تقرير من 4000 صفحة صادر بلهجة جازمة من اللجنة الدولية للتغير المناخي يحذرنا مما سيحدث في العقود القادمة من تغير مناخي. الباحث في الرياضيات والمناخ بجامعة كورك والكاتب في العلوم الحقيقية حسن مازن يأخذنا بجولة سريعة حول ما ورد في التقرير ومنه نبذة حول ما يجب أن نخشاه في المنطقة العربية والشرق الأوسط:
معنا في هذه الحلقة من بودكاست العلوم الحقيقية الكاتب في العلوم الحقيقية والباحث في الرياضيات حسن مازن والذي له بحوث تجمع بين الرياضيات والمناخ وقد قمنا باستضافته سابقاً في هذا البودكاست وقد تم الاستشهاد بدراسته[1] ضمن 14 الف مصدر آخر في تقرير التغير المناخي الصادر عن اللجنة الدولية للتغير المناخي[2] فأهلا وسهلا بك حسن.

نص الحوار على موقع العلوم الحقيقية: https://real-sciences.com/?p=14282

رابط البودكاست:

https://podcasts.google.com/feed/aHR0cHM6Ly9yZWFsLXNjaWVuY2VzLmNvbS9mZWVkL3BvZGNhc3Qv/episode/aHR0cHM6Ly9yZWFsLXNjaWVuY2VzLmNvbS8_cD0xNDI4Mg?sa=X&ved=0CAUQkfYCahcKEwiQ2b7Z-p7zAhUAAAAAHQAAAAAQAQ

لعلنا نبدأ بتعريف اللجنة الدولية للتغير المناخي وحيثيات تأسيسها والتساؤل حول مدى دورية هذا التقرير والأساس الذي يصدر وفقه؟

اللجنة الدولية للتغير المناخي هي لجنة تابعة للأمم المتحدة وبالتحديد هي تابعة للمنظمة الدولية للمناخ وقد تأسست سنة 1988 وكانت مهمتها تتركز على انشاء تقارير حول التغير المناخي وكان الموضوع قد بدأ بالظهور الى السطح في حينها. اللجنة مؤلفة من مجموعة علماء من مجموعة دول وعدد الدول الأعضاء في اللجنة هو 195، واللجنة لا تمول ابحاثاً حول التغير المناخي بل تتابع الأبحاث المنشورة وتصدر تقارير حولها. وقد أصدرت اللجنة حتى الآن خمس نسخ من التقرير التقييمي الذي تكلمت انت عنه وقد صدرت النسخة السادسة وهي التي سنتكلم عنها الآن. كما تصدر تقارير مختصة أيضاً كل فترة. الإصدارات السابقة من التقرير التقييمي صدرت كان أولها سنة 1990 بعد سنتين من تأسيس اللجنة ثم تقرير آخر عام 1995، ثم 2001، 2007 والذي حازت اللجنة بسببه على جائزة نوبل للسلام بالمناصفة مع ناشط البيئة ال غور السياسي الأمريكي. وفي عام 2014 أصدروا تقريراً آخر وقد كان به تفاصيل كثيرة وقد اتخذ اساساً لما اتفقت عليه الدول في اتفاق باريس. اللجنة  هي لجنة دولية وقد تكون خاضعة لبعض الآراء السياسية لكنها تتمتع بمصداقية كبيرة في المجتمع الدولي وتتم المصادقة على نتائجها من جميع الدول الأعضاء.

 

الفت النظر للمستمعين ان حجم التقرير هو 4000 صفحة وهو من اكبر الملفات العلمية التي اطلعت عليها، وانت من نبهني اليه، فهل لك ان تحدثنا عنه؟

ما ابهرني اكثر بالتقرير هو أنهم راجعوا 14 الف ورقة بحثية، وكانت هذه المرة الأولى التي يشير فيها التقرير الى ما يسمى نقاط التحول في التغير المناخي (tipping points). كما وجدت الأهم بالتقرير هو لغة الجزم الواردة في التقرير والتي كانت غير مألوفة في التقارير العلمية والغرض منها هو التأثير السياسي على صانعي القرار، وكأن التقرير يثبت بما لا يدع مجالا للنقاش أن نشاط البشر الصناعي هو المسبب للتغير المناخي، وأنا اجد ذلك لافتاً للنظر وجديداً بالمقارنة مع التقارير التي أصدرتها اللجنة سابقاً.

 

ما هو تاريخ دراسة التغير المناخي ومتى بدأ يصبح موضعاً للاهتمام، هل يمكن ان نجد فيه أبحاث قديمة أم أنه امر بدأ البشر بالعمل عليه مؤخراً؟

دراسة تأثير غازات الدفيئة، او غازات الاحتباس الحراري بدأ يثير الانتباه في منتصف القرن العشرين تقريباً. كارل ساغان كان أحد الأوائل ممن التفتوا لهذا الأمر مبكراً وكان احد أوائل الناشطين في مجال التغير المناخي والسبب كان متعلقاً بمجال دراسته وهو دراسة المناخ في كواكب المجموعة الشمسية. وتحديداً قضية كوكب الزهرة، كونه ثاني اقرب كوكب للشمس، وهو تقريبا نفس الحجم والكتلة والكثافة مع الأرض لكن مع فرق ارتفاع نسبة ثنائي أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي للزهرة، وعندما نقارن درجة الحرارة بين الزهرة والأرض فإنها بالمعدل 470 درجة مئوية على الزهرة، في حين أنها بالمعدل16 درجة مئوية على الأرض وهذا فرق كبير جداً بين الاثنين. يمكن ان نقول ان قرب الزهرة من الشمس هو ما يجعله بهذه الحرارة، لكن عندما نقارن مع عطارد الذي هو اقرب للشمس فإن له معدل حرارة اقل بـ 30 درجة مئوية من الزهرة وهذا كبير جداً، تخيل أن جميع اتفاقيات التغير المناخي تتكلم عن درجتين مئويتين بالمعدل في حين نجد 30 درجة مئوية بين الزهرة وعطارد والسبب في ذلك هو كثافة الغلاف الجوي للزهرة وهذا ما دفع كارل ساغان ليكون من أوائل ناشطي التغير المناخي في السبعينات والثمانينات. أدت جهود ساغان الى تأسيس لجان في الأمم المتحدة حول غازات الدفيئة وقادت العملية الى تأسيس اللجنة الدولية للتغير المناخي بعدها.

 

تطرقت في بحثك لموضوع نقاط الانقلاب وقد كتبت عن بحثك سابقا في موقع العلوم الحقيقية لكن هل يمكن ان نعرج على الموضوع مرة أخرى وأن نشرح عن نقاط الانقلاب مرة أخرى؟

نقاط الانقلاب (tipping points) هي عبارة عن نقطة في النموذج الرياضي عندما نصل اليها يتغير سلوك النظام بشكل حاد جداً. على سبيل المثال، الظاهرة التي درستها في المناخ والتي تم الاستشهاد بها في التقرير تتعلق بتيار الملوحة والحرارة في المحيط الأطلسي، سبب تفاوت درجات الحرارة والملوحة هو وجود تيارات مائية تنتقل من جنوب المحيط الأطلسي الى شماله والعكس وهذه التيارات تساعد بمعادلة درجة الحرارة بين الجزء الجنوبي والشمالي من المحيط الأطلسي وتعطي شمال وغرب أوروبا درجة حرارة معتدلة وتجعله قابلا للعيش والازدهار. دلت بحوث كبيرة على علاقة ذوبان الثلوج بمنطقة جرين لاند في شمال الكرة الأرضية بهذه العملية. ما اوضحناه في النموذج الرياضي هو إمكانية حدوث نقطة انقلاب وتغير حرجة من دوران المياه في المحيط  الى توقف ذلك الدوران وهذا سيعطي جزء شمالي بارد من المحيط الأطلسي وجزء جنوبي دافئ نسبياً من المحيط الأطلسي. تشبه العملية ما يظهر في فيلم (The day after tomorrow) والذي يظهر مدى سرعة حدوث التغيرات.

اليس هذا هو الفيلم الذي يظهر الولايات المتحدة وكأنها القطب الشمالي؟

نعم بالضبط، والفكرة ان هذه التيارات تأخذ الحرارة من جنوب المحيط الأطلسي الى شماله وبالتالي تساعد على ان يكون الجزء الشمالي دافئ نسبياً، وبالتالي فإنه يصبح قابلا للعيش. اذا ما توقفت هذه العملية فإن ذلك سيؤدي انخفاض درجات الحرارة الى حدوث انجماد جزئي في أوروبا وامريكا. طبعا الفيلم يصور الموضوع بطريقة متطرفة ويصور التغير بسرعة كبيرة، وهذا مبالغ به فالبحوث تقول ان هذا الامر لو حدث فسيتحول على مدى مئات السنين.

 

في بحثك السابق والذي ناقشناه في البودكاست أيضا حول نماذج الافتراس، واذكر انك ذكرت انه كان لديكم ما يشبه البيئة الافتراضية التي فيها جميع المتغيرات، وهنا قد يقول قائل ماذا لو زادت الحرارة درجة او درجتين، وفقاً لنماذج مثل هذه كيف يمكن ان تجيبون حول ما الذي قد تفعله درجة او درجتين من التغيير؟

سؤال ممتاز، المشكلة في ارتفاع حرارة الأرض او في التغير المناخي هو انه ليست الحرارة فقط سترتفع بل ستتغير متغيرات أخرى كثيرة مثل الامطار او تفاوت درجة الحرارة بين الليل والنهار. على سبيل المثال، في البحث الذي اشرت له، نظرنا الى مجموعة بيانات مسجلة من 1880 الى الوقت الحاضر ورأينا معدلات هطول الامطار في غابات الشمال التي تقع في كندا وشمال الولايات المتحدة وقد لاحظنا ان هناك معدل معين لهطول الامطار من 1880 الى منتصف القرن العشرين، ثم هناك تغير ومعدل مختلف تماما بعد 1940. اذا التغير المناخي يطال متغيرات أخرى في النظام البيئي والتي تؤثر على الحيوانات التي تعيش في المنطقة المتأثرة بذلك.

 

تتجه الأمور بنا بهذا الحوار الى الجزء الذي نتخصص به في العلوم الحقيقية وهو التشكيك والرد على التشكيك الباطل الذي يشكك بصحة الآراء العلمية. تطرقت الى دور ثنائي أوكسيد الكاربون وزيادته، والذي قد يقول قائل حوله انه قد يكون طبيعياً. في مقالي المنشور في العلوم الحقيقية لخصت دراسة تكلمت عن ما سمي بالألفية السوداء قبل 6000 سنة وكيف تغير المناخ حينئذ ليقلب وجه الشرق الأوسط وحول شبه الجزيرة العربية الى صحراء وترتبت على ذلك أمور مثل هجرة الشعوب السامية وتغيرات أخرى كثيرة. السؤال هنا، لماذا لا يكون التغير المناخي الحالي مثل ذلك التغير؟ انت ذكرت نقطة المقارنة بين الزهرة وعطارد، لكن عدا ذلك كيف نثبت الصلة مع نشاط البشر؟

هناك نقطتين حول الموضوع، اولاً ان الأرض عانت من تغيرات مناخية كثيرة، الغلاف الجوي كان سابقاً ساماً ولا يسمح بالحياة على الأرض ثم حدثت تغيرات مناخية جعلت الأرض صالحة للحياة. هناك أيضاً عصور جليدية، تغيرات مناخية في افريقيا ساعدت الجنس البشري على الهجرة من افريقيا الى باقي انحاء العالم، العصور الجليدية التي عززت البشرة البيضاء لدى البشر، إذاً فالأرض مرت بتغيرات مناخية كبيرة وكلها أدت الى تغيرات كبيرة على الكائنات التي كانت تعيش على الأرض. السؤال الآن، هل التغير الحالي يمكن ان يحدث لو لم يكن البشر موجودون على الأرض؟ ولماذا يعتبر هذا التغير سيئاً لنحاول العمل ضده او لنقلل من اثاره؟

حول السؤال الأول انا أعطيت مثال الزهرة وعطارد، حيث ان كوكب بخصائص شبيهة للأرض لكن مع المزيد من ثنائي أوكسيد الكاربون يكون المناخ مختلفاً تماماً. النقطة الثانية، هل نختلف من الأساس حول أثر ثنائي أوكسيد الكاربون كغاز دفيء؟ يمكن ان نثبت هذا في تجربة مدرسية، وعائين فيهما كميتين من غاز ثنائي أوكسيد الكاربون ووعاء اخر بتركيز اقل من ثنائي أوكسيد الكاربون وسنجد ان الوعاء ذو ثنائي أوكسيد الكاربون ستكون حرارته اعلى بعد تعريضهما للحرارة. فكرة الاحتباس الحراري قائمة على الكيفية التي تتعرض بها الأرض لأشعة الشمس، ما يحدث هو أن جزء من اشعة الشمس التي تسقط على الأرض تمتصه الأرض وتبعثه على شكل موجات تحت الحمراء ولكن مع وجود ثنائي أوكسيد الكاربون فان الغلاف الجوي يصبح اكبر قدرة على امتصاص تلك الموجات وهذه العملية ساعدت الكوكب على ان يدعم الحياة في البداية، لكن من ناحية أخرى، لو زادت نسبة ثنائي أوكسيد الكاربون فإن ذلك سينتج اثار التغير المناخي التي نراها.

الجانب الآخر، يمكن قياس ما اضفناه من ثنائي أوكسيد الكاربون منذ بداية التغير المناخي، كما ان من الممكن قياس درجة الحرارة تاريخيا خلال تلك الفترة. وبمقارنة هذين سوية، يمكن أن نجد ترابط احصائي كبير بين ارتفاع ثنائي أوكسيد الكاربون الصناعي وبين ارتفاع درجة حرارة الأرض. إذاً من ناحية لدينا أساس فيزيائي لدور ثنائي أوكسيد الكاربون في الاحتباس الحراري، ومن ناحية أخرى لدينا دليل على وجود ترابط احصائي بين الاثنين.

 

هل يمكن ان نضيف نقطة وهي ان التغير الأخير هو تغير متطرف لم نشهد له مثيل في السابق؟

نعم هذا هو مما أشار له التقرير. وأود ان اشير ايضاً الى ان التقرير هو جزء من مجموعة تقارير، واهمية هذا التقرير هو أنه يشير للاسس الفيزيائية للتغير المناخي لذا فعندما تقرأه فلن تجد أي إشارة الى سبل معالجة التغير المناخي او القضايا السياسية بل ستجد فقط نظريات ونمذجة فيزيائية بحتة. يؤكد التقرير ان حالات التطرف المناخي التي نراها من موجات جفاف وسيول وحرائق هي حالات لم يشهد كوكب الأرض مثلها منذ آلاف السنين والحدة فيها غير مسبوقة وهذه النقطة تدعم كون التغير ناتج من أنشطة البشر.

 

ما المقصود بزيادة درجة الحرارة درجة او درجتين فيما يذكر ضمن اتفاق باريس للمناخ وغيره؟

هذا سؤال مهم وكنت انا ممن لا يفهمون هذا جيداً. ذكرت سابقاً ان معدل حرارة الأرض الآن هو 16، ولدينا سجلات تمتد الى عام 1880 تقريباً وعندما نشاهدها نرى ان هناك صعود. ما فعله هو العلماء هو انهم اخذوا درجة حرارة قياسية وهي الممتدة بين 1950 الى 1980 ثم صاروا يقيسون كم انخفضت او زادت عن ذلك منذ 1880 الى الآن عن تلك الحرارة القياسية. فوجدوا انها كانت أقل بنصف درجة مئوية ثم بدأت الزيادة الإيجابية في الخمسينات، وحتى نهاية السبعينات استقرت الحرارة عند ذلك المعدل القياسي والذي كان 14، ثم بعدها بدأنا نشهد صعوداً رهيباً حتى زادت بـ 1 عن ذلك. الصعود بالمعدل يعني أن ذلك يؤثر بشكل متباين في مناطق مختلفة في الأرض، فمثلا في العراق قد نجد الحرارة تصل الى الخمسينات وهو ما لم نكن نشهده من قبل.

 

اقاطعك هنا، هل يعني مثلا ان يزداد العراق بـ 5 درجات وتزداد بريطانيا بـ 0.25 ونقطة في نجد بـ 5 درجات، والسويد بـ 0.3 حتى نجد الحصيلة من جميع هؤلاء هو 1. هل هكذا هو الوضع؟

نعم بالضبط، عندما يكون معدل التغير 0، قد نجد موجات حر في العراق مثلاً تصل الحرارة فيها الى 50، لكن عندما تصل الى 2، يمكن ان نرى حادثة ارتفاع الحرارة لاكثر من 50 لأشهر لم يكن يصل فيها الى ذلك في الماضي مثلا في شهر مايو او ابريل.

 

سؤالين متصلين: هل التغير مستمر ومضطرد ولا يتوقف؟ هل يمكن ان تصل الحرارة الى مئة مثلاً؟ وثانياً، نرى بعض المناطق في خرائط التغير المناخي بالاسود، في العراق نقول “المبتل لا يخاف من المطر” فهل يمكن ان نتوقع ان من شهد تغيراً كبيراً لن يستمر الارتفاع عنده وسيحدث في مناطق أخرى بشكل اكبر بالمقابل؟ وهذا ايضاً متصل بالسؤال الأول فهل يمكن لمن بلغت درجة الحرارة لديه 60 ان يصل الى 70 وهل سيستمر بالارتفاع بنفس المعدل؟

هناك قضية يجب الانتباه لها ويجب ان نوضحها، عمليات المناخ فيها ما يعرف بالتغذية الراجعة وهو ان متغير ما قد يسبب تغير في عامل اخر وهذا قد يعود فيؤثر على المتغير الأول، وهذا يجعل من الصعوبة ان نتنبأ بالتغير، يسمى هذا بتحليل عدم الاستقرار (uncertainty analysis). لكن يحسب للتقرير، أنه اعطى للمرة الأولى تقييماً إقليميا لكل منطقة في العالم. على سبيل المثال، قرأت التقرير المتعلق بالشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، وقد ذكرنا ان التغير يطال متغيرات أخرى غير درجات الحرارة، على سبيل المثال يتوقع ان تكون موجات الجفاف في الشرق الأوسط اكثر حدة، وهذه الموجات موجودة ومسجلة منذ الثمانينات، يتوقعون أيضا حدوث موجات سيول فيما تعاني مناطق من جفاف عال جداً. يشبه هذا نشرات الاخبار التي نراها في الولايات المتحدة اليوم حيث يتعرض الساحل الغربي لحرائق وموجات جفاف فيما يتعرض الساحل الشرقي لاعصاير وامطار وسيول. يمكن ان يكون هذا الشيء واضحاً مع التغير المناخي في الشرق الأوسط. كما ذكروا ان التربة في سفوح الجبال في الشرق الأوسط قد تكون ذات استقرار اقل مما يسبب انهيارات في المناطق الجبلية. كما أشاروا الى المناطق التي يمكن ان تسقط بها ثلوج والتي يمكن ان تتأثر في المستقبل وأن يؤثر هذا على مستوى مياه الأنهر لدينا في العراق. لا يتعلق الامر فقط بارتفاع درجة الحرارة إذاً.

 

اعود للسؤال، فهمنا ان الموضوع لا يقتصر على درجة الحرارة، لكن لو فكرنا، هل يمكن ان تزداد درجة الحرارة باستمرار حتى تصل 70 او 80؟ فيزيائياً هل هذا ممكن؟

لو زاد ثنائي أوكسيد الكاربون فإن هذا ممكن فيزيائياً، لكن استبعد ان يحدث هذا في حياتنا، واستبعد ان يبقى الكوكب قابلاً للحياة تحت تأثير كهذا.

 

بمناسبة الكلام عن عيش البشر وإمكانية او عدم إمكانية عيشهم، اعرج على التغير المناخي، نرى أن النمو السكاني أيضا ازداد مع التغير المناخي فهل نلوم النمو السكاني ام نلوم النشاط الصناعي؟ العراق والسعودية مثلا انتقلوا من مليون او مليونين الى 40 مليون لكل منهما

لا اعتقد ان النمو السكاني مستبعد من زيادة التغير المناخي، إضافة فرد جديد للكوكب يعني توفير طاقة له للتبريد والتدفئة والطعام والشراب، لكن في الوقت الحاضر فإن بصمة الكاربون للشخص الذي يعيش في البلاد المتقدمة هي اعلى من بصمة الكاربون للشخص الذي يعيش في بلد كالعراق، الشخص الذي يعيش في أوروبا مثلا يمكن ان يكون له اثر بالكاربون يفوق ما لعشيرة كاملة في العراق لو اخذنا بيل جيتس مثلا الذي يستخدم طائرة خاصة وقارنناه بسكان مدينة الجبايش في العراق فسنجد بصمة الكاربون له اكبر من سكان الجبايش. في النهاية، مستوى الحياة في العراق، او في الجبايش تحديداً، فإن استخدام الكاربون يكون اقل بالمقارنة مع أسلوب المعيشة في أوروبا وامريكا من تنقل وصناعة وغيرها.

 

نقطة أخرى، تعول الناس على تغيير سلوك استخدام وسائل الطاقة، فما مدى إمكانية نجاح ذلك في إيقاف التغير المناخي او عكسه وهو الأصعب، يعني من قال أن تغييراً سيحدث لو غيرنا مصادر الطاقة؟ وما مدى رصانة الأدلة حول ذلك؟

يشير التقرير انه رغم فداحة التأثيرات فإن الموضوع قابل للانعكاس، فقد ارتفعنا بدرجة من 14 الى اكثر من 15، ويعتقد ان الأرض ستبقى قابلة للعيش والانعاش اذا ما بقينا ضمن مجال الارتفاع بدرجتين. هذا هو الجانب الجيد، لكن الجانب السيء هو انه لا شيء سيحدث بسرعة بل سنحتاج الى 20-30 سنة حتى تعود الأرض الى طبيعتها، لكن اثناء ذلك ستبقى حرائق الغابات وموجات الجفاف مستمرة وغيرها من اثار.

 

لكن كيف نضمن ان ذلك سيحدث وان التغير المناخي سينعكس؟ ما نوع الأدلة الموجودة؟

جميع البحوث تعتمد على النمذجة الرياضية المتقدمة جداً والتي تجري بحواسيب متقدمة وأنظمة محاكاة. لكن في النهاية الامر غير قابل للتجريب بغير هذه النماذج. هذه النماذج هي ذاتها التي نستخدمها بالتنبؤ بالاحوال الجوية والكوارث الجوية، وهي التي نثق بها ونعتمد عليها، إذاً ذات النماذج تستخدم في تقييم اثار التغير المناخي فنقول لماذا نصدق هذا ولا نصدق هذا “اتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”؟

 

لعل العالم المتقدم قادرين على الاستغناء عن الوقود الاحفوري، لكن ماذا يفعل الاخرون، هذا قد يبقي الوقود الاحفوري متداولاً وخصوصا بايدي المساهمين الأكبر كالصين والهند مثلا، فهل يمكن ان نعول على نفاذ الوقود الاحفوري بدلاً من التوقف عن استخدامه؟

يثير هذا السؤال التحليل الشخصي فالتقرير لا يناقش أمراً كهذا، لكن أظن أن الوقود الاحفوري سيبقى لما لا يقل عن 100 سنة قادمة، والاعتماد عليه الى ذلك الحين سيوصلنا الى مرحلة غير قابلة للانعكاس. ففي النهاية الكوكب لديه قدرة معينة على استيعاب ثنائي أوكسيد الكاربون فاذا ما ازدادت اكثر فإن تأثير التغذية الراجعة سيؤدي الى زيادة اكبر ومن ثم ستصبح عملية عكس تأثيرات التغير المناخي غير ممكنة. لذا لا اعتقد ان التعويل على نفاذ الوقود الاحفوري غير صحيح.

روابط

[1] Alkhayuon, Hassan, et al. “Basin bifurcations, oscillatory instability and rate-induced thresholds for Atlantic meridional overturning circulation in a global oceanic box model.” Proceedings of the Royal Society A 475.2225 (2019): 20190051.

[2] IPCC Sixth Assessment Report, https://www.ipcc.ch/assessment-report/ar6/