يقدم الطبيب حامد محمد برنامجاً صحياً بعنوان “عدكم العافية” على قناة العراقية وهي القناة الرسمية التي تمولها الحكومة العراقية ضمن مجموعة قنوات رسمية أخرى. في برنامجه يقدم حامد محمد تغطية لحالات طبية ونصائح طبية عامة لا تخلو من شوائب غير علمية، ففي صفحته على فيسبوك يعرف نفسه بأنه “انا طبيب سعادتي الحقيقية في تعليم الناس كيف يحتفظون بصحتهم الروحية والنفسية والبدنية بدون ادوية” وهو بذلك يتخطى دوره كطبيب أولاً متجهاً نحو السعادة “الروحية” وينعطف بشكل خطير الى جانب المروجين ضد الادوية والمضللين حولها، وهو من دوره كطبيب يقدم رسالة إعلامية يقوم بأمر ضار جداً من خلال تبنيه لهذا الخط. لكن ومع تفشي فيروس كورونا فقد نشر حامد منشوراً حول نمط آخر من التضليل، حيث يحاول دحض نظرية التطور فقط لأن فيروساً ما صار قادراً على مهاجمة البشر. نشر الطبيب ما يلي:
“الكورونا فايرس وغيرها من الفايروسات التي تقتل وترعب الانسان فضحت العلماء الذين يعظمون نظرية دارون اكبر فضيحة لان نظرية دارون تستند في الاساس الى الطفرات الوراثية التي تحدث في الاحياء المختلفة لتصبح ذات مواصفات اعلى وترتقي في سلم التطور الى احياء ذات قدرات مقاومة للظروف البيئية المختلفة وبذلك استمرت بالحياة وانقرضت الاحياء التي لم تستطع ان تقوم بهذه الطفرات فكيف يقضي فايرس مكون من ٨ قواعد امينية على الانسان والحيوانات التي تعتبر الاعلى والارقى في عملية التطور وهو يتكون من مليارات القواعد فاين الانتخاب الطبيعي الذي يجب ان يحميه من فايروس متناهي الصغر”
تفترض هذه المغالطة مثل مغالطات أخرى كثيرة أن نظرية التطور تعمل وفق مزاجنا لصناعة الرجل الخارق (سوبرمان) وعلى كافة الأصعدة، وأن الطفرات الوراثية تحدث بشكل محسوب لتراعي جميع المخاطر التي يُمكن أن نتعرض لها بمختلف مراحل حياتنا أو أن نكون كائنات قاهرة لمختلف أصناف الكائنات. يُشبه هذا العتب على الطفرات الوراثية الحاصلة فينا لأنها لم تحسب حساباً لحوادث السير وإن اختلف مستوى التشبيه.
مفهوم الأعلى أو الأرقى تطورياً لا يلبي بالضرورة مفهوم القوة والمنعة التي نتخيلها، إنه لا يعني أن نكون كائنات خارقة. بل يعني فقط أننا مثل أي كائن آخر مررنا بالعديد من الطفرات الوراثية على مدى ملايين السنين، بعضها كان مفيداً وساعد من ناله على المضي قدماً في مسار البقاء، فيما دُفن الضار منها مع حامليه او صارع لأجيال قليلة ثم اختفى، وبالمقابل فإن هناك طفرات غير ضارة وغير مفيدة في نفس الوقت وقد بقيت معنا. لم تكن هذه الطفرات مصممة لشيء، وكذلك العملية التطورية، لكن عملية غربلة الصفات الجديدة عبر معايير الصراع مع الطبيعة والصراع بين البشر أنفسهم ساعد بإبقاء بعضها والقضاء على البعض الآخر ليبقى ما نراه مفيداً، أو داعياً للأعجاب من جمال وقوة وفوائد للحماية والمناعة. كما يُمكن أن يتم انتقاء صفات أخرى مثلما كان يحدث باستمرار، نحن نتغير مع كل مجموعة من الأجيال وسنكون مختلفين في المستقبل حتماً، لكن ليس حسب أهواءنا، بل وفق معادلة شديدة التعقيد لما سيحدد نجاحنا التطوري.
كل هذا جعل العملية تبدو وكأنها عملية ذكية مخطط لها، وجعل أشخاصاً مثل حامد محمد يتسائلون أمام تلك العملية العريقة، لماذا لم يكن هذا أو ذاك ضمن قائمة ما تم إعداده؟ لماذا لا نقاوم السقوط من الأعلى، لماذا تنكسر عظامنا، لماذا كنا نموت بسبب الطاعون طيلة تلك القرون، والآن لماذا نموت بفيروس كورونا مثلما كنا نموت بفيروسات مشابهة طيلة وجودنا على الأرض؟ لا يُمكن أن تسأل سؤالاً كهذا لعملية مثل التطور.
لو تخيلنا الفيروس وهو يقضي على جميع سكان الأرض باستثناء فئة معينة كان لأجسادها رد مناعي مغاير مكنها من البقاء، وقد حدث هذا كثيراً في الماضي مع أمراض عديدة. أمر كهذا هو ما يُمكن أن نرى فيه تأثير التطور بشكل فوري وبالتأكيد فهو مما لا نأمل حدوثه. وإن حدث فعلاً، فهو ليس ذكاءاً من العملية التطورية بل مجرد عامل وراثي عشوائي كامن ساعد تلك الفئة التي نجت على البقاء.