مبدئياً تبدو المعادلة بسيطة سعرات حرارية داخلة وسعرات حرارية خارجة، إذا ما جعلت الثانية أكبر من الأولى فستخسر وزناً، وإذا ما زادت الأولى عن الثانية ستكسب وزناً. في مقالٍ سابقٍ أوضحنا أن جميع الحميات قد تكون خاضعة لهذه القاعدة بما فيها الحميات عالية الدهون. ولكن، هناك تفاصيل دقيقة أخرى تجعل فهم موضوع الطاقة أفضل وينبغي معرفتها للمهتمين بالرياضة والحميات الغذائية.
سنركز في هذا المقال على مصادر الطاقة الموجودة في جسم الإنسان، أي دون التركيز على الأغذية ومحتواها وطبيعة الطاقة فيها. ولعل هذا الموضوع أكثر غموضاً مما يعرفه الكثيرون حول مصادر الطاقة التي نحصل عليها من الطعام. لعل من المفاجئ أن ما نحتاجه من الطاقة يأتي في أحيان كثيرة من أجسادنا وليس من الطعام الذي نتناوله.
للاطلاع على بقية مقالات السلسلة:
سكر الدم
في جسم الإنسان البالغ هناك ما يقارب 5 لترات من الدم[1]، ولو أخذنا بنظر الاعتبار النسبة الطبيعية للسكر الموجود في الدم (90-120 مليغرام لكل ديسيليتر)[2] فسنجد أن كمية السكر الموجودة في الدم كلياً ليست سوى 4-5 غرامات من السكر، أي ما يقارب ملعقة كوب صغيرة من السكر. ولا تعدو السعرات الحرارية الموجودة في تلك الكمية من السكريات على 16-20 سعرة حرارية. من الواضح إذاً أن سكر الدم ليس سوى مقدار ثابت يعبر عما موجود في الوسط الناقل (الدم) وأن الجسم يحتاج لوسائل عديدة لإدامته.
ما فائدة سكر الدم؟
سكر الدم هو المصدر الرئيسي الذي تحصل منه خلايا الجسم على الطاقة، وفي الوقت الذي يُمكن لبعض خلايا الجسم أن تحصل على الطاقة بطرق أخرى (اقرأ عن الفوسفاجين في مصادر الطاقة في الجسم وتأثيرها في التمارين الرياضية على موقع العلوم الحقيقية)، فإن الدماغ مثلاً يعتمد على الجلوكوز بشكل رئيسي[3].
كيف يحافظ الجسم على مستوى السكر ثابتاً؟
بما أن سكر الدم ضروري للدماغ ليستمر بالعمل، فإن ادامة نسبة السكر في الدم لا تعتمد على ما نتناوله من أطعمة فحسب بالتأكيد. سيرتفع مستوى السكر في الدم بعد تناول الأطعمة لأن الدم هو الوسيط أو الوسط الناقل للجلوكوز قبل استهلاكه أو خزنه. لكن توفير الجلوكوز بشكل دائم للمحافظة على مستوى السكر في الدم لا يعتمد على الغذاء بل على مخزون الجسم من الجلايكوجين (النشاء الحيواني) والذي سنأتي لذكره. أما الهورمون الذي يوعز ببدء عملية تحويل المزيد من الجلايكوجين الى جلوكوز في الدم فهو الجلوكاجون.
الجلايكوجين في العضلات والكبد
ثاني مصدر للطاقة في الجسم – بل ربما هو الأول إذا ما اعتبرنا سكر الدم هو فقط ما يتم تناقله – هو النشاء الحيواني (الجلايكوجين) الذي يتواجد في الكبد والخلايا العضلية. يتم تشكيل الجلايكوجين من السكر البسيط الجلوكوز وخزنه في الخلايا، وفي الوقت الذي تستطيع خلايا الكبد تفكيك الجلايكوجين وإطلاقه في الدم، فإن الخلايا العضلية تقتصر على استهلاك ما لديها من جلايكوجين دون اطلاقه في الدم.
متى يفرز الجسم المزيد من السكريات عبر تحلل الجلايكوجين؟
تحدث عملية تحلل الجلايكوجين (glycogenolysis) عندما تكون جزيئات الطاقة المستخدمة في الخلايا (ATP) أقل من اللازم. وتكاد تحدث العملية طيلة الوقت غير أن هناك حالات عديدة تُفعل تحويل الجلايكوجين إلى جلوكوز وإطلاقه في الدم بشكل أكبر من الطبيعي، مثلاً في حالات الصيام (بمفهوم الانقطاع عن الطعام وليس الصيام الديني) أو ممارسة الجهد البدني حيث يبدأ حينئذ تفكك الجلايكوجين بشكل أكبر[4].
هل يُمكن أن ينفذ مخزون الجسم من الجلايكوجين؟
يحتفظ الكبد بكمية من الجلايكوجين تتراوح بين 100-200 غرام، بينما تضم العضلات كميات من الجلايكوجين تصل إلى 400[5] غرام لدى الشخص البالغ والتي لا يُمكن اطلاقها في الدم ويمكن الاستفادة منها للجهد العضلي وذلك لافتقار العضلات للأنزيم المطلوب لإطلاقها في الدم[6]. غير أن مجموع كل ذلك لا يتعدى 2000-3000 سعرة حرارية من الطاقة (في الجسم بأكمله) وهي قد تكفي الجسم ليوم إلى يومين قبل أن تنفذ ويبدأ الجسم بالتوجه إلى مصدر طاقة آخر. أيضاً يُمكن أن ينفذ مخزون الجسم من الجلايكوجين أثناء القيام بالنشاطات الرياضية الطويلة مثل ركض الماراثون أو القيام بسباقات الدراجات لأيام، يحتاج الرياضيون عندها إلى التعويض المباشر عبر تناول السكريات[7].
يحدث أيضاً في الحميات المنخفضة/المنعدمة الكربوهيدرات أو في حميات الصيام أن يبدأ الجسم باستنفاذ مخزونه تدريجياً حتى ينفذ نهائياً، عندها يحتاج أن يتجه نحو الدهون، وفي فترة التحول بين الجلايكوجين والدهون تحدث فترة يمر الجسم فيها بالضعف وقلة الطاقة (تشبه أعراض نقص سكر الدم) يتم تعويض تلك الفترة بمصدر آخر للطاقة سنتطرق له في مقال قادم.
كم تستغرق عملية تحويل الجلايكوجين إلى سكريات؟
يُمكن أن تكون العملية فورية وأسرع حتى من تناول السكريات. عندما يصاب مرضى السكري بحالة اغماء ناتجة عن نقص سكر الدم فإن الحل الأول أمام الكوادر الصحية هو أن يتم حقن المريض بحقنة جلوكاجون، فهذا سيحفز الكبد على إطلاق كمية كبيرة من السكريات إلى الدم عبر تحويل الجلايكوجين الموجود فيه. أما الحالة الثانية التي نرى فيها فورية هذه العملية فهي ما يحدث في التمارين الرياضية العنيفة او التي تعرف باللاهوائية، حيث أن العضلات تلجأ لمخزونها من الجلايكوجين وكذلك يطلق الكبد السكريات في الدم عبر تحليل الجلايكوجين وذلك بدلاً من الاعتماد على العملية الأخرى الهوائية والقائمة على استهلاك ما في الدم من سكريات ومن ثم تعويض ذلك بشكل تدريجي، لهذا السبب أيضاً يُلاحظ المصابون بالسكري أن مستوى السكر في الدم قد يرتفع عند البدء بالقيام بالتمارين العنيفة.
ماذا لو كان هناك خلل في خزن او تفكيك الجلايكوجين؟
هناك أمراض عديدة يحدث فيها خلل في عملية خزن الجلايكوجين. تعرف هذه الأمراض بأمراض خزن الجلايكوجين (Glycogen storage disease) وتكاد تجتمع هذه الأمراض في عرض رئيسي وهو الضعف العضلي. فيما تظهر أعراض أخرى تشترك فيها كثير من هذه الأمراض مثل تضخم الكبد، حدوث نقص سكر الدم (دون الإصابة بالسكري)، ارتفاع نسبة الدهون في الدم، مشاكل في النمو العضلي. وهذه الأمراض هي أمراض نادرة تحدث نتيجة خلل في أحد الإنزيمات المسؤولة عن إحدى العمليات الداخلة في دورة خزن الجلايكوجين. من هذه الأمراض مرض بومبي (Pompe disease) ومرض فوربس ومرض جيركه (Gierke disease)[8].
لماذا يرتفع السكر في الدم عند التوتر الشديد وعند نمط القتال والهرب؟
يسبب نمط التوتر المعروف بالقتال والهرب زيادة في إفراز هورمونات عديدة تتعارض في عملها مع الانسولين كما يسبب زيادة في افراز الجلوكاجون وهذا الأخير يؤدي – كما أسلفنا – إلى تحويل الجلايكوجين في الكبد إلى جلوكوز وإطلاقه في الدم. لا يُمكن للشخص الطبيعي أن يلتمس تلك الزيادة فالإنسولين الذي يفرزه البنكرياس سيقوم بمعادلة الكفة، لكن يُمكن للشخص المصاب بالسكري من النوع الأول أن يدرك تلك الظاهرة بوضوح[9].
هل لظاهرة الفجر علاقة بإفراز الجلايكوجين؟
ظاهرة الفجر هي ظاهرة ارتفاع في مستوى السكر في الدم تحدث لدى البشر ويُمكن لمرضى السكري من النوع الأول أن يشعروا بها بشكل واضح لعدم وجود افراز طبيعي للأنسولين لديهم. ما يحدث في ظاهرة الفجر هو ارتفاع في عدد من الهورمونات التي تكبح عمل الانسولين فضلاً عن ارتفاع نسبة الجلوكاجون الذي يؤدي إلى افراز المزيد من السكريات في الدم بعد عملية تحلل الجلايكوجين. يشبه البعض العملية الحاصلة في تأثير الفجر بأن الجسم يقوم بإعداد الإفطار[10].
المصادر:
[1] Healthline, “How Much Blood Is in Your Body and How Much You Can Lose”
[2] Mayoclinic, Diabetes
[3] Berg, J. M., J. L. Tymoczko, and L. Stryer. “Section 30.2, each organ has a unique metabolic profile.” Biochemistry (2002).
[4] Solomon Habtemariam, in Medicinal Foods as Potential Therapies for Type-2 Diabetes and Associated Diseases, 2019
[5] Glycogen, Wikipedia
[6] Berg, J. M., J. L. Tymoczko, and L. Stryer. “Chapter 21 Glycogen Metabolism.” Biochemistry (2002).
[7] Noakes, Timothy D., et al. “Carbohydrate ingestion and muscle glycogen depletion during marathon and ultramarathon racing.” European journal of applied physiology and occupational physiology 57.4 (1988): 482-489.
[8] Glycogen storage disease, Wikipedia
[9] Fight-or-flight response, Encyclopædia Britannica
[10] Carroll, Mary F., and David S. Schade. “The dawn phenomenon revisited: implications for diabetes therapy.” Endocrine Practice 11.1 (2005): 55-64
شكرا جزيلا على هذا الموضوع الممتع ،بصفتي طالبة تدرس حاليا عمل الغلوكاجون والأنسولين إستمتعت بالموضوع ??
شكرن لكم لحسن الشرح وتيسير