هل يفقد الانسان من رأسه حرارة اكثر؟ هل تلبس قبعة عندما يكون الجو باردا أم لا َ؟ كلوديا هاموند (Claudia Hammond) تبحث في دراسات عن ردود أفعال الناس بعد جرهم إلى ماء متجمد في باتاغونيا [منطقة في أمريكا الجنوبية مُتقاسمة بين الأرجنتين و التشيلي].
قالوا لنا بأن لا نغير رأينا مهما كان الثمن. إذا فعلنا ذلك، ستكون لدينا ثواني فقط للخروج من الماء قبل الإنجماد. هنا في متنزه توريس ديل باين الوطني (Torres del Paine National Park) ، في باتاغونيا (Patagonia)، الجبال الجليدية التركوازية اللون كلون معجون الأسنان تأتي بكل شكل ممكن تخيله، من البيانو و إلى الصواريخ. في بعض الأحيان، عندما نجذف قارب الكياك، نسمع صوت تحطم قطع جليدية منها كصوت طلقات مسدس.
قبل هذه الرحلة لم أستغرق وقتاَ كثيراَ بالتفكير في كيفية فقدان حرارة الجسم. الان كل ما أفعله يتمحور في البرد القارس. الليالي باردة إلى درجة إحساسك بالبرد في عظامك، حتى داخل الخيمة. أنام في وسط حقيبة النوم، مرتدية كل ملابسي – أربعة سراويل، ثلاثة معاطف و قبعتين مضادة للماء. ولكن كل هذا لايزال غير كافي. ماريانو، وهو دليلنا، كان ينام خارج الخيمة، ينام فقط داخل حقيبة نوم ثخينة لحمايته من الريح. وهو يلح بأنه يفضل أن ينام بهذه الطريقة، و لا يهتم لإرتداء قبعة. غير أنني أقلق عليه: ماذا عن الخرافة التي تقول بأننا نفقد أغلب حرارة الجسم من الرأس؟
على مر السنين، علماء الفسلجة أختبروا نظريات مختلفة حول كيفية شعور الناس بالبرد بمساعدة الكثير من الناس الذين تطوعوا لهذه الدراسات، من الطلبة و حتى من القوات المسلحة. والتجارب في هذا المجال تتطلب ناس مستعدين لتحمل الكثير من المشقة.
ثيا بريتوريس (Thea Pretorius) من جامعة مانيتوبا (University of Manitoba) في كندا تستعمل معدات تنفس تحت الماء لمساعدتها في تقييم كمية الحرارة التي يفقدها البشر من الرأس. المتطوعون في دراسات بريتوريس ليسوا فقط أقوياء البنية، ولكن مشعرين كذلك – على الأقل لديهم غزارة في شعر الرأس. حيث أن الصلع يضيف تعقيدات لا داعي لها في دراسة من هذا النوع.
في واحدة من دراسات بريتوريس، أُعطي المتطوعون أدوية لأيقافهم عن الأرتعاش، وهذا ما يفعله الجسم لا إرادياَ من أجل إيقاف فقدان الحرارة. ومن ثم تم إنزالهم في الماء البارد بواسطة رافعة. في بعض التجارب، كانوا مغمورين كُلياَ في الماء. في تجارب اخرى، لم يتم إنزالهم كثيراَ في الماء: تُركِت رؤوسهم مُعرَضة فوق سطح الماء. المتغير الثاني في هذه التجربة كان ملابسهم. في بعض الأحيان، لبِسوا ملابس سباحة فقط. في أحيان أخرى، كانوا معزولين حرارياَ بواسطة بدلة مطاطية جافة، زوجين من الجوارب و قفازات صوفية. أمضى الجميع 45 دقيقة في ماء حرارته 17 درجة مئوية (62 فهرنايت).
كما كان متوقعاً، فقدان الحرارة الأسرع لدى جميع المتطوعين كان عندما دخلوا الماء في البداية. ولكن باقي النتائج تفضح زيف التوقع الشائع. المتطوعون الذين فقدوا أكثر كمية من حرارتهم عن طريق رؤوسهم (الذين كانوا مغمورين كُلياً تحت الماء في حين كانوا يرتدون ملابس عازلة للحرارة) فقدوا فقط نصف كمية الحرارة مقارنةً بالمتطوعين الذين فقدوا أغلب حرارتهم من أجسادهم (المتطوعون في ملابس السباحة الذين كانت رؤوسهم خارج سطح الماء). في تعبير اخر، نحن لا نفقد معظم حرارة الجسم من رؤوسنا. النتائج تبين بأن إغمار رأسك في الماء البارد يضيف 10% فقط إلى مجموع فقدان حراراتك الأجمالي في حوض سباحة بارد. و بما أن الرأس يشكل 7 – 9% من سطح الجسم، لا يبدو فقدان تلك النسبة من الحرارة عن طريق الرأس كمية كبيرة.
ولكن قبل أن ترمي مجموعتك من القبعات الصوفية في سلة المهملات، هنالك نتيجة أخرى للأخذ بنظر الأعتبار: عندما يُسمح للرأس بأن يبرد و الجسم معزول حرارياً على نحو فعال، درجة حرارة الجسم تنخفض أسرع بكثير مما ممتوقع.
أحد الأسباب تبدو بأنه فروة الرأس تحتوي على أوعية دموية كثيرة بالأخص بالقرب من سطح الجلد – و الدليل على ذلك هو النزف الغزير الذي يحدث عند جرح الرأس. إذا كنت مرتدياً ملابس دافئة بدون قبعة في يوم بارد جداً، فأن المحيط يقوم بإخفاض حرارة الدم الحار الذي يجري في جسمك الدافئ عندما يمر في فروة الرأس. وهذا الدم يعود إلى الجسم الدافئ، ويقوم بتبريده خلال مروره. السبب الثاني يتعلق بالإرتعاش. إنها حقيقة فيسيلوجية مثيرة للإهتمام أن الناس لا يرتعشون عندما تكون رؤوسهم هي الوحيدة المعرضة للبرد. ذلك لأن الإرتعاش يُبطئ معدل الإنخفاض، ولا يقوم بإخفاض حرارتك أسرع مما يقوم به عادةً.
مايهم في محيط قاسي كباتاغونيا، ليس معدل إنخفاض حرارتك بقدر أهمية الحرارة النهائية التي يصل لها جسدك. يبدو بأن ماريانو توصل إلى هذا الإستنتاج. بالتأكيد هو يحتاج لإبقاء جسده معزولاً حراياً من أجل الحفاظ على على حرارة جسمه، ولكن رأسه ليس مهماً إلى درجة ما. الخبرة علمته بأن كل ما يحتاجه هو حقيبة نوم ممتازة. في المرة القادمة سأشتري واحدة.
المصدر
http://www.bbc.com/future/story/20130708-is-most-heat-lost-from-your-head