بقلم: ستيوارت فايز. في محاولة مني لإطالة مدة الهالوين شاهدت مؤخراً فيلم الرعب الفرنسي (عينان بلا وجه) ١٩٦٠ من إخراج جورج فرانجو، وهذا ما جعلني أفكّر بالوجوه المخيفة؛ فالوجه البشري في عالم أفلام الرعب والتشويق موضع شائع للخوف والقلق. ولكن لما الوجوه؟ ما المخيف جداً فيما يتعلق بالوجوه؟
ترجمة: علي الخطيب، تدقيق: ريام عيسى
يحكي فيلم «عينان بلا وجه» قصة جرّاح تشوهت ابنته تشوهاً مريعاً في حادث سيارة تسبب به، ويقوم هو ومساعدته_ حبيبته أيضاً_ في مسعىً فاشل تماماً ويسبب هلاكهما، باستدراج سلسلة من النساء إلى عيادته ويخدرهن ويحاول زرع وجوههن على وجه ابنته.
كان فيلم فرانجو الذي يحوي مشهداً طويلاً -أو على الأقل يبدو بأنه طويل- ووثائقي الأسلوب لاستئصال جراحي لوجه امرأة، كان مزعجاً بشكل كبير للمشاهدين في ذلك الوقت، حتى أن سبعة أشخاص أُغمي عليهم أثناء عرضه عام ١٩٥٩ في مهرجان إيدنبرج للأفلام (Lowenstein 1998).
يستحضر فيلم «عينان بلا وجه» فظائع النازية في الحرب العالمية الثانية، كما له طبيعة حالمة متأثرة بالأفلام الفرنسية السريالية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين (Lowenstein 1998). تلقى الفيلم آراءً مختلطة في المرحلة الأولى لإطلاقه، ولكن أُعيد طرحه عدة مرات وهو الآن جزء من مجموعة كرايتيريون؛ ويُعد اليوم من كلاسيكيات فئة أفلام الرعب، ولكن عندما شاهدته للمرة الأولى صُعقت بتصوير الفيلم للطرق المختلفة التي تكون فيها الوجوه مخيفة.
وأغنية بيلي آيدول التي تحمل الاسم ذاته مستوحاة من فيلم فرانجو عينان بلا وجه. وقد دمج أحد صانعي محتوى يوتيوب بين الأغنية ومشاهد من الفيلم.
تحذير: يضم الفيديو أكثر أجزاء الفيلم بشاعة، لذا فلا يوصى به للقلوب الضعيفة.
أهمية الوجوه
تعد الوجوه خصيصة مركزية لنوعنا الاجتماعي إلى درجة كبيرة. وقد اعتُقد لسنوات عديدة أن الأطفال يمكنهم منذ الولادة تقليد تعابير وجوه البالغين، وهذه نتيجة مهمة لو كانت صحيحة، لأن الرضع صغار جداً على تعلم التقليد عبر التجربة ومن البيّن أنهم لا يستطيعون رؤية وجوههم (Meltzoff and Moore 1977). وقد طرحت نظريات عن «نماذج تقليد» متأصلة في الدماغ، وطُبعت صور أطفال يزمّون شفاههم ويخرجون ألسنتهم في آلاف الكتب. ولسوء الحظ، وكما هي الحال أحياناً في العلم، تكررت هذه الدراسات في نهاية الأمر واختفت النتائج (Oostenbroek et al. 2016). وحقيقة التقليد لدى المواليد الجدد موضع شك كبير حالياً (Davis et al. 2021).
ولكن الوجوه ما زالت شديدة الأهمية للأطفال والبالغين. نشر عالم النفس الإدراكي ومخضرم التصميم دونالد نورمان كتاباً بعنوان: «مصابيح الانعطاف هي تعابير الوجه للمركبات» (Norman 1993)، ولكن العكس صحيح أيضاً، فحتى دون أن نفتح أفواهنا للتحدث، توصل تعابير الوجه الكثير عن انفعالاتنا وردود أفعالنا تجاه ما يدور حولنا من أحداث. وتظهر دراسات تعقب العين بأن الرضع بعد ساعات من الولادة يقضون وقتاً أطول في تعقب الرسومات الشبيهة بالوجوه مقارنة بالرسومات التي تضم أشكالاً متداخلة من العناصر ذاتها؛ ولكن هذا التفضيل يختفي في الأسابيع اللاحقة كغيره من المنعكسات لدى الأطفال (Johnson et al. 1991).
أشار داروين في كتابه الرائد عام ١٨٩٩ «التعبير عن الانفعالات في الإنسان والحيوانات» أن العديد من الانفعالات الأساسية يُفصح عن ماهيتها عبر تعابير وجه محددة، وبأن من يولد أعمى يظهر هذه التعابير أيضاً؛ وقد أثبتت دراسات لاحقة وجهة النظر هذه وأشارت إلى أن تعابير الوجه لبعض الانفعالات الأساسية عامة بين الثقافات المختلفة (Eibl-Eibesfeldt 1975). ورغم أن عمومية التعبيرات الانفعالية التي يمكن تمييزها قد كانت موضع اعتراض (e.g., Russell 1994) فهناك اتفاق تام بأن الوجه مؤشر قوي على مشاعرنا.
ما وراء القناع
من الوظائف الأخرى للوجه أنه يُظهر هويتنا. وقد تعلمنا منذ أصبحت جائحة كورونا جزءاً من حياتنا أن مجرد تغطية نصف وجه الشخص يجعل التعرف عليه في الشارع شديد الصعوبة، وبالطبع تخفي الأقنعة الوجه بكامله. غالباً ما تكون الطريقة الوحيدة الناجعة لتحديد هوية الشخص هي رؤية وجهه، وبهذا فالأشخاص الذين يرتدون أقنعة يفعلون أشياءً ما كانوا ليفعلونها لولاه ويتنصلون من مسؤوليتهم عن أفعالهم، أضف إلى هذا أن هناك دوماً بعض الشك حول ما تخفيه الأقنعة حقيقةً. إننا نعرف هوية الشرير السفاح مايكل مايرز في سلسلة أفلام «هالوين» وهوية جايسون فورهيز في أفلام «الجمعة الثالثة عشر» ولكن أقنعة الهوكي تحولهم إلى قتلة من غير تعابير وتجعل وجوههم المخفية غامضة.
وتثير الأقنعة التشويق عندما تغطي وجهاً مشوهاً، وتؤسس لاحتمالية أن يُكشف الوجه في مرحلة ما من الأحداث. ففي فيلم «عينان بلا وجه» غالباً ما تُشاهد الابنة كريستيان وهي مرتدية قناعها، ولكن عند نقطة حساسة في سير الأحداث يُكشف عن وجهها الشبيه بوجه الزومبي محدثاً تأثير الإخافة.
كما يشير بنجامين رادفورد مؤلف «مهرجون أشرار» ٢٠١٦، غالباً يكون المهرجون هم الأشرار في أفلام الرعب (مثل الجوكر وبيني وايز في المسلسلات القصيرة والأفلام المأخوذة من رواية ‹إت› لستيفن كينغ). وهناك أكثر من مجرد وجوههم غير الاعتيادية ما يجعل من المهرجين الأشرار مخيفين؛ فعلى سبيل المثال هناك شيء قوي جداً فيما يتعلق بالقيام بأمر ممتع وبتحول شيء مألوف إلى شكل مخيف، بالإضافة إلى أن هذه الأفلام مبنية على تاريخ طويل من المهرجين الأشرار، ومما لا شك فيه أن أقنعة المهرجين والوجوه المغطاة بمساحيق الزينة تضيف ما تضيفه إلى خلطة الرعب.
الوادي العجيب
تعد عبارة «عينان بلا وجه» وصفاً مناسباً للقناع، وبالفعل فإن كتاب أليكسندرا هيلر نيكولاس «الأقنعة في سينما الرعب» عام ٢٠١٩ قد كان عنوانه الفرعي: «عينان بلا وجه». جسدت الممثلة الفرنسية إديث سكوب (١٩٣٧-٢٠١٩) دور «كريستيان» ابنة الجراح في فيلم «عينان بلا وجه» وهو من بين أبرز أدوارها؛ وهناك طبيعة غير مادية لتجسيد سكوب شخصية كريستيان، حيث أنها في معظم الفيلم ترتدي ثوباً منزلياً حريرياً، وبدلاً من أن تسير على الأرض، يظهر بأنها تطفو فوقها وتنساب في منزل والدها. وقد قال المخرج جورج فرانجو في وصف سكوب: «إنها إنسانة ساحرة، فهي تقدم لنا الواقع غير الحقيقي» (Hudson 2019)، وقد استمر في تقديمها في عدة أفلام أخرى.
ترتدي سكوب معظم الوقت الذي تكون فيه على الشاشة مجسدة شخصية كريستيان قناعاً منحوتاً بشكل قريب جداً من وجهها وكان يمكن أن يكون جميلاً جداً لو لم يكن جامداً وعديم الحياة تماماً. وتتعمق إخافة القناع عبر توظيفه ضمن الوادي العجيب [أو ما يسمى الوادي الغريب] (Seyama and Nagayam 2007; Wegner and Gray 2016). والوادي العجيب تأثير يحدث عندما يبدو روبوت أو دمية أو قناع شبيهاً بالبشر ولكن يمكن التفريق بينه وبين شخص حقيقي بحالة صحية جيدة (انظر الشكل ١). وقد سبّب الوادي العجيب مشكلة عام ٢٠٠٤ في فيلم عيد الميلاد «القطار القطبي السريع»، وذلك عندما وجد عديد من المراجعين للفيلم أن الشخصيات المتحركة تثير القلق على نحو غريب (مثل كلينتون ٢٠٠٤).
وفي حالة فيلم «عينان بلا وجه»، نرى في جزء قصير من الفيلم وجه سكوب الطبيعي بعد ما بدا أنه عملية زراعة وجه ناجحة، ولكن في معظم وقت ظهورها على الشاشة كانت تلبس قناعاً، والمقارنة بين الصورتين المتجاورتين أدناه لسكوب بالقناع ومن دونه توضح مدى إخافة القناع، والذي يقع قطعاً كما أراه ضمن الوادي العجيب. تقول كريستيان المشوهة في لحظة ما من الفيلم: «وجهي يخيفني، ولكن قناعي يخيفني أكثر».
يقدم لنا فيلم الخيال العلمي «إكس ماشينا» ٢٠١٤ صورة معاكسة مثيرة للاهتمام؛ وفيه يُستدعى مبرمج شاب يدعى كاليب (دومهنال جليسون) إلى مكان ناءٍ لإجراء نوع من أنواع اختبار تورنغ ليحدد إذا ما كان الروبوت المتطور آفا (أليسيا فيكاندر) لديه قدرة على التفكير والوعي. وعلى عكس فيلم «عينان بلا وجه» يكون جسد آفا ميكانيكاً على نحو واضح ولكن وجهها مثالي، ورغم وضوح أن آفا روبوت فهي لا تثير الفزع كما في «القطار القطبي السريع» أو كريستيان المقنعة في «عينان بلا وجه». وخلافاً لما هو متوقع، يقع كاليب في حب آفا بدلاً من النفور منها؛ فاستخدام وجه حقيقي بدلاً من الميكانيكي يجعل إمكانية وقوع كاليب في شباكها أكثر قرباً من المعقول، وهذا ما حصل، وكانت النتائج كارثية.
الوجوه الملطخة بالدماء
أخيراً، يعد الرعب الجسدي أو الرعب البيولوجي من المواضيع الأساسية لفئة أفلام الرعب، والذي يتضمن إحداث الضرر أو التعديل على الجسد البشري لإنتاج صور مغايرة غريبة؛ وتوظف أفلام الزومبي هذه التقنية، وعندما يطبق تشويه الجسد على الوجه يكون ذو تأثير بارز.
تظهر كريستيان في «عينان بلا وجه» وجهها المتأذي لزمن قصير لإحدى النساء التي خطفهن والدها، ورغم أن اللمحة التي رأينا فيها الوجه الشبيه بوجه الزومبي مختصرة جداً، إلا أن الرعب ينعكس في ردة فعل المرأة المختطفة الظاهر في الصورة في بداية هذا المقال. يوظف فرانجو عدداً من تقنيات رعب الجسد في الفيلم، كعملية الزرع التي تبدو في البداية ناجحة ثم سرعان ما يتضح أنها فشلت، كما يُخضَع المشاهدون لسلسة من الصور السريرية لرفض النسج الدائم وتعفن وجه كريستيان. وبالطبع إن مشاهد الاستئصال الجراحي للوجه تمثل استخدام فرانجو الأكثر درامية لرعب الجسد، وقد أثبت فعالية ذلك انتشار حالات الإغماء بين المشاهدين.
ومع أن الكثير من المخرجين استخدموا طرائق الرعب الجسدي، فإن المخرج الكندي ديفيد كرونينبرغ يشتهر تحديداً بالتشويهات الجسدية الدموية والفظيعة (Cruz 2012)؛ ففي فيلمه «الذبابة» ١٩٨٦، يؤدي جيف غولدبلوم دور العالم غريب الأطوار سيث براندل الذي يكون في طور بناء جهاز انتقال آني، وعندما يجرب الناقل على نفسه يندمج جسده مع جسد ذبابة دخلت إلى الجهاز دون أن يلاحظها. يبدو كل شيء طبيعياً في البداية، ولكن براندل يكتسب تدريجياً صفات الذبابة، والتأثير الأخير الظاهر في الصورة أدناه مفزع جداً.
كلمة ختامية
إن الوجوه ذات أهمية بالغة، فهي تفصح عن انفعالاتنا وعن هوياتنا، وقد تكون موضع تركيز للحكم على جاذبيتنا من عدمها أكثر من أي منطقة أخرى من الجسد. وكدليل على الاهتمام المعطى للوجوه، قدرت مؤسسة فورتشن بزنس إنسايت (٢٠٢١) بأن صناعة المواد التجميلية في عام ٢٠٢١ بلغت قيمتها ٢٨٨ مليار دولار على مستوى العالم؛ وبالمقارنة، قدرت مؤسسة بزنس واير (٢٠٢١) أن سوق الأفلام والفيديو العالمي عام ٢٠٢٠ بلغت قيمته فقط ٢٣٥ مليار دولار.
أما بعد المضي في هذا المقال إلى هذا الحد عن الوجوه المخيفة في الأفلام، فلربما ينبغي الإقرار بوجود أشخاص في العالم الواقعي أجسامها أقل من مثالية، حيث ولدوا بصفات لا تتوافق مع تصميم الجسد القياسي، أو تعرضوا لندبات بسبب أمراض أو إصابات. وغالباً لا توجد طريقة لإخفاء هذه العيوب، ومع هذا فإن هؤلاء الأشخاص مخولون لعيش حياة ينجزون فيها كأي شخص آخر.
أستمتع بأفلام الرعب منذ كنت طفلاً، وبعد عقود من ارتياد السينما فمن المستبعد أن يتغير هذا الأمر. لكن ردود أفعالنا النمطية تجاه الرعب الجسدي في الفيلم يطرح معضلة: فالتعبير عن الاشمئزاز استجابة للصور البشعة في فيلم المخرج كرونينبرغ ملائمة ومتوقعة، ولكن رد الفعل المشابه عند مقابلة أحدهم في البقالية قد يكون مؤذياً جداً. والسياق مهم، فأفلام الرعب مشوقة وترافقها موسيقى تصعّد انفعالاتنا؛ وعلى النقيض، فإن الأشخاص الذين نراهم خارج بيوتنا شخصيات ليست خيالية تنسج قصص حياتها الحقيقية الأكثر اعتيادية.
من غير الواضح لي ما تأثير تاريخ من مشاهدة أفلام الرعب على ردود أفعال الفرد نحو الأشخاص الذين يقابلهم في الشارع، ولست على دراية بأي بحث عن هذا الموضوع، ولكنني أتمنى أن أحافظ على الفصل بين هذين العالمين وأن أعامل كل من ألقاه بمستوى الدفء واللطف ذاته الذي أود أن ألقاه أنا.
ستيوارت فايز
ستيوارت فايز عالم نفس ومؤلف كتاب «الإيمان بالسحر: سيكلوجيا الخرافة» الذي نال جائزة ويليام جيمس للكتاب التي تمنحها الرابطة الأمريكية لعلم النفس. كما أنه أيضاً مؤلف «الإفلاس: لماذا لا يستطيع الأمريكيون الحفاظ على أموالهم».
ولكونه خبيراً في السلوك اللاعقلاني، غالباً ما تستشهد بآرائه الصحافة كما ظهر على شاشة سي إن إن إنترناشيونال، وفي ساعة أخبار عبر دائرة البث العام، وفي الجمعة العلمي على الراديو الوطني العام. يمكن متابعته على تويتر على الحساب stuartvyse@
المقال الأصلي: