانت هذه الاختلافات تختفي في الليلة الثانية حيث أصبحت تمثل شيئا معتاد للمخ.
ولكن هل هذه الاختلافات هي ما تجعل الناس يستيقظون ويتفاعلون بشكل أسرع؟
لمعرفة الاجابة قام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى مجموعتين، وتم تعريض الأصوات في الأذن اليمنى -التي تذهب إلى نصف المخ الأيسر- للمجموعة الأولى وفي الأذن اليسرى- التي تذهب إلى نصف المخ الأيمن – للمجموعة الثانية وكان استيقاظ وسرعة إستجابة المجموعة الاولى أسرع من إستجابة المجموعة الاخرى وهذا يفسر الفرق في اختلاف استجابة النصف الأيسر والنصف الأيمن للمخاطر ويفسر نشاط الموجة البطيئة في نصفي المخ، ولكن في الليلة الثانية أصبحت درجة إستجابة المجموعتين متساوية.
يقول جيروم سيجل (Jerome Siegel) مدير مركز أبحاث النوم في جامعة كاليفورنيا: “في مستوى معين يستمر المخ بمعالجة الحوادث حتى إذا لما تكن تعي بذلك”.
وجد الباحثون أن في أدمغة الطيور وعجول البحر وبعض أنواع الحيتان والدلافين يظل نشاط أحد نصفي المخ مرتفعا بينما يكون النصف الآخر في حالة نوم عميق، يقول جيروم سيجل:” هذه الظاهرة ليست واضحة تماماً في البشر، ولكن من المتوقع تواجدها إلى حد ما”.
وتقول تاماكي (Tamaki):”على الرغم من أن أدمغتنا مختلفة تماما عن الثدييات البحرية والطيور، إلا أننا نحتاج آلية لتحمينا أثناء النوم العميق، لذلك أدمغتنا تطورت لتحتاج الى جزء صغير فقط منها ليعمل كساعة ليلية”.
اقترحت تاماكي وزملائها أن الجزء الأيسر من المخ هو المسئول عن حمايتنا، لأن الروابط بين شبكة الوضع الافتراضي (the default mode network) وباقي أجزاء المخ في الجزء الأيسر قوية حتى تتيح إستجابة سريعة للأخطار المحتملة.
ومن المحتمل أيضاً أن الجزء الأيسر من المخ تتغير وظائفه على مدار دورات النوم، تقول تاماكي (Tamaki):” نحن قمنا بتحليل دورة واحدة من النوم، ولكن هناك اربع او خمس دورات أخرى للنوم”.
تأمل تاماكي وفريقها أن معرفة صحة هذا الاحتمال في الدراسات المستقبلية، ومعرفة تأثير الليلة الاولى على التعلم والذاكرة. ومن الممكن أن تمد الدراسات فهم أكثر وضوحاً لحالات النوم المزمنة مثل الأرق، خصوصا أن المصابين بالارق يستطيعون النوم جيداً في الاماكن الجديدة.
تقول تاماكي:” إذا كان لديك بعض الأحداث المهمة، فمن الأفضل لك أن لا تصل قبلها بيوم واحد فقط، حتى لا تعاني من تأثير الليلة الأولى”.
المصادر:
Hoffman, A. (2016, April 21). You Can’t Sleep While Traveling Because Your Brain Acts Like a Dolphin’s. Retrieved May 10, 2017