لربما صادفت شخصا من قبل أخضعك لاختبار تقييم الشخصية، وطلب منك بعض المعلومات كتاريخ ولادتك أو اسمك، فكنت منبهرا من دقة المعلومات التي وصف بها شخصيتك. أو أنك قد صادفت عمودا للابراج يتحدث عن شخصيتك في صحيفة أو مجلة ما، ووجدت أنها تنطبق عليك بشدة. هل أنت مندهش؟ ربما يتعين عليك قراءة هذا المقال عن تأثير فورير.
يعرف تأثير ”فورير” أو تأثير ”بارنوم” أيضا باسم، تأثير التحقق من الذات أو من الشخصية. ويبدو أن عبارة “تأثير بارنوم” قد تم إدخالها من طرف عالم النفس (Paul Meehl) تكريما لرائد التلاعب النفسي ورجل السيرك “فينياس تايلور بارنوم” (Ph.T. Barnum).
وصف التجربة
تتأسس التجربة على جمع معلومات من كل شخص سيخضع للتجربة، تشمل تاريخ ولادته ونتيجة اختبار شخصية سابق أو رواية حلم راوده، ومن ثم إقناعه بأن تحليل شخصيته الذي سيقرأه بعد قليل، قد تم صياغته وفقا لهذه العناصر، ثم مطالبته بتقديم تقييم لدرجة دقة تحليل الشخصية المقدم. وطبعا لم يكن هناك أي تحليل، وكل الأشخاص الخاضعين للتجربة يقرأون نفس الوصف دون أن يدركوا ذلك.
وقد لاحظ عالم النفس “برترام فورير” (B. R. Forer) أن معظم الناس يميلون إلى قبول وصف فضفاض للشخصية يصفهم بدقة، دون أن يدركوا أن هذا الوصف نفسه يمكن أن ينطبق أيضا على أي شخص آخر. خذ على سبيل المثال النص الآتي، كما لو أنه قدم لك من أجل إجراء تقييم شخصي لشخصيتك:
“أنت بحاجة إلى الحب والتقدير، ولذلك تنتقد نفسك بنفسك. لديك بالتأكيد بعض نقاط الضعف في شخصيتك، ولكنك عادة ما تقوم بتعويضها. لديك إمكانات وقدرات لم تستثمرها بعد لصالحك. أنت منضبط ومتحكم في أمورك ظاهريا، لكنك داخليا قلق وغير واثق بنفسك. أحيانا تتساءل بصدق إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح أو فعلت الشيء السليم. تفضل التجديد والتنوع، ولا ترضى بأن تحيط بك القيود والحدود. تعتز بكونك مستقلا، ولا تقبل آراء الآخرين العبثية. ولكنك وجدت أنه من غير الحكمة إطلاع الآخرين على أفكارك بسهولة. تكون أحيانا منفتحا وكثير الكلام واجتماعيا، بينما تكون منطويا وحذرا ومتحفظا في أوقات أخرى. وبعض طموحاتك تميل لأن تكون غير واقعية.”
أعطى فورير اختبار شخصية لطلابه، وتجاهل إجاباتهم، ثم أعطاهم النص أعلاه. وطلب منهم إعطاء علامات لهذا التقييم بين 0 و5، فالرقم “5” يعني أن تقييم الشخصية كان ممتازا، والرقم “4” يعني أن التقييم كان مطابقا للشخصية بدرجة أقل من الأولى، وهكذا. وكان متوسط الدرجات المحصل عليها في القسم هو 4.26. كان ذلك عام 1948. وأعيد الاختبار مئات المرات مع طلاب علم النفس وكان المعدل دائما يقارب 4.2.
باختصار، تمكن فورير من إقناع الناس بأنه قادر على تخمين طباعهم بنجاح، وقد فاجأت دقته الأشخاص الذين خضعوا لتجربته. على الرغم من أنه قد أخذ تحليل الشخصية ذلك من عمود للتنجيم بمجلة ما. ويشرح تأثير فورير على ما يبدو، ولو جزئيا، سبب تصديق الكثير من الناس للعلوم الزائفة. كالأبراج والتنجيم وكشف البخت والكهانة…لأن هذه الممارسات تعطي تحاليل دقيقة للشخصية. وتشير الدراسات العلمية أن العلوم الزائفة ليست أدوات صالحة لتحديد الشخصية، لكن كل واحدة من هذه العلوم الزائفة لها زبناء راضون عنها ومقتنعون بدقتها.
اتخاذ الامنيات حقائق
تدور أكثر التفسيرات شيوعا لتأثير فورير حول الأمل، والخلط بين الرغبة والواقع، والغرور، والميل إلى إيجاد تفسير لكل شيء، رغم أن التفسير الأصلي لفورير يدور حول السذاجة المفرطة. فالأشخاص يميلون إلى تقبل المعلومات المتعلقة بهم والتي تتناسب مع رغباتهم، أكثر من المعلومات الموضوعية والحقيقية. والأشخاص الذين يبحثون عن مساعدة الوسطاء الروحانيين والعرافين أو غيرهم، غالبا ما يتجاهلون الافتراضات الخاطئة أو المشكوك فيها، وفي كثير من الحالات، يقدمون بألسنتهم وأفعالهم وبشكل عفوي، معظم المعلومات إلى “المستشارين الزائفين”. وعادة ما يشعر العديد من هؤلاء الأشخاص أن هؤلاء “المستشارين” يقدمون لهم معلومات عميقة وشخصية. لكن هذه المعلومات ليست لها قيمة علمية.
بدلا من السعي لإدانة ما قد يبدو أنه سذاجة أو غباء، يجب أن تفهم أن السذاجة على عكس ما تعتقد، تتأسس على عمليات معرفية عادية وواسعة الانتشار. ويخبرنا تأثير بارنوم عن طبيعة مفهوم الذات، وعن عملية بناء الهوية الشخصية. فلطالما علمنا أنه يتوجب علينا الحفاظ على صورة مستقرة وإيجابية عن أنفسنا، وتأكيدها كي نكون راضين عن أنفسنا في نهاية المطاف.
في السياق نفسه، وبعيدا عن رمزية اختبار فورير الذي يعتمد على معلومات استمدت من عمود للتنجيم، فإن أكثر أوصاف الشخصية جدية، أي تلك التي اعتمدت على اختبار وبيانات شخصية حقيقية وكانت نتائج تقييمها مطابقة للشخصية، فإن التأثير بارنوم يلعب دورا مشابها إلى حد كبير لتأثير الدواء الوهمي «Placebo»حتى عندما يتعلق الأمر بأدوية مجدية. وبالتالي فمن العبث مطالبة الأشخاص المعنيين بالتعليق على دقة تقييم شخصياتهم، حتى عندما يتم وضع هذا التقييم من قبل المتخصص الأبرز.
اختبار (Barry Beyerstein)
يقترح باري بييرستين (Barry Beyerstein) الاختبار التالي قصد تحديد إذا ماكانت الفعالية الظاهرية للعلوم الزائفة راجعة إلى تأثير فورير أو إلى عوامل نفسية أخرى (ملاحظة: هذا الاختبار شبيه باختبار فورير، وليس الغرض منه هو اختبار دقة أي أداة لتحليل الشخصية، بل مواجهة الميل إلى الخطأ والسذاجة في التعاطي مع هذه المواضيع):
“يبدأ الاختبار من خلال جمع توقعات نسبة مهمة من الاشخاص، ثم العمل على إزالة أسمائهم الشخصية (مع استبدالها برمز يسمح لمن يقيم التجربة لاحقا بتحديد أصحابها). وبمجرد قراءة الاشخاص لكل البيانات الشخصية المجهولة، نطلب من كل شخص تحديد ملف الصفات الذي يصفه بدقة. فاذا كان “العراف” قد أدرج في البيانات معلومات فريدة وذات صلة فعلية بالأشخاص المعنيين، فإن أعضاء مجموعة الاختبار سيكونون قادرين على أن يتوصلوا إلى اختيار ملف صفاتهم الخاص بهم من بين الكومة، بطريقة أكثر مصداقية من السحب العشوائي.”
لاحظ بييرستين أنه لا يوجد علم زائف يدعي التنبؤ بالشخصية تمكن من اجتياز اختبار مماثل بنجاح.
وفي الختام، فإن التعرف على شخصيتكم من خلال اختبار موجه لكم، لا يعتبر دليلا على الغباء، تصديق الاختبارات بهذا الشكل انعكاس للعمليات المعرفية التي تعتبر أساسا جزء من هوياتنا الشخصية. وبشكل أعم، فالأبحاث التي اقيمت على غرار ما قام فورير او بييرستين تطرح تساؤلات حول إمكانية تحقق معرفة موضوعية للذات، فضلا عن دور وحجم الأوهام التي تصاحب ذلك.
المراجع:
http://www.pseudo-sciences.org/spip.php?article47
http://www.pseudo-sciences.org/spip.php?article799