الكبر في السن يعني مواجهة المشاكل النفسية القادمة مع الدخول بالعقد الاخير من العمر. الشباب يبلغون سن الرشد و يتحملون مسؤوليات جديدة ويتعرفون على قوانين جديدة مع توسع حياتهم. الا ان الموقف منعكس تماما مع كبار السن، فما هي الدلائل على التغيرات الالاجتماعية والنفسية؟
التقاعد (هو فكرة التوقف عن العمل في عمر معين) قد يكون هذا السلوك حديث نوعاً ما. حتى القرن التاسع عشر، استمر الناس بالعمل لمدة تقارب 60 ساعة بالاسبوع ويستمرون بذلك حتى يصبحون غير قادرين على الاستمرار في عملهم. في عام 1889، المانيا كانت اول دولة وضعت برنامج الضمان الاجتماعي الذي اوجد الاستغناء عن الحاجة لكبار السن. وبطلب من المستشار الالماني (Otto von Bismarck) كتب الامبراطور الالماني لمجلس النواب قائلاً: “اولئك الذين غير قادرين على العمل بسبب كبر السن، سيتم تأسيس مساعي جيدة للعناية بهم مخصصة من الدولة”( ادارة الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة الامريكية N.d.). وضع سن التقاعد في الاصل بعمر السبعين سنة. في كندا، وافق نواب حزب العمال الاوائل ( التي تشكل منها الأتحادية الفدرالية لرابطة الشعوب البريطانية CCF ومن ثم الحزب الوطني الديمقراطي ) على دعم الحكومة الليبرالية، المنتخبة في عام 1925، مقابل تقديم الصيغة الاولية لقانون المعاش التقاعدي عام 1927. في عام 1951 تم اقرار قانون المسنين للضمان الاجتماعي، وفي عام 1966 اقر قانون المعاش التقاعدي في كندا وفي مقاطعة الكيبيك. وقد استمر هذا القانون في خدمة كبار السن بعمر السبعين عاماً، ولكن في عام 1971 تم اشراك كبار السن بعمر 65 عاماً ضمن هذا القانون.
في القرن الواحد والعشرين، تأمل معضم الناس انه في لحظة معينة سيستطيعون التوقف عن العمل والتمتع بثمرة جهودهم. ولكن هل يتطلع الناس الى هذه اللحظة ام يخافون منها ؟ عندما يتقاعد الناس من العمل الذي اعتادوا عليه بشكل روتيني، يبحث بعض منهم عن هوايات جديدة ، وممتع، او البحث عن شكل من اشكال الاستجمام. والعديد من كبار السن يبحثون عن مجاميع جديدة واستكشاف فعاليات جديدة، واخرون يجدون انه من الصعب تبني روتين جديد ويبدأون بفقدان الدور الاجتماعي.
كل مرحلة من مراحل الحياة تواجه تحدي معين وتجلب معها مخاوف جديدة. وقد اشار ايرك ايركسون (1902-1994) من وجهة نظره في التنشئة الاجتماعية وقد قسم طول العمر الى ثمانية مراحل. كل مرحلة تواجه تحدي معين يجب التغلب عليه. اخر مرحلة هي مرحلة كبار السن، والتحدي هو التمسك بالنزاهة مقابل اليأس. بعض الناس لايستطيعون النجاح في التغلب على هذا التحدي. قد يكون عليهم مواجهة الندم مثل خيبة الامل في حياة اطفالهم او في حياتهم الشخصية. وربما عليهم ان يتقبلوا انهم لن يستطيعوا تحقيق سيرة مهنية معينة. او قد يكون عليهم تقبل ان نجاحهم المهني كلفهم الوقت مع اسرهم او تدهور صحتهم الشخصية. واخرون لديهم قدرة كبيرة على تحقيق الشعور بالنزاهة في تبني المرحلة الجديدة. عندما يحدث ذلك يكون هنالك سعي هائل اتجاه الفعاليات. حيث يمكنهم تعلم مهارات جديدة، والتدرب على نشاطات جديدة، والتهيء بشكل سليم وهادئ لنهاية الحياة.
هنالك اخرون يسعون للتغلب على هذه المرحلة من خلال الزواج مرة ثانية بعد وفاة الزوجة الاولى. وقد اشارت دراسة كايت دايفدسون Kate Davidson في عام 2002، ان المعلومات السكانية تشير الى ان الرجال يميلون الى الزواج مرة ثانية بعد وفاة الزوجة الاولى. واشارت ان الأرملة ( الانثى الباقية بعد وفاة زوجها الذكر) والارمل ( الرجل الباقي بعد وفاة زوجته الانثى) يختبرون مرحلة ما بعد الزوجية بشكل مختلف. العديد من النساء الباقيات على قيد الحياة يتمتعون بمقدار كبير من الشعور بالحرية، واخريات يشعرن انهن يعشن وحيدات لاول مرة في حياتهن. ومن جهة اخرى فان الرجال الباقون على قيد الحياة يشعرون انهم فقدوا شيئاً معيناً، كما وانهم يشعرون انهم قد فقدوا مصدراً رئيسياً للحنان والرعاية بالاضافة الى التركيز على الجوانب العاطفية لحياتهم.
خلق التواصل: بحث بيولوجي
في بداية القرن العشرين، اطلق الدكتور ايجناتس ناسجر (Dr. Ignatz Nascher) مصطلح طب الشيخوخة (geriatrics) وهو تخصص طبي يعنى بالتركيز على كبار السن. ويرجع اصل هذه الكلمة من الكلمتين الاغريقيتين: geron (الرجل الكبير) و iatrikos (العلاج الطبي). اعتمد ناسجر في عمله على ما شاهده في كلية الطب عندما كان طالباً. حيث وجد ان العديد من كبار السن المرضى تم تشخيصهم على انهم ( كبار في السن). ولم يكن هنالك اي دواء معين يوصف لهم. وقد اشار اساتذته على انها اعراض الشيخوخة.
ناسجر رفض هذا الرأي السلبي واعتبره اهمال طبي. وقد كان مؤمناً ان هذا يعتبر واجب الطبيب ان يطيل من عمر الشخص وتخليصه من الالم قدر المستطاع. في عام 1914 ، نشر ناسجر رأيه في كتابه (طب الشيخوخة: مرض كبار السن وطريقة علاجهم). وقد رأى ناسجر ان ممارسة العناية بكبار السن تحتلف كلياً عن العناية بصغار السن، كما ويختلف مقدار العناية بالاطفال عن العناية بالراشدين.
وقد كان لناسجر امل عالي في رعاية وشفاء كبار السن. وخاصة أولئك الفقراء ولايوجد من يرعاهم. حيث ان العديد من كبار السن الفقراء يتم ارسالهم الى ملاجئ الفقراء او دور المسنين العامة. حيث ان الظروف في ملاجئ الفقراء مروعة، حيث يرسل كبار السن الى هناك ويصبحون نسياً منسياً
وعلى الرغم من صعوبة تقبل ذلك اليوم، فان ما تم التوصل اليه من قبل اعمال ناسجر يعد عملاً نادراً. وفي وقت وفي عام وفاته 1944 كان ناسجر محبطاً بسبب قلة الخطوات التي تم اتباعها في طب الشيخوخة. فهل يمكن لكبار السن من ان يعيشون حياتهم اليوم افضل من ما كان يعيشها كبار السن في وقت ناسجر ؟
مصادر مقال (التغيرات الاجتماعية والنفسية لدى كبار السن)
ترجمة: محمد كرم جلميران