استعادة الأفلام المخزونة في عقولنا : يستعرض بروفيسور علم النفس وعلم الأعصاب جاك كًالانت (Jack Gallant) فيديوهاتٍ وصور دماغية أستعملها في بحثِه. أُنتِج الفيديو من قِبل روكسان ماكاسديان (Roxanne Makasdjian)، قسم العلاقات الأعلامية.
تخيّل أن تستطيع الدخول لعقل شخصٍ في الغيبوبة، أو تشاهد حُلُمك على موقع اليوتيوب. مع توليفَةٍ حديثة ومطوّرة من التصوير الدماغي والمحاكاة الحاسوبية، تمكّن العلماء في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، من توفير هذه السيناريوهات المستقبلية.
بتوظيف تقنية تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI – functional Magnetic Resonance Imaging) والنماذج الحاسوبية، تَمَكن باحِثو جامعة كاليفورنيا من فك الشفرة وإعادة بناء ما شهده الناس من تجارب البصرية المتحركة بنجاح، والتي كانت في هذه الحالة، مقاطِع من أفلام هوليود (Hollywood).
حتى الأن، بإمكان هذه التقنية إعادة تشكيل مقاطع الأفلام التي قد شاهدها الناس مسبقاً. مع ذلك، وِفقاً لباحثين، فإن هذه النقلة التكنولوجية تمهد الطريق نحو تشكيل الأفلام الموجودة في رؤوسنا والتي لايستطيع أي شخصٍ آخر رؤيتِها، مثل الأحلامِ والذكريات.
تم تحقيق عملية إعادة البناء التقريبية (على اليمين) لمقطع فيلّمي (على اليسار) بواسطة التصوير الدماغي والمحاكاة الحاسوبية.
“إن هذا يعتبر خطوة عملاقة نحو إعادة إنشاء الصور والفيديوهات الداخلية،” كما يقول البروفيسور جاك كًالانت، عالم الأعصاب من جامعة كاليفورنيا، وأيضاً مشارك في كتابة الدراسة التي نُشرت اليوم (22، سبتمبر/ أيلول 2011) على الصحيفة الألكترونية كوررينت بايولوجي (Current Biology). ويُكمِل “الأمر أشبه بفَتحِنا لنافذة لنطّلِع على الأفلام الموجودة في عقولِنا”.
في نهاية المطاف، قد تتضمن التطبيقات العملية لهذه التكنولوجيا فهماً أفضل لما يحصل داخل عقول الناس الغير قادرين على التواصل شفهياً مثل ضحايا السكتات الدماغية، المصابين بأمراض التحلل العصبي والواقعين في الغيبوبة. قد يساهم هذا الأمر أيضاً في وضع أُسُس الربط بين الدماغ والآلة، كي يستطيع المصابون بالعجز أو الشلل المخي، مثلاً، بتوجيه الكومبيوتر والآلة من خلال عقولِهِم.
مع هذا، يشير الباحثون إلى أن هذه التكنولوجيا قد تأخذ عقوداً حتى تصِل إلى مرحلة السماح لمستخدميها بقرأة أفكار ونوايا الغير، كما يظهر في أفلام الخيال العلمي الكلاسيكية مثل فيلم “العصف الذهني” (Brainstorm)، حيث قام العلماء في هذا الفيلم بتسجيل أحاسيس الناس كي يستطيع الآخرون تجربتها.
قام كًالانت وزُملاؤه الباحثون بتسجيل الفعاليات الدماغية في القشرة المرئية للدماغ بينما كان موضوع الأختبار (الشخص) يشاهد صوراً بالأبيض والأسود. بعد ذلك، قاموا ببناء نموذج حِسابي يسمح لهم بالتنبؤ بدقةٍ عالية، ومعرفة ايٍّ من الصور كان الشخص ينظر إليها.
في تجربتهم الأخيرة، قال الباحثون بأنهم قاموا بحَلِّ مُعضلةٍ أصعب، وذلك بترجمة الأشارات الدماغية المتولَّدة من صور متحركة.
يقول شينجي نيشيموتو (Shinji Nishimoto)، الكاتب الرئيسي في هذه الدراسة وباحِث ما بعد الدكتواره في مختبر كًالانت“إن التجربة البصرية الطبيعية لنا هي كمشاهدة فيلم. لكي نستطيع توسيع مدى التطبيقات التي تشملها هذه التكنولوجيا، علينا أولاً أن نتفهّم كيفية معالجة الدماغ لهذه التجارب البصرية الديناميكية (الحركية)”.
قام نيشيموتو وأثنين من الأعضاء في الفريق البحثي بالتطوع كمواضيع للأختبار، وذلك لأن إجراءات التجربة تتطلب من المتطوعين أن يبقوا ساكنين بلا حِراك داخِل جهاز مسح الرنين المغناطيسي لساعاتٍ في كُل مرة.
قام هؤلاء المتطوعون بمشاهدة مجموعتين منفصلتين من الكقاطع القصيرة لأفلام هوليوود، بينما كانت تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي تقوم بقياس ضخِّ الدم عبر القشرة البصرية (المرئية)، وهي المنطقة الدماغية المسؤولة عن معالجة المعلومات البصرية. قُسِّم الدماغ إلى مكعبات صغيرة ثلاثية الأبعاد، تسمى بالـ بكسلات الحجمية، أو تسمى إختصاراً بـ ” فوكسل” (voxel) على شاشة الكومبيوتر.
قال نيشيموتو “قمنا ببناء نموذجٍ لكلِ فوكسل يُعبّر عن كيفية وضع خريطة المعلومات الحركية والشكلية في الفيلم، في النشاط الدماغي.”
كان يتم تغذية الفعاليات الدماغية التي سُجِّلت بينما كان الاشخاص الخاضعين للاختبار يشاهِدون المجموعة الأولى من المقاطع الفيلمية، إلى برنامج حاسوبي يتعلم، ثانية تلو الأخرى، لغرض ربط الأنماط البصرية في الفيلم مع الفعاليات الدماغية المتوافقة معها.
تم أستعمال الفعالية الدماغية المثارة بواسطة المجموعة الثانية من مقاطع الفيديو لأختبار لوغارتمية (آلية) إعادة تشكيل الفيلم. تم هذا بتغذية برنامج الحاسوب بـ 18 مليون ثانية من الفيديوهات العشوائية لموقع اليوتيوب، بالشكل الذي يمكَن البرنامج من التنبؤ بالفعالية الدماغية الأكثر أحتمالية أن يستثيرها كل مقطع فيلمي عند كل موضوع تجربة (شخص).
في النهاية، تم دمج المائة مقطع التي قرر الحاسوب أنها الأكثر شبهاً للمقاطع التي من المحتمل أن يكون موضوع الأختبار قد شاهدها، وذلك لأعادة تشكيل الفيلم الأصلي بشكل ضبابي (غير واضح) ولكن بصورة مستمرة.
قال الباحثون أن عملية إعادة بناء الأفلام بأستخدام المسوحات التي تجري على الدماغ كانت صعبة بعض الشيء، وذلك لأن إشارات تدفق الدم المقاسة بواسطة تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي تتغير على وتيرةٍ أبطأ من الأشارات العصبية التي تشفِّر المعلومات الحركية (الديناميكية) في الأفلام. لهذا السبب، قد ركّزت أغلب المحاولات السابقة لترجمة الفعاليات الدماغية على الصور الغير متحركة (الثابتة).
“قمنا بتناول هذه المشكلة بتطوير نموذجٍ يتكون من مرحلتين، يقوم بإعطاء وصفٍ لكمية الفعاليات العصبية المتضمنة وإشارات تدفّق الدم”، كما يقول نيشيموتو. وأخيراً، قال نيشيموتو أنه على العلماء فهم كيفية معالجة الدماغ للأحداث البصرية الحركية التي نختبرها في حياتِنا اليومية.
“علينا أن نعرف كيفية عمل الدماغ في الظروف الطبيعية،” ويكمل نيشيموتو “ولكي نعرف ذلك، علينا أولاً أن نفهم آلية عمل الدماغ عند مشاهدتنا للأفلام.”
من الكتّاب المشاركين في هذه الدراسة هم توماس نيزلاريس (Thomas Naselaris) بالأضافة لـ هيلين ويلز (Helen Wills) من جامعة كاليفورنيا بيركلي، معهد علم الأعصاب؛ آن تي فو (An t. Vu) من المجموعة المشتركة لخريجي الهندسة الأحيائية من بيركلي أيضاً؛ و يوفال بينياميني (Yuval Benjamini) و البروفيسور بين يو (Bin Yu) من قسم الأحصاء في جامعة بيركلي.
https://news.berkeley.edu/2011/09/22/brain-movies/