كانت ردة الفعل الإعلامية سريعة وقاسية. ربما اكثر قسوة من اكتشاف ان احد المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية يتعاطى منشطات ممنوعة، على مر السنين سوّق براين جونسون المعروف اعلامياً بلقب (ملك الكبد)؛ علامته التجارية على أساس نمط الحياة البدائية والتي أسسها وفق المبادئ الموروثة من أسلافه – كما يدعي، زعمت التغطية الإعلامية على منصات الاعلام الاجتماعي بأن جونسون كسب 100 مليون دولار خلال سنة واحدة، ألا أن تسريبات كُشفت مؤخراً بأنه بنيته الجسمانية المُذهلة لم تنشأ من تغذيته على الأعضاء الحيوانية النيئة، ولا تناوله للمكملات القوية، كما يزعم؛ بل لاستخدامه المُفرط للمنشطات الستيرويدية الابتنائية ( anabolic steroids)، بعض الإعلاميين أطلقوا على فضيحته اسم (ستيرويد غيت) تشبيهاً بالفضيحة السياسية المعروفة بووتر غيت التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي، والتي أدت الى استقالة ريتشارد نيكسون من منصب الرئاسة.

قد يواجه جونسون عواقب قضائية وخيمة تحت قانون لانهام الفيدرالي (Federal Lanham Act) لقيامه بـ “التحريف للطبيعة والصفات والجودة والاصل الجغرافي للبضائع او الخدمات”. لم تكن هذه الفضيحة مُفاجئة للذين يفهمون طبيعة الجسم البشري، فمن المحتوم أن يُكشف بأن هكذا قوام لم يبنى طبيعياً (اقرأ المقارنة بين بناء الأجسام والرياضات الأخرى)، ولم يكن جونسون هو اول رياضي يتم كشف زيفه وهو يعزو بناءه العضلي الى حمية ما ومكملات غذائية محددة او أسلوب حياة، بل استخدام الستيرويدات المنظم والمتفشي في الرياضة.

الحقيقة الصادمة من قصتنا هذه ليست الستيرويدات، بل تناول الكبد النيئ، وكيفية مرور هذا التسويق الزائف ولماذا قضى وقتاً طويلاً قبل كشفه؟

هناك قصة خلف (ملك الكبد) تشبه قصص الابطال الخارقين المصورة التي ألهمته أجسادهم الممشوقة، حيث شكلت الأعوام العاصفة التي مرت بجونسون شخصيته التي هو عليها اليوم. ولد جونسون في سان أنطونيو بولاية تكساس الامريكية، وربّته امه بعد وفاة والده بداية حياته، يدعي جونسون تعرضه للتنمر في المدرسة بسبب بُنيته الجسمانية حيث يقول: – “لقد كنت ضئيلاً جداً” وقال في تدوينة صوتية بُثت مُؤخراً:” لقد كانت هيئتي مختلفة، وكنت مرعوباً لأنني كنت أتعرض للضرب المبرح كل يوم”. في بداية سنيّ المراهقة نصحه زوج أمه بأن يبدأ  بالتدريب على رفع الاثقال، وبعد أن تغيرت بُنيته اكتسب قبولاً من قِبل اقرانه، وبعد أن تخصص بالكيمياء الحياتية من جامعة تكساس، عمل جونسون كصيدلاني، وهذه الوظيفة ساعدته بلا شك في نجاحه بمشروع المُكملات الغذائية بقيمة 30 مليون دولار، وسمى هذا المشروع “مُكملات الأسلاف” وقد ورث جذور أفكار هذا المشروع عن كتاب سالي فالون  “الأغذية التقليدية” والتي تُحقر فيه أساليب التغذية والحياة التي ابتدعتها آلة “التكنوقراط الحديثة”، ومن هنا اعتنق جونسون فكرة أسلوب الحياة البدائية وابتكر “مبادئ الاسلاف” التي انتشرت في الاعلام الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم،  ولكن جونسون واجه منافسة شرسة في فضاء مزدحم بمؤثري اللياقة، لذلك كان بحاجة الى حيلة ليتفوق على الاخرين، ويثبت من إمبراطورتيه المتوسعة، ولكي يكتمل التحول .. في عام 2021 وُلد ملك الكبد. 

من خلال “مبادئ الاسلاف” التي اخترعها جونسون “الاكل، النوم، الحركة، التواصل، التعرض للبرد والشمس، المكافحة، المساندة” أعاد جونسون استخدام هذه المصطلحات الى أغراض ومعاني بعيدة عن أصلها، ولذلك تبدو هذه المبادئ مُحكمة التفسير، فمثلا “الحركة”: تشير الى ان تتحرك حركة بسيطة؛ المشي بصورة عامة، لدرء الاختلاف في مادتنا الوراثية، (يتطور هذا لدى البشر عندما يتطلب صرف الطاقة لتحقيق ذلك)، أما بيئتنا الحديثة (تتصف بوفرة هائلة من السعرات الحرارية الفارغة). أما مبدأ النوم فينص على: أهمية جودة النوم التي تُسهل بانتظام دورة النوم والاستيقاظ بحجب الضوء الأزرق قبل النوم. أما نصيحته الغذائية الأكثر اثارة للجدل، حيث ينصح بإتباع أسلوب الحمية البدائية المشددة، (حمية سكان الكهوف) وتتكون هذه الحمية من غلظة غير متجانسة بتناول الأعضاء حيوانية نيئة كالقلب والكبد والخصى ونخاع العظم، وللحق هناك القليل من الفوائد العائدة من تناول لحوم الأعضاء النيئة، مثلاً: احتوائها على مستوى عالي من البروتينات ذات الفائدة للبناء العضلي للجسم، كما تحتوي على كميات عالية من الحديد والزنك، والرايبوفلافين (فيتامين B) بالإضافة الى مواد مغذية أخرى. ولكن المساوئ عديدة: احتوائها على مستوى عالي من الدهون المشبعة والكولسترول مما يزيد من خطورة الإصابة بمرض الكبد الدهني. وبمعيّة اللحم النيئ تتبنى هذه الحمية تناول الحليب الخام كامل الدسم، وصفار البيض، وبيض السمك غير المدجَن، والخضراوات المُخمّرة، ومخلفات السكر المكرر. 

لا تميّز في ادراج اللحم النيئ كجزء من قائمة الطعام، اثناء الحرب العالمية الثانية كان سَقط الذبيحة من ضمن الوجبات الغذائية، والمقصود بالسَقط هنا : “الأعضاء الأساسية وكل ما يمكن أكله من الحيوان غير اللحم” وكان الأهالي يتناولون السَقط نتيجة لإجراءات التقشف لتوفير اللحم للمقاتلين على الجبهات، الا أن الانسان القديم لم يكن يتبع حمية كهذه، وفقاً لأدق البيانات التي وصلتنا من قبيلة هادزا وهي احدى اواخر القبائل الاصيلة من فترة الصيد والالتقاط والتي تعيش في ما يعرف اليوم بـ “تنزانيا” حيث أن نظامهم الغذائي يتضمن تناول اللحم في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فاغلب غذائهم يعتمد على النبات، او ما يعرف بالأنظمة الغذائية الحديثة بـ “الطعام الغني بالألياف” ، حيث أن هذا النوع من الغذاء اقل طاقة واغنى بالألياف من الغذاء الحديث وليس اقل احتواء على الكربوهيدرات من الأنظمة الحديثة كما قيل مسبقاً، لكن ملك الكبد يجادل بصلف كممثل عن السلالة  البشرية حين يقول: “ان البشر هم أسوأ المفترسات الثديّة التي عاشت على الاطلاق، وأننا يجب أن نُكرّم ارث الأجداد بأن نأكل مثلهم”. 

من الواضح أن ارتكاب مغالطة التوسل بالعصور القديمة من قِبل من يقترحون حمية رجل الكهف؛ يجري بنفس المجرى من يقترحون الاستغناء عن الاحذية حين المشي، والعلاج بالطب الصيني القديم، والتي كلها تشترك بالادعاء المضلل بالتأكيد على صحتها لارتباطها بالماضي المشترك للممارسة او التقليد، حتى مُلهمة جونسون الغذائية (سالي فالون مؤلفة كتاب الأغذية التقليدية) انتقدت “أساليب التغذية الغريبة” والتي تولد اتباع متعصبين.

عندما تعلم أن حلفاء جونسون على الانترنيت اقتنعوا بطرحه وان متابعيه على كل من انستغرام وتيك توك يبلغ عددهم 3 مليون متابع، وأنه قد ربح حوالي 100 مليون من خط انتاج المكملات، فإن أي مجال للعقل والحقيقة الموضوعية قد انقطع تماماً. 

يرتكز الجدل الحقيقي حول كيفية بيع جونسون للمكملات والحمية الغذائية، وأسلوب العيش، على انها اقصر طريق ممكن للحصول على اكثر المكاسب فائدة؛ بنفس الوقت الذي كان يكذب فيه تعاطيه للهرمونات الابتنائية/الاندروجينية، نكتشف من البريد الالكتروني المُسرب لملك الكبد جدول الهرمونات: حيث يحتوي على التستوستيرون المُصنع (الهرمون الجنسي الذكري)، والهرمون الابتنائي/الاندروجيني ديكا-دوربولين (deca-durabolin)، وهو الاسم التجاري للـ ناندرولون، و الونسترول (Winstrol)  وهو الاسم التجاري للـ ستانوزولول، بالإضافة الى عقاقير متنوعة مثل (IGF-1 LR3) وهو بروتين مصنع من استطالة الارجنين ويكون محاكاة للأنسولين البشري- شبيه هرمون النمو، و الابيوتامورين (ibutamoren) و الاومنيتروب (omnitrope)الذي يحقق تأثيرات هرمون النمو، بالإضافة الى عقاقير أخرى تثير الشهية.

في المحادثة الانية التي تم تسريبها، يشير جونسون الى الصيدلية الافتراضية التي تزوده بكل هذه العقاقير وبتكلفة تبلغ 11 ألف دولار شهرياً. بالرغم من احتمال اصابته بالأعراض الجانبية الحادة نتيجة لسوء استخدامه للستيرويدات (والمتضمنة: تغير مستوى الدهون بالدم، ارتفاع احتمال الإصابة بأمراض القلب، وسرطانات معينة (، من الصعب الانبهار بالتأثير البالغ الذي تفعله هذه الهورمونات الصناعية في البُنية العضلية، ولم تكن النتائج الجمالية في جسم جونسون لتحدث لولا الاستعانة بالعقاقير الصيدلانية، لذلك انتُقد جونسون لأنه روج لمثاليات غير واقعية لرجال يستحقون ان يحصلوا على نتائج جيدة بالتمرين لا بالاستغلال. 

أصدر جونسون اعتذراً مزيناً بالاستجداء العاطفي عندما انكشفت حقيقته مع تذرع خاص، قائلاً: “إن 85% من الناس يعانون من مشاكل متعلقة بالاعتداد بالنفس، وأنا واحد من هؤلاء الناس” في إشارة الى انكساراته النفسية؛ ويضيف:” إن شخصية ملك الكبد كانت تجربة لنشر رسالة وبث الوعي لـ 4000 شخص منتحر يومياً، و80 ألف شخص الذين فشلوا في الانتحار” لذلك قدم هذا البرنامج البدائي كحل لهذه المشكلة.

جونسون يختلف عن بقية مؤثري اللياقة البدنية في الاعلام الاجتماعي، الذين يبيعون جداول التمارين والأغذية باستخدام أجسادهم المفتولة العضلات، بل يبيع أسلوب حياة كامل، بشكل محترف على أساس التعليب والتسويق للشبان الذين يسهل التأثير بهم.

خلف المظهر السطحي الجميل تقع رسالة مشؤومة، ففي هذا الأسلوب الحياتي؛ يستعين بالأسلوب البدائي القديم ثم يعود الى الأسلوب التقليدي لبرهة من الوقت كمثال على الترياق الذي يتناوله الرجل الحديث مسلوب الرجولة بالراحة والرفاهية التي توفرها الثقافة المعاصرة، حيث تتردد التلميحات بشكل غير نقي، حيث تتكرر كلمات “التستوستيرون، الرجولة، الفحولة” في صفحته على الشبكة العنكبوتية، يظهر جونسون في صور التقطت بشكل احترافي عاري الصدر، ولم يظهر مطلقاً مرتدياً ملابسه بشكل كامل لأن هذا يخالف مبادئه السلفية، كما يظهر حاملاً رماحاً بدائية او أسلحة اخرى، او قابضاً على قطعة من اللحم النيئ تبدو كأنها سُلخت توّاً من جسد الذبيحة، يمتلك جونسون 4 كلاب من فصيلة دوبرمان، ورتلاً من الشاحنات تتضمن سيارة هامر ودبابة تعود الى الحرب العالمية الثانية، في بث مباشر يتهكم جونسون على العطور النسائية  التي تحتوي على الاستروجين، كما استخدم بندقية رشاشة من مشجب أسلحته مطلقاً النار على غذاء نباتي. 

يميل محتوى جونسون الى اليمين الأمريكي بوضوح، حيث يتحدى ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي انتجه تاكر كارلسون (نهاية الرجال) وكان التحدي بتمرين الخصى لتجنب ازمة الرجولة، وفي هذا شيء كبير من التسفيه؛ أن يُحدد تحدي سياسي- اجتماعي للثقافة الحديثة بنقص هرمون التستوستيرون.

ولكن هناك وجه اخر للقضية؛ في احدى عروضه المباشرة ظهر جونسون كأنه يحطم موزع إشارة الواي-فاي (Wi-Fi router)، وهذا مثير للسخرية أن يُحطم الوسيط الذي يساعده في الترويج لتجارته التي كسب منها الملايين، مات الراوتر المسكين، للضرر الذي يسببه “ببثه للإشعاعات الكهرومغناطيسية، وهذا السلوك يبدو كأنه أفضل اعتراف يربط جونسون بما يسمى بـ فلسفة عافية الجيل الجديد التي يغلب عليها التفكير اليميني بنظرية المؤامرة، في ظاهرة يصطلح تسميتها بـ “المؤامراتية conspirituality.
وما جونسون الا واحد من مؤثري اللياقة البدنية في الاعلام الاجتماعي، ممن يقتاتون على المخاوف والانكسارات النفسية لأتباعهم، وفي الحقيقة؛ فإن تحولاته هي ما تعتمد عليه هذه الصناعة، وانه من غير الانصاف ان يُنتقد لأنه لاقى نجاحاً فاق اقرانه من المؤثرين، ويجب أن تكون (ستيرويدغيت) دليلاً على سقوطه، رغم أني اشك في ذلك، حيث سيأتي مؤثر آخر ليحمل الراية بعده، مروجاً لنفس جداول الحمية المبتذلة، بائعاً للمكملات وبرامج التمرين الرياضي، مع اختلاف بسيط في الاجندة التي يدعي تمثيلها، مع ضمان الاعلام الاجتماعي على نجاح هذه المخططات، لم يكن هذا ليحدث قبل بضعة مئات السنين الا باستخدام حصان وعربة يصحبهما مسرح كامل يدور من قرية الى أخرى، أما اليوم يمكن لأي شخص أن يشترك في الاحتيال الافتراضي، ولن يحتاج الا الى هاتف ذكي، وسيلة احتيال، وازع أخلاقي ضعيف، وكل ما ذكرنا انفا شائع الانتشار. 

لم يكن جونسون رائداً في هذا المجال، بل سبقه بائعو زيت الافعى منذ مئات السنين، فهؤلاء ينجحون باستغلال جهل الناس بالعلوم، ويكسرون أي محاولات نقدية. عندما يتعلق الامر بالتسويق الصحي، فالتاريخ يكرر نفسه، سواء كان يحدث هذا في يومنا حيث يلعب الاعلام الاجتماعي المتغلغل الدور الأكبر في التسويق، او في العصور القديمة حينما كان “رجال الطب” يجوبون قرى الغرب القديم، فإن الادعاءات الزائفة مستمرة؛ لأن من يبتاع هذه المنتجات لا يسأل الأسئلة الصحيحة، أما نحن؛ فتمنحنا الشكوكية القوة على طرح الأسئلة المهمة، وتمحيص صحة الأجوبة، تخيل لو كانت الشكوكية ذات شان كالادعاءات الزائفة لكان تاريخ زيت الافعى مختلف تماماً.

المصدر

Nick Teller, The Liver King, Lies, and Logical Fallacies, Skeptical Inquirer, January 6, 2023