هل يجب أن ننظر للاكتئاب على أنه مشكلة تصيب الدماغ كعضو، أم كمشكلة في الأفكار وفي الكيفية التي نستخدم فيها الدماغ (العقل) أم أن الاكتئاب قد يكون بعيداً عن كل ذلك وقد يكون نابعاً من مشكلة أكبر في الجسد؟ من محاضرة ألقاها دانيال نيتيل (Daniel Nettle) في المجموعة الخاصة بالطب النفسي التطوري بالكلية الملكية للأطباء النفسيين وقدمها الدكتور رياض عبد.
يناقش نيتيل في البداية تعقيدات تعريف الاكتئاب ضمن سياقات علم الأعصاب وعلم النفس. ويسلط الضوء على الزيادة في انتشار الاكتئاب والتحديات المستمرة في معالجته بفعالية. جانب مهم من ذلك هو حقيقة أن التطورات البحثية والتطورات الصيدلانية لم تسفر عن تحسين كبير في نتائج تقليل أعراض الاكتئاب أو تقليل انتشاره. كما يستمر النقاش في الأوساط العلمية حول ما إذا كان الاكتئاب اضطرابًا في الدماغ أو اضطرابًا في العقل – الأفكار – بشكل رئيسي، مما يؤثر على نهج العلاج.
على الرغم من أن الأعراض الأساسية مثل المزاج المكتئب وفقدان الاهتمام هي نفسية بشكل أساسي، لكن هناك أعراض أخرى، مثل التغيرات في الشهية والنوم. الأعراض تلك تطمس الخط الفاصل بين الحالات العقلية والظروف الجسدية. هناك تداخل بين الأعراض الجسدية والحالات العقلية فمثلما تعتبر أفكار كالأفكار الانتحارية جوانب أساسية من الاكتئاب، لكن الأعراض تتجلى جسديًا أيضاً. حيث يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى أعراض جسدية متنوعة مثل الأرق، فقدان الشهية، واستنزاف الطاقة، مما يظهر تفاعلاً معقدًا بين العقل والجسم.
لكن اذا كان الاكتئاب مرضاً عقلياً فلماذا تفتقر الدراسات العصبية إلى الاتساق في تحديد اختلافات نشاط الدماغ في الاكتئاب؟ رغم أبحاث تصوير الدماغ المكثفة، لم يتم تحديد أهداف عصبية متسقة للاكتئاب[1]. يُلاحظ انخفاض حجم الحُصين في مرضى الاكتئاب مثلاً، لكن أهمية هذا الاختلاف وسببه غير واضحين. على الطرف الآخر تشير اختلافات الجهاز المناعي إلى روابط كبيرة مع الاكتئاب تتجاوز نشاط الدماغ. تظهر الدراسات تأثيرات كبيرة في علامات الجهاز المناعي، مثل زيادة نشاط الإنترلوكين (Interleukin) والبروتين التفاعلي C (C-reactive protein) في الأفراد المصابين بالاكتئاب. أيضاً يرتبط الاكتئاب بالأعراض الجسدية والحالات مثل داء السكري من النوع الثاني والمتلازمة الأيضية، مما يشير إلى تفاعل معقد بين الصحة الأيضية والمرض العقلي. تظهر الدراسات مثلا ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل عام لدى المصابين بالاكتئاب ووجود مؤشرات مناعية مشتركة دوماً لدى المصابين بالاكتئاب.
شكل 1دراسة حول التنبؤ بالاكتئاب ضمن شبكة من الاعراض تظهر قوة العوامل الجسدية في التنبؤ[2]
حتى على صعيد الأدوية، ففي الوقت الذي لا تؤتي مضادات الاكتئاب الحالية أكلها على الأمد البعيد على الرغم من تفوقها على البلاسيبو بشكل عام، فإن الأدوية التي تؤثر على النشاط المناعي في الجسم لها تأثيرات تتضمن تخفيف الاكتئاب. مضادات الالتهابات غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين ومثبطات السيتوكين تظهر فعالية ملحوظة في تخفيف الاكتئاب من خلال التدخل في الجهاز المناعي.
شكل 2تظهر احدى الدراسات ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى المصابين بالاكتئاب مما قد يقترح وجود رابط
قد يكون الاكتئاب حالة أيضية تتأثر بالاستجابات المناعية، وليس فقط قضية إدراكية. تشبه أعراض الاكتئاب سلوك المرض في الحيوانات، تتضمن حفظ الطاقة وتجنب المخاطر. غالبًا ما تتجاهل طرق التقييم الحالية العوامل الأيضية والالتهابية في تشخيص الاكتئاب. استكشاف التغيرات الأيضية والالتهاب قد يوسع خيارات العلاج ويتحدى تركيز علم الأعصاب على الاكتئاب. العلاقة المتبادلة بين الصحة الجسدية والعقلية تشير إلى أن تغيرات أسلوب الحياة تؤثر على الاكتئاب. ومن الممكن أن يكون لذلك صلة بالحياة الحديثة بشكل عام. الإجهاد المزمن في المجتمع الحديث قد يؤدي إلى سلوك مرضي طويل الأمد، مما يساهم في انتشار الاكتئاب. تخلق تحديات الحياة الحديثة ضغوطات فريدة تختلف عن الماضي.
في الختام، فإن هذه الخلاصة لا تغني عن متابعة المحاضرة الغنية بالمعلومات، كما أن عزو الاكتئاب الى العوامل الجسدية كالمناعة ما زال في محل التساؤلات والفرضيات وهو ليس نظرية علمية حتى الآن.
تم اعداد هذا المقال بمساعدة نماذج الذكاء الاصطناعي.
[1] Müller, Veronika I., et al. “Altered brain activity in unipolar depression revisited: meta-analyses of neuroimaging studies.” JAMA psychiatry 74.1 (2017): 47-55.
[2] Boschloo, Lynn, et al. “A prospective study on how symptoms in a network predict the onset of depression.” Psychotherapy and psychosomatics 85.3 (2016): 183-184.