بخلاف الحالة السائدة حول الكثير من الضواري أو غيرها من الحيوانات، فإن كون الفهد على شفير الانقراض لم يكن فقط نتيجة لأفعال الإنسان في الصيد. ذلك الكائن المدهش والذي يعد أسرع كائن على البر كان قد تعرض إلى نكبة تاريخية كادت أن تقضي على عديده في نهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 10 الاف عام[1]. الطريقة التي تم اكتشاف ذلك بها كانت عبر ملاحظة كل من مينوتي-رينولد وأوبراين في بحوثهم المتواصلة الثمانينات والتسعينات أن الفهد يمتاز بتنوع جيني محدود جداً (اقرأ في العلوم الحقيقية عن التقارب الجيني وتأثير المؤسس إعداد عمر المريواني). وانخفاض التنوع الجيني في نوع معين يعني أن أفراد النوع الحاليين قد نشأوا من حوض جيني ضيق، أي من تزاوج عدد قليل من الأفراد بحيث أن النوع الحالي كله ناتج من تزاوج فئة قليلة، وينتج عن ذلك أمراض عديدة تعاني منها الفهود اليوم ومشاكل تكاثرية نبه إليها اوبراين وآخرون من العلماء.[2]
في أعداد سابقة من مجلة العلوم الحقيقية، ناقشنا مصادر الطاقة في جسم الانسان، وفي هذه المرة سنتناول أحد أقاربنا الأبعدين وهو الفهد. لا أنسى صورة تم وضع صورة لخروف سمين بجانب كومة من العشب، وفهد رشيق بجانب فريسته وقد نشرها شخص ما كان يدعو لحمية الكيتو في إشارة إلى أن اللحم والدهون يقودان إلى تلك الرشاقة لدى الفهد، وبالتأكيد فإن فهم الحميات لا يمكن ان يتم بهذه البساطة. لنتعرف على الفهد لنفهم حميته أكثر وأنماط الطاقة لديه ونقارنها بالإنسان بالإضافة الى مقارنة العضلات بين الكائنين.
فيما يبلغ متوسط وزن ذكر الانسان 89 كيلوغراماً فإن متوسط وزن الفهد يبلغ 49 كيلوغراماً، لا يكاد يخزن أي دهون بل هناك من يقول أنه لا يخزن الدهون البتة ولم يكن بوسعنا التحقق من مصدر اكاديمي يذكر ذلك أو يناقش عملية خزن الدهون لدى الفهود.
تشكل الدهون أكثر من 60% من حمية القطط الكبيرة، فيما لو قارننا بالإنسان، فإن الانسان متميز جداً بأنماط الطاقة لديه إذ يستطيع أن يحصل على الطاقة من مختلف المصادر وأن يتغذى على نطاق واسع من الدهون، وأن يحصل على جميع الطاقة من الدهون لو اقتضت الحاجة. وينطبق الأمر على الفهد من حيث الاعتماد العالي على الدهون، مع فوارق بسيطة بينه وبين اقرانه من القطط الكبيرة حيث أنه لا يستطيع حتى أن يعالج جميع أنواع الدهون بجهازه الهضمي ولديه أنواع تستعصي على الهضم لاسيما من بعض أصناف الدهون غير المشبعة المتعددة كما ورد في دراسة باور وزملاءه.
الفهد صياد كفوء، يصطاد في النهار غالباً ليس قماماً، يصطاد بنجاح ليتناول الطعام بفترات تتراوح بين يومين ونصف الى سبعة أيام أي أنه يمارس نمطاً من الصيام المتقطع فيما لو قارنناه بمفاهيمنا للحمية، تتعرض فرائسه للسرقة، لا يجمع الطعام، كل ذلك بخلاف النمر الذي يصطاد في مختلف أوقات اليوم، ويقوم بالتقميم (scavenging) اذا اقتضت الحاجة، ويجمع اكواماً من الطعام ولا يمكن سرقة فرائسه بسهولة.
عضلياً فإن عضلات الانقباض السريع (fast-twitch) هي الغالبة على عضلات الفهد[3]، وتتراوح بين 61% إلى 83% من النسيج العضلي لديه وبحسب المنطقة. أما في الإنسان فنجد أن نسبة عضلات الانقباض السريع أقل بكثير من ذلك ويغلب في أجزاء من جسم الانسان ان تغلب عضلات الانقباض البطيء لا السريع. [4] من الممكن أن تصل عضلات الانقباض السريع لدى الانسان الرياضي المحترف الى 70% في بعض العضلات ومن الممكن أن لا تزيد عن 10% لدى غير الرياضيين وفي عضلات معينة. ينتج عن ذلك سرعة كبيرة للفهد تمتاز عن السرعة القصوى لعداء أولمبي متفوق بثلاثة مرات على الأقل. فضلاً عن ذلك تتحرك الفهود لمسافات طويلة يومياً حيث تبلغ سعة مناطقها 1500 كيلومتر مربع كما قيس ذلك في ناميبيا وتتجول يومياً لمسافة تتراوح بين 14-26 كيلومتر. لو قارننا ذلك المزيج من السرعة والعدو اليومي فإن العدائين من البشر يتخذون نمطين مختلفين تماماً من العدو ومن استهلاك الطاقة اثناء العدو لاسيما لو قارننا عدائي المسافات السريعة مع المسافات الطويلة، وبالطبع ينعكس ذلك على نسبة العضلات بطيئة الانقباض وسريعة الانقباض. وتمتاز عضلات الفهد بكونها متكيفة الى درجة عالية على العمل لا هوائياً.
تعكس الانزيمات الموجودة لدى الفهد نظام الطاقة لديه والقائم بشكل رئيسي على الدهون ومن ثم على البروتينات. لكن كيف يكون البروتين طاقة؟ تحصل القطط وبضمنها الفهد على الجلوكوز في الدم من خلال ما تتناوله من البروتينات، بما أنها لا تتناول تقريبا أي كربوهيدرات في نظامها الغذائي. وتلعب البروتينات لذلك دوراً مهماً جداً في حياة القطط من أجل مسارات عدة في الجسم وعلى رأسها الطاقة أي لاستخدام البروتينات لتحويلها الى سكريات. يفعل الإنسان الأمر ذاته تماماً مع البروتينات حيث يمتلك القدرة على تحويلها الى سكريات بكفاءة عالية ويقوم باستخدام البروتينات من الغذاء او من تفكيك العضلات الهيكلية لكي يصنع السكر. (راجع مصادر الطاقة في جسم الانسان: البروتين).
كخلاصة، الفهد مصمم على القيام بالتمارين اللاهوائية، يتغذى على الدهون، يصنع سكرياته من البروتينات، عداء محترف كسرعة وكركض يومي، يمارس الصيام المتقطع، لا يتناول السكريات والكربوهيدرات مطلقاً وربما يصح اعتبار حميته على أنها حمية كيتوجينية (كما ذكرت الصورة التي اشرنا لها في بداية المقال)، خفيف الوزن، يحتفظ بخزين منخفض من الدهون. لكن الأهم من ذلك كله أنه من أقاربنا الأبعدين وليس من بني جنسنا، ولا جدوى من محاولة تقليد حمية الفهد لكي نصبح كالفهود، بل نحاول في هذا المقال فقط أن نتعلم أنماط الطاقة لدى كائنات أخرى.
المراجع
[1] Menotti-Raymond, Marilyn, and Stephen J. O’Brien. “Dating the genetic bottleneck of the African cheetah.” Proceedings of the National Academy of Sciences 90.8 (1993): 3172-3176.
[2] Bauer, J. E. “Fatty acid metabolism in domestic cats (Felis catus) and cheetahs (Acinonyx jubatas).” Proceedings of the Nutrition Society 56.3 (1997): 1013-1024.
[3] Williams, T. M., et al. “Skeletal muscle histology and biochemistry of an elite sprinter, the African cheetah.” Journal of Comparative Physiology B 167.8 (1997): 527-535.
[4] Meznaric, Marija, and Erika Cvetko. “Size and proportions of slow-twitch and fast-twitch muscle fibers in human costal diaphragm.” BioMed research international 2016 (2016).