ترجمة : علي صلاح
الصورة من تصميم : اسامة الاسدي
________________________________________________

لا تزال هناك بعض الفجوات في معرفتنا بالرغم من نجاحِنا في وصف أساس مفاهيم الكون. أين هي نظرية أجدادنا التي توحّد جميع المفاهيم؟ أو أين هي نظريتنا لتوحيد هذه المفاهيم؟ ولماذا لا تزال نسبية أينشتاين غريبةً بالنسبة لميكانيكا الكم؟ لماذا نريد توحيدهما أساساً؟

كل القوانين الفيزيائية التي نعرفها حقيقةً تقع تحت منبرين. الأول هو ميكانيكا الكم، حيث يتضمن هذا المنبر كل ما يخص الجسيمات المكتشفة لحد هذه اللحظة، كذلك يتضمن ثلاثة من أصل أربعة تفاعلات وهي التفاعلات الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة والقوى النووية القوية.في الناحية الثانية نجد نظرية اينشتاين النسبية، والتي تصف التفاعل الرابع والجاذبية ومبدأ الجسم الأسود وتمدد الكون وكذلك إمكانية السفر عبر الزمن.

يجب أن تدرك مقدماً بأننا لا نمتلك المعرفة المطلقة للطريقة التي سيتم بها دمج نظرية أينشتاين النسبية مع مكانيكا الكم في نظرية واحد “الجاذبية الكمية”. على الرغم من وجود أفكار رائعة لوصف هذه الطريقة فأنني سأحاول التركيز في سبب حاجتنا لنظرية الجاذبية الكمية وأترك الوصف للمستقبل القريب.

ميكانيكا الكم والنظرية النسبية تعملان في مستويين مختلفين. على سبيل المثال، فأن ميكانيكا الكم كانت مبهمة بالنسبة للعلم لوقت طويل لسبب أنها تصبح مهمة فقط عند العمل على مستويات صغيرة جداً مثل الذرات. إذا كنت ذكياً ستتمكن من تخيّل سيناريوهات حيث تسيطر فيها ميكانيكا الكم على قدر القطة – هنا الكاتب يقصد قطة شرودينجر الشهير – لكنها لا تتوقف عند ذلك فحسب.

النظرية النسبية من جانبها نجد أنها تميل لتكون مهمة في الحقول الجاذبية الكبيرة. الزمن على سبيل المثال، يكون أبطئ قرب سطح الارض مقارنةً مع الأماكن البعيدة عنه. والضوء كمثال آخر يميل حول التكتّلات المجرّية. هذه الظاهرة يمكن تجاهلها بنسبة كبيرة إلا إذا كان الموضوع حول سطوح النجوم النيوترونية وأمثالها. في كلمات أخرى يمكن القول أن النظرية النسبية العامة تتضمن المقاييس الكبيرة إبتداءً من النجوم وصعوداً حتى الكون بأجمعهِ.

التفرد:
عندما تقوم برمي شئ ما في أفق ثقب أسود، فأن هذا الشئ لن يتمكن من الهروب منه أبداً كذلك فأنه سيغرق في دوامة غير منتهية. نتيجة لهذه الظاهرة فأنه في عالم حيث الجاذبية هي العامل الاهم على الاطلاق، فأن أي شي يُرمى في ثقب أسود سينتهي به المطاف في نقطة ما تسمى الإنفرادية. نظرية الإنفجار الكبير هي مثال مقارب لهذه الحالة (شئ ما ذات كثافة كبيرة جداً، بمعنى آخر ذو جاذبية كبيرة جداً متركّزة في حجم صغير جداً)

لم نتمكن إلى الآن من رؤية تفرّد مطلق بصورة مباشرة (وهناك سبب وجيه ينبئ بأننا لن نراه ابداً) وهذه شي مؤسف من وجه نظر من يريد فهمه, ولكنه من حسن الحظ لأننا لا نريد ان نتعرض للتمزق بسبب قوى المد والجزر الجاذبية.

النظرية النسبية تقول بأن نصف قطر الثقب الاسود يساوي صفراً لكن ميكانيكا الكم لها رأيُ يختلف تماماً. في ميكانيك الكم توجد نظرية تسمى “مبدأ الشك” والذي يشير بأنه لا يمكن إطلاقاً تحديد الموقع الدقيق لأي جسم أو جسيم دون أن يبقى الزخم للجسيّم هذا مجهولاً.عملياً، هذا يعني بأن الاشياء التي يطلق عليها إسم “جسيمات” هي ليست صغيرة بالضرورة. في ميكانيك الكم مهما تحاول جاهداً فأنك لن تتمكن من ضغط حجم الشمس في مساحة 10^-73 م.

النظريات الكلاسيكية والكمية:
النظرية النسبية العامة تعرف بنظرية المجال الكلاسيكية، والتي تصف الكون كارقام دقيقة وإذا ما أمتلكت الادوات اللازمة لقياس هذه الأرقام فسوف تتمكن من معرفة إنعطفات الزمان والمكان في كل لحظة واي نقطة من الكون. الإنعطفات توصف بدقة عن طريقة توزيع وحركة الكتلة والطاقة. وكما قال جون ويلر: “الكتلة تحدد كيفية انعطاف المكان-الزمان، والمكان-الزمان يحدد كيفية تحرك الكتلة.”

لكن النظريات الكمية مختلفة تماماً. في النظريات الكمية فأن الجسيمات تتفاعل عن طريق نقل جسيمات فيما بينها. الكهربائية كمثال تقوم بأرسال فوتونات بين الجسيمات المشحونة، القوى القوية تستخدم الكولونات والقوى الضعيفة تستخدم بوزونات.

ليس علينا الخوض في تفاصيل الثقب الأسود لمعرفة الإختلافات بين النظرية الكلاسيكية والنظرية الكمية. لنأخذ بعين الإعتبار تجربة الشق المزدوج والتي تتضمن إرسال شعاع من الإلكترونات (أو الفوتونات أو أي نوع من الجسيمات) خلال شاشة تحتوي على شقين صغيرين متجاورين. بسبب مبدأ الريبة الكمي، فإنه من المستحيل معرفة أي من الشقين هو المسؤول عن مرور هذا الشعاع، حرفياً هذا يعني أن الالكترون ينتقل خلال الشقين في نفس
الوقت وهذا بحد ذاته هو جنون. لكن بحسب سياق الجاذبية، فإن المسألة تصبح أكثر غرابة حيث أنها تقول بأن الألكترون إذا مرّ خلال أحد الشقين فأنه سينُشأ مجال جاذبي مختلف عن المجال الذي سيتكوّن إذا ما مرّ نفس هذا الألكترون في الشق الآخر.

الأمر يزداد أكثر غرابةً حتى، عندما تلاحظ تجربة Delayed Choice لجون ويلر فإنه من الممكن ان يغير الالكترون ماضيه ويمحي أثر ذلك التغيير ويظهر كما لو كان يسير في مسار آخر غير الذي تم رصده فيه.

في كلمات أبسط، فإن العالم ممكن أن يكون محدداً بأجمعه من وجهة نظر النظرية الكلاسيكية وهذا بالضبط عكس ما تعتقده النظرية الكمية.

الجاذبية هي شئ مميز:
كما هو معروف فأن الكهربائية تؤثر فقط على الجسيمات المشحونة، بينما تؤثر الجاذبية على كل شي في هذا العالم. كل أشكال الكتلة والطاقة تستجيب لتأثيرات الجاذبية وتكوّن مجالات جاذبية، وعكس الكهربائية فأنه لا توجد هناك كتل سالبة لتقوم بإلغاء الكتل الموجبة. يمكننا أن نتخيل نظرية الكم الجاذبية، على الأقل كمبدأ هذه النظرية. كما في بقية القوى، سيكون هناك جسيم وسيط يمكن أن يطلق عليه اسم كرافيتون¹ ويكون المسؤول عن نقل الإشارة.

يمكننا أيضا تخيل أشياء صغيرة وصغيرة أكثر، وأن نرى جرافيتونات تُرسَل بين الجسيمات. المشكلة في التدرجات الصغيرة أن هنالك طاقات كبيرة جداً. لكي تنكسر نواة الذرة فأنها تحتاج الى طاقة أكبر بكثير من الطاقة التي تحتاجها لتفقد الكتروناً، على سبيل المثال، في الجسيمات الصغيرة فأن حشد من الجرافيتونات الخيالية ذات الطاقة العالية جداً سوف تكوّن كثافة طاقة عالية، وهنا تكمن المشكلة بعينها. من المفترض أن الجاذبية تستطيع أن ترى كل أنواع الطاقة، لكننا نقوم هنا بتوليد عدد غير من منتهي من الجسيمات ذات الطاقة العالية والتي بدورها تقوم بتوليد مجال جاذبي كبير هائل، وأعتقد أنك ترى الصعوبة الآن .